"عمان عبر الزمان" متحف يسرد قصص الأمجاد ويحفظ الإرث الثقافي العماني

جاء متحف “عمان عبر الزمان” ليبرز النقلة النوعية لسلطنة عُمان بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها بشكل تفاعلي وحديث صوتًا وصورةً، انطلاقًا من أمجادها التاريخية ووصولًا إلى حاضرها المشرق.
مسقط - اختارت سلطنة عمان أن تؤسس متحف “عُمان عبر الزمان” ليكون أيقونة فنية وثقافية، تجمع بين استحضار الماضي وتعزيز النشاط الثقافي والعلمي في الحاضر، مع تصميم معماري يراعي الخصوصية وينفتح على آخر الابتكارات.
يركز المتحف على الطابع الفريد لسلطنة عُمان ويهدف إلى التعريف بمميزاتها وتاريخها العريق ونهضتها التي مازالت تدفع بها للمُضي قُدمًا على المستويين المحلي والدولي للإسهام في نشر الوعي وتوطيد علاقة الشباب العُمانيين بالإرث الثقافي وحثّهم على التفاعل بشكل يُلهمهم بفاعلية في بناء وطنهم ورسم معالمه.
وسائل العرض ترتكز على الوسائط الرقمية لإيجاد بيئات افتراضية تمكّن الزائر من معايشة الواقع الافتراضي لكل عصر
يقع المتحف بولاية منح في محافظة الداخلية وصمّم على شكل جبال الحجر ليُضفي إبداعًا معماريًّا يمثّل البيئة العُمانية بتفاصيلها الجغرافية الفريدة.
وهدف القائمون على المشروع إلى أن يكون المبنى ذا طابع إبداعي يمثل أيقونة لعصر النهضة مبنًى ومعنًى، ويترجم العمارة العُمانية بأسلوب عصري متفرّدٍ بتفاصيله الهندسية والإنشائية ومواد بنائه.
ويعد مبنى متحف “عُمان عبر الزمان” صديقًا للبيئة؛ حيث تم بناؤه بشكل منخفض من جهة الشرق حتى تشرق عليه الشمس ويحمي المساحات داخل الفضاءات من أشعتها المباشرة، ووُضعت في جهة الغرب نوافذ تساعد على إدخال الإضاءة إلى المتحف مع جدران مائلة تمنع أشعة الشمس المباشرة، وتخفّض الطاقة التي يحتاجها المتحف في الإنارة.
وقد جاء تصميمه وفق نظام مأخوذ من فكرة القلاع والمباني القديمة مع وجود الجدران التي تبرد الهواء، وحُدّدت بعض الاشتراطات في البناء حتى يكون صديقًا للبيئة مثل استخدام الحجارة العُمانية عالية الجودة ورصعت بها جدران المتحف من الداخل والخارج وبلغ حجمها مئة وثلاثين ألف متر مربع، كما استُثمرت مخلفات الأحجار والقطع للاستفادة منها في الحديقة.
تاريخ وجغرافيا
يتكون المتحف من قاعتين ثريّتين بمحتواهما ومقتنياتهما، هما قاعة التاريخ وقاعة عصر النهضة، ويُبحر الزائر في أولى خطواته في متحف “عُمان عبر الزمان” بين جغرافيا سلطنة عُمان وتاريخها، متأمّلًا ماضيها وحاضرها ومستقبلها بشكل تفاعلي وباستخدامِ الوسائل التقنية الحديثة، إضافة إلى المقتنيات الثرية التي يستعرضها المتحف بين جنباته، ليأخذه في رحلةٍ سرديةٍ عبر الزمان تبدأ من أواخر عصور ما قبل التاريخ وتتواصل إلى يومنا الحاضر.
ويستطيع زائر قاعة التاريخ، التي تتكون من جناح أرض عُمان وجناح المستوطنين الأوائل وجناح حضارة عُمان وجناح مملكة عُمان وجناح التراث البحري وجناح الأفلاج وجناح اعتناق الإسلام وجناح دولة اليعاربة وجناح دولة البوسعيديين، التعرف على مختلف الحقب التي مرت بها سلطنة عُمان كجيولوجيا الأرض والسكّان الأوائل وصولًا إلى عصر النهضة.
