عمليات "تجميل" تشوه وجه نابلس القديم

محاولات بلدية نابلس الفلسطينية المتعددة في الحفاظ على الوجه التراثي جعلها تتشوه كما يقول سكان وتجار في المدينة القديمة.
الأربعاء 2018/09/19
مدينة راسخة في التاريخ

نابلس – تشير عقارب الساعة إلى السادسة والنصف صباحا.. بعد أن دقت أجراس برج الساعة القديم في وسط البلدة القديمة في مدينة نابلس، لتعلن بداية يوم جديد في قلب المدينة القديمة…أصوات إطارات العربات الخشبية تسمع من كل زقاق، كل “عربجي” متجهٌ لعمله؛ فأحدهم ذاهب ليحضر حمولة من الخضار والفواكه لأحد المحال في السوق القديم، وآخر ينتظر الحصول على حمولة سريعة ليبدأ بها يومه.

وفي قلب البلدة القديمة يقع باب الساحة الذي كان على مر التاريخ المركز الرئيسي للمدينة، ودائما ما يكون نقطة الانطلاق للحياة اليومية.

 

تتميز المدينة العتيقة في نابلس بطابعها المعماري الذي يوثق لتعاقب الحضارات، مثل الحضارة الرومانية والبيزنطية والإسلامية، ومن أهم الأنماط المعمارية في المدينة القديمة حاليا، الطراز المعماري الإسلامي، وخاصة الطراز المملوكي الذي مازالت بعض معالمه بارزة حتى يومنا هذا في عدد من البنايات والمساجد.

ويقدر عدد سكان البلدة القديمة بحوالي عشرين ألف نسمة يتوزعون على سبع حارات رئيسية وعدد من الأحياء الفرعية هي الحبلة، الشيخ مسلم، القيسارية، الجوزة، القريون، الياسمينة وحارة الغرب.

ولطالما كانت منطقة باب الساحة قلب نابلس على مدى ألفي عام من بناء الرومان للمدينة، لكنها لم تشهد طيلة العقود الماضية تغيرات سياسية فقط، بل شهدت أيضا تغيرات طالت حجارتها.

ومن اللافت للنظر أن البلدة القديمة في نابلس ومنذ تاريخ بنائها قبل أكثر من ألف وتسعمئة عام، ظلت مأهولة بالسكان والأسواق التجارية، بل يمكن القول إنها حافظت على مكانتها كمركز تجاري وسكني رئيسي ومزدهر على مستوى فلسطين بالرغم من فترات الاضطراب وعدم الاستقرار التي مرت بها.

فؤاد حلاوة صاحب محل في ساحة المنارة وهو وجه معروف في تلك المنطقة يقول لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) “عمري الآن 83 عاما كنت شاهدا على التغيرات التي حصلت هنا في باب الساحة منذ أن تم اقتلاع البلاط السلطاني العثماني في عام 1954”.

وخلال السنوات التي تلت، أصبحت التغيرات تحدث بين فترة وأخرى ونبض البلدة بدأ يتلاشى شيئا فشيئا.

ويضيف حلاوة “عندما كان البلاط السلطاني هنا كان يحمل الطابع الأثري القديم، أما الآن فأصبحت هذه التغيرات تقلقنا كثيرا وأصبح المكان بلا هوية وبلا روح أيضا فالحياة هنا أصبحت غير مستقرة”.

ويتابع “التغير الأخير بدأ منذ نحو 8 شهور ومازال العمل مستمرا به، فقد تغيّرت معالم باب الساحة وأصبح البلاط القديم بلاطا حديثا”.

أحمد حرزالله، صاحب أحد المحال المجاورة لباب الساحة يقول، “المكان أصبح ضيقا ولم يعد كما كان من قبل، هذه التغيرات لم تأت بشيء جديد بل كانت سيئة للغاية حتى الأماكن الأثرية لم تنج من التغيرات الحديثة”.

ويؤكد حرزالله “شهدت تغييرين خلال جلوسي في المحل هنا؛ الأول وضعوا في المنتصف نافورة ماء، والثاني قاموا بإزالتها وإعادة رصف باب الساحة بالرخام، أما الآن فأنا أشهد التغير الثالث الذي بدأ منذ شهور قليلة، وهو تغير سيء جدا ومحا جمال البلدة القديمة”.

