عمال غزة.. أشغال شاقة بأجور لا تغني من الجوع

غزة (فلسطين) ـ مقابل ساعات عمل طويلة، يتقاضى العمّال الفلسطينيون في قطاع غزة أجورا متدنية، لا تتناسب مع طبيعة وظروف العمل التي تحمل في بعض الأحيان نوعا من الخطورة.
كما يحرم عمال في غزة من حقوقهم التي أقرّها قانون العمل الفلسطيني لعام 2000، ومنها “وجود عقد للعمل والحد الأدنى للأجور، والإجازات، وساعات العمل والراحة، والتأمين عن الإصابات وغيرها من الحقوق الأساسية”.
ويشكو العمّال من استغلال أرباب العمل لهم، بتكليفهم بمهام وأعباء جديدة أو ساعات عمل إضافية، متذرّعين بندرة توفر فرص العمل في القطاع، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل الذين من الممكن أن يحلوا مكانهم.
وفي الوقت الذي يحتفي فيه عمال العالم بعيدهم الموافق للأول من مايو من كل عام، يصنف عمال غزة ضمن القابعين في فقر وفقر مدقع، جراء غياب الآليات والسياسات التي تحمي حقوقهم، بحسب تقارير حقوقية.
وتتزامن انتهاكات حقوق العمال مع واقع اقتصادي صعب يعيشه قطاع غزة، جرّاء استمرار الحصار الإسرائيلي للعام الـ16 على التوالي، وبفعل الانقسام السياسي الداخلي في الساحة الفلسطينية منذ عام 2007.
تقول الشابة روان محمد (26 عاما)، العاملة في مختبر للتحاليل الطبية، إنها تعمل لمدة 8 ساعات يوميا، فيما تتقاضى أجرا شهريا يصل إلى 138 دولارا فقط. وتضيف “إن حوالي 70 دولارا من إجمالي الراتب، يتم صرفها بدل مواصلات، فيما لا يكفي المبلغ المتبقي لتلبية احتياجات أسرتها”.
كما تُحرم محمد من الإجازات في أوقات اضطرارية بحجة عدم وجود بديل لها، فضلا عن عدم وجود عقد ينظم عملها في المكان.
وتشير إلى أن احتمالية “تركها للعمل ترادوها بشكل مستمر، بسبب انتهاك حقوقها، إلا أن ندرة فرص العمل في القطاع تدخلها في حالة من التردد وتدفعها إلى تحمّل هذا الظلم”.
ويقول رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة سامي العمصي إن عمال القطاع يعيشون واقعا صعبا ومريرا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بالقطاع. ويضيف أن “الأوضاع السيئة تضرب العمال في كافة قطاعات العمل، حيث يعانون من انتهاكات كثيرة أبرزها غياب الحد الأدنى للأجور، وساعات العمل الطويلة”.
70
دولارا من إجمالي الراتب، يتم صرفها بدل مواصلات، فيما لا يكفي المبلغ المتبقي لتلبية احتياجات الأسرة
وأوضح أن عدم تطبيق قانون العمل الفلسطيني وغياب آلية تلزم المنشآت بتنفيذه، يجعلان حقوق العامل عرضة للانتهاك من أرباب العمل.
وبيّن أن بعض العمّال يتحملون ظروف عمل قاسية وبأجرة منخفضة تقدر بنحو 2 شيقل بالساعة (الدولار الواحد يعادل 3.6 شواقل)، فيما يعمل بعضهم بأجرة يومية لا تتجاوز الـ20 شيقلا.
ويوضح أن هذه الانتهاكات تحدث جراء عدم “تطبيق أصحاب العمل لقانون العمل بحجة صعوبة أوضاعهم الاقتصادية المترتبة على الحصار”.
ويذكر العمصي أن غياب عوامل السلامة المهنية في ورش العمل بغزة، عرّض العشرات من العمّال لمخاطر الإصابة، مرجحا وقوع نحو 300 إصابة في صفوف العمّال بشكل سنوي.
ويقول “90 في المئة من إصابات العمل لا يتم حلّها وفق القانون، إنما بالعرف والعادات والتقاليد التي تهضم حق العامل”. وتدفع الظروف الصعبة الكثير من العمال إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، للتمكن من إعالة أسرهم، بحسب العمصي، معتبرا ذلك أحد حلول أزمة البطالة. وأضاف أن “نحو 10 – 12 ألف خريج جامعي ينضمون سنويا إلى صفوف البطالة في غزة، جراء ندرة توفر فرص العمل”.
وفي ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، يقول العمصي إن الاتحاد خاض صراعا طويلا على مدار سنوات حتى تم تشكيل لجنة حكومية لتحديد قيمة أجور العمال قبل نحو شهر تقريبا. وأضاف أن الجهات المشكّلة لهذه اللجنة (الحكومة وأرباب العمل وممثلي العمال) “ماضية بالضغط للوصول إلى رقم ينصف العامل الفلسطيني”.
وبيّن أن الحد الأدنى للأجور سيأخذ بعين الاعتبار “الأوضاع الاقتصادية في القطاع وأوضاع أصحاب العمل والعمال أيضا”. وأشار إلى أن الحد الأدنى سيتم تطبيقه بشكل تدريجي في الشركات والمتاجر الكبيرة وصولا إلى الصغيرة، وبحسب القطاعات.
ولفت إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يمنع “حالة الاستغلال لظروف العمّال وتقليص أجورهم”. وتابع “هناك حالات استغلال للعمال، سواء بأجور زهيدة أو بطرد من العمل لأتفه الأسباب، وعدم وجود عقود عمل موقعة وغيرها من الحالات”. وختم حديثه قائلا إن تطبيق الحد الأدنى من شأنه أن يترك أثرا إيجابيا على نحو 160 ألف عامل في غزة، أي 160 ألف أسرة.
وقال مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل بغزة حسين حبوش إن وزارته تهدف إلى تطبيق قانون العمل في المنشآت لحماية العمّال وأرباب العمل.
وأضاف أن الوزارة تجري جولات تفتيش تستهدف بالدرجة الأولى منشآت العمل الكبيرة، للتأكد من تطبيق قانون العمل، والتأكد من عدم وجود مظالم تقع على العمال ولمعالجة أي خلل يحدث.
وتابع “نتأكد حينها من تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية وطبيعة المكان وخطورة الأعمال على العمال وإجراءات الإسعافات الأولية، وإن كان الزي مناسبا للعمل أم لا، فضلا عن التأكد من أحوال العمال وحقوقهم من الإجازات وغيرها”.
وعن الحد الأدنى للأجور، قال حبوش “الرقم الذي سيتم وضعه من اللجنة من شأنه أن يراعي الواقع الاقتصادي الذي نعيشه ومستوى غلاء المعيشة”، لافتا إلى أن اللقاءات ما زالت مستمرة وموعد انتهاء عمل اللجنة غير معروف.