وتمتاز قاعة التاريخ بطريقة العرض من خلال المسار الزمني مع إبراز موضوعين اثنين هما التراث البحري والأفلاج لارتباطهما بتاريخ سلطنة عُمان، حيث يتم عرض التكون الجيولوجي لأرض عُمان، والعصر الحجري المتمثل في جناح المستوطنين الأوائل، والعصر البرونزي المتمثل في جناح حضارة مجان، والعصر الحديدي المتمثل في جناح مملكة عُمان، بالإضافة إلى أجنحة اعتناق الإسلام، ودولة اليعاربة ودولة البوسعيديين.
وترتكز وسائل العرض المتحفي في هذه القاعة على الوسائط الرقمية لإيجاد بيئات افتراضية متعددة الأبعاد تمكّن الزائر من معايشة الواقع الافتراضي لكل عصر، إضافة إلى مجموعة منتقاة من الشواهد المادية والخرائط لإضفاء حالة من الواقعية، فتحتوي أجنحة العصور على عدد من المقتنيات والمواد المرئية التي تتحدث عن عدد من الموضوعات والمواقع الأثرية مثل مستوطنات رأس الحمراء ورأس الجنز ومظاهر الحياة اليومية آنذاك، وما يتصل بالهجرات الموسمية، والتواصل البحري، وتجارة النحاس، وبناء منظومة الأفلاج. كما تحتوي على بيئة افتراضية فائقة الدقة تتحدث عن إسهام أهل عُمان في الإسلام، ومناحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بذلك، والإسهام العلمي للعلماء العُمانيين.
من جانب آخر تستعرض قاعة التاريخ حقبة دولة اليعاربة من خلال عرض صوتي ومرئي فائق الدقة وخرائط افتراضية، وحقبة دولة البوسعيديين التي تتكون من أربع مراحل رئيسية هي: فترة تأسيس الدولة، وفترة الإمبراطورية العُمانية، وفترة انقسام الحكم بين مسقط وزنجبار، وفترة الطريق إلى النهضة، مع التركيز على مظاهر الحياة اليومية والإنجازات التي تحققت في شتى ميادين الحياة خلال فترة حكم الأئمة والسلاطين من أسرة البوسعيد.
أما قاعة عصر النهضة فتتكون من جناح فجر النهضة وجناح بناء الوطن وجناح مجتمعنا وجناح البيئة الصحية وجناح الأمن والاستقرار وجناح نحو اقتصاد مستدام وجناح البنية الأساسية والنقل وجناح الشورى وجناح عُمان والعالم وجناح التعبير الإبداعي وجناح عُمان والاتصالات وجناح الإلهام، وتم تصميم مدخلها على شكل فضاء مفتوح، يتوسطه عدد من الأعمدة المهيبة التي تشكل فضاءً تفاعليًّا لمنظومة العرض الصوتي والمرئي فائقة الدقة والتي تتناول الأعوام الخمسة الأولى من عمر النهضة، وتتيح مشهدًا بانوراميًّا للقاعة.
وتمثل القاعة ذروة تجربة زائر المتحف ومحورها الأساس، وتستعرض جوانب التطور والازدهار والنماء في سلطنة عُمان، وما شهدته من تحول اجتماعي واقتصادي وصناعي وسياسي ملحوظ، جنبًا إلى جنب مع المحافظة على مكنونات هويتها الأصيلة وتقاليدها الثقافية العريقة.
وتحتوي القاعة على وسائل متحفية رقميّة تفاعليّة تستعرض خطابات للسُّلطان هيثم بن طارق وخطابات الراحل السُّلطان قابوس بن سعيد، إضافة إلى مرتكزات النهضة كالتعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية والعلاقات الخارجية والسياحة والاقتصاد وغيرها من الموضوعات.
ويحتوي متحف “عُمان عبر الزمان” على ثلاث مئة وعشر مواد فيلمية وألف ومئتي شاشة تفاعلية/ثنائية وثلاثية الأبعاد/تقنية إسقاط الخرائط وألف وثلاث مئة من المقتنيات وثمانين من النماذج طبق الأصل وخمس مئة لوحة من اللوحات النصية والرسومات ومئة وخمسين صندوق عرض وواحد وستين كيلومترًا من كابلات الألياف البصرية وواحد وعشرين كيلومترًا من كابلات الصوت والصورة.