البلدة القديمة في نابلس ظلت مأهولة بالسكان والأسواق التجارية
البلدة القديمة في نابلس ظلت مأهولة بالسكان والأسواق التجارية

ويمتاز باب الساحة بوجود برج الساعة القديم، وهو واحد من 7 أبراج أقيمت في مدن فلسطين في العام 1901 احتفالا بمرور 25 عاما على اعتلاء السلطان عبدالحميد الثاني العرش العثماني، وتقع الأبراج الأخرى في القدس ويافا وحيفا وصفد والناصرة وعكا، إلاّ أن برج القدس هدمته القوات البريطانية عند دخولها للمدينة، ويعتبر أحد أهم الآثار المعمارية العثمانية الباقية في نابلس.

وأسفل البرج القديم توجد بوابة كانت للمخفر الذي أنشأه العثمانيون قبالة دار السرايا المقابلة للبرج، وبعد ذلك استخدمه الانتداب البريطاني وحتى عند تسلم الأردنيين استخدم هذا المخفر.

ويقول الساعاتي عنان حميض “كنت مسؤولا عن برج الساعة لمدة تقارب 29 عاما، لم أشعر يوما واحدا بالحزن طيلة فترة عملي بالبرج، وحتى عندما كنت طفلا، فلم تكن الساعة تخطئ بثانية واحدة، أما الآن فسعادتي قلت، إذ مازلت أسمع صوت الجرس، ولكن غصتي الكبيرة عندما أرى الساعة التي ضبطت وقت نابلس تخطئ كثيراً”.

أحد المارة عزف عن ذكر اسمه يقول “كان المكان جميلا في ما سبق، أما الآن فهو لا يتعدى أكثر من بسطة منزل ببلاط صيني حديث”. ويضيف آخر “القديم دائما أجمل ويعطي للمكان شيئا من السكون”.

قديما كانت تبلغ مساحة البلدة القديمة ما يقارب 2 كيلو متر مربع ممتدة من الشرق إلى الغرب، أما الآن فلا تتجاوز مساحتها النصف كيلو متر مربع بسبب هدم المناطق المحيطة بها وتحويلها لأحياء حديثة.

المهندس المسؤول عن البلدة القديمة في بلدية نابلس سامح عبده يقول “كان التغير الأول الذي حصل على باب الساحة يتمثل في وضع برج الساعة، وتبليط الساحة بالبلاط السلطاني ووضع المقاعد والأشجار، فقد كان باب الساحة عبارة عن ساحة ترابية مفتوحة ومحاطة بالصبّانات ومنازل العائلات العريقة، وكانت هناك عين ماء تم تغيير مسارها مع مرور الوقت”.

ويضيف “وفي عام 1954 قامت البلدية وبطلب من بعض الأهالي بإجراء بعض التغييرات كإزالة البركة والبعض من البلاط السلطاني والأشجار وغيرها بسبب الاكتظاظ الذي أصبح في منطقة باب الساحة بعد فتح المحال”.

ويقول عبده “إن البلدية تقوم الآن بمشروع على مرحلتين في باب الساحة، تم الانتهاء من المرحلة الأولى، وهي تبليط الساحة ببلاط تراثي يحاكي البلاط القديم، وإعادة تأهيل البنية التحتية لباب الساحة، أما المرحلة الثانية، فستكون بوضع بركة مياه وإعادة المقاعد والأشجار وتظليل المكان وتوحيد أبواب المحال التجارية وترميم الأحجار القديمة لنعيد لباب الساحة مكانته التراثية”.

ويؤكد “تعمل البلدية على تحويل البلدة القديمة إلى متحف مفتوح يتمثل بنوعين من المتاحف؛ الأول يقوم على ترميم وامتلاك مبان تاريخية مثل قصر طوقان وما يحيط به من حدائق ومداخل، ووضع موجودات تاريخية بداخله تحاكي جميع الحقب الزمنية التي مرت على مدينة نابلس، بدءا من العصر الكنعاني ولغاية الفتوحات الإسلامية، أما النوع الثاني فيتمثل بترميم كامل للبلدة القديمة بما تحويه من طرقات ومبان وساحات وسبل مياه وأحواش، لتحاكي الأسواق التاريخية في القدس ودمشق وعكا وبعض المدن في بلاد الشام”.

نبض البلدة بدأ يتلاشى شيئا فشيئا
نبض البلدة بدأ يتلاشى شيئا فشيئا

 

20