ويضم المعرض فك حيوان عمانثيريوم الذي يعود إلى نوع من الفيلة البدائية الضخمة التي عاشت على أرض عُمان قبل حوالي 35 مليون سنة وعُثر عليه في محافظة ظفار، وثلاثيات الفصوص وهي عبارة عن حجر عثر عليه في ولاية محوت بمحافظة الوسطى، ويعود إلى ما قبل مئتين وخمسين مليون سنة إلى خمس مئة مليون سنة، فضلا عن النقوش على الصخور التي اكتشفت في ولاية مدحا بمحافظة مسندم.
ومن الواضح أن هذه النقوش شُكلت باستخدام أحجار أخرى، وتتنوع بين أشكال بشرية وحيوانية، ومبخرة نذرية مزينة برسوم حيوانات يعود تاريخها إلى عام 100 – 200 ميلادي، وتستخدم في حرق اللبان عند تقديم النذور، وبها شكل أسد ووعل، ودواة الإمام مهنا بن سلطان التي تعود إلى سنة 1719، وهي من صُنع عامر البهلاوي من ولاية بهلا.
كما يحتوي المتحف على سفينة مجان وهي إعادة تصور لسفن حضارة مجان، صُنعت من حزم القصب وحبال ألياف النخيل والحصير المنسوج وشراع من الصوف، وطُليت بمادة القار الأسود. ويتضمن المتحف ألعابًا تعليمية للأطفال بتقنيات تفاعلية حديثة تقدم تجربة متحفية فريدة من نوعها.
تقنيات حديثة
يسعى متحف “عُمان عبر الزمان” لإيصال فكرة كل جناح إلى الزائر بأفضل الوسائل الحديثة من خلال استخدام عدة تقنيات، منها تقنية إسقاط الخرائط وشاشات عرض مختلفة الأنواع بمساحة 800 متر مربع تقريبا. ومن مميزات المتحف الفريدة أنه يوفر للزوار استكشاف المحتوى باللغتين العربية والإنجليزية في آنٍ واحد من خلال استخدام سماعات الرأس التزامنية مع الأفلام وجميع النتاجات الفنية وبشكل فوري، ما يوفر الوقت والجهد للزائر إضافة إلى استخدام تقنية الواقع الافتراضي المكونة من شاشات متعددة تحتوي على كاميرات معلقة.
ففي جناح “المستوطنون الأوائل” ضمن قاعة التاريخ يقوم الزائر بتحريك الشاشة فوق أجزاء من المتحف لرؤية المستوطنين الأوائل في رأس الحمراء، ونمط حياتهم. كما تم استخدام تقنية الشاشة المنحنية بزاوية 360 درجة والتي تمكّن الزائر من الاستدارة حول نفسه أمامها لمشاهدة فيلم عن عصر اليعاربة.
ويحتوي المتحف كذلك على مكتبة حصن الشموخ ومرافق للأطفال ومركز المعرفة، وهو نافذة معرفية للطلبة والباحثين والقرّاء وركيزة من ركائز متحف “عمان عبر الزمان”، كما أنه مصدر غنيّ بالمعلومات التي تسهم في بناء المعرفة لدى مختلف الفئات بدءًا من الأطفال ووصولا إلى الباحثين، حيث يتيح المركز فرصًا متكافئة للاستفادة من مرافقه وتجهيزاته وخدماته إضافة إلى تعزيز وتنمية المعارف الثقافية والتاريخية، وإتاحة المصادر المعرفية اللازمة للطلبة والباحثين، والتي تتيح لهم فرص التعلم مدى الحياة. كما يقوم المركز بتقديم برامج تعليمية تربوية تفاعلية وورش تدريبية، ويستضيف المحاضرات والندوات العلمية.
وينقسم مركز المعرفة إلى ثلاثة طوابق تستهدف جميع فئات المجتمع، حيث يضم الطابق الأرضي معمل الأفكار ومعمل الابتكار اللذين زُوّدا بالأدوات والكتب المناسبة للأطفال من 3 سنوات إلى 14 عامًا.
في حين يضم الطابقان الأول والثاني مكتبة حصن الشموخ التي تم نقلها من حصن الشموخ العامر إلى متحف “عُمان عبر الزمان”، وتحتوي المكتبة على أكثر من 46 ألف عنوان في شتى بحور العلم والمعرفة، وهي مزودة بأجهزة تتيح للباحثين الوصول إلى مبتغاهم من العناوين والمراجع سواء الورقية منها أو الإلكترونية.