عمال الخليج يعومون في العرق تحت الشمس الحارقة

دول عديدة تمنع العمل خلال الظهيرة في الأماكن المفتوحة.
السبت 2022/07/02
شقاء وهجير

تزداد معاناة المهاجرين في دول الخليج مع بداية الصيف الذي تصبح فيه درجة الحرارة لا تطاق خاصة وأنهم يعملون في مهن شاقة أغلبها يتم في الهواء الطلق تحت الهجير، وعلى الرغم من أن العديد من هذه الدول منعت العمل وقت الظهيرة إلا أن هؤلاء العمال يجدون أنفسهم مجبرين على العمل لتوفير المزيد من المال.

دبي - يحذّر خبراء من أنّ الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة يمكن أن يصعّب الحياة في هذه المنطقة الصحراوية بعد أن تجاوزت الحرارة الـ50 درجة مئوية في بداية الصيف.

وعلى غرار ملايين الأجانب الذين يعملون تحت الشمس، يكاد المواطن الهندي بي ساجاي يفقد قدرته على تحمل الحرارة، فبالنسبة إليه بات فصل الصيف عبارة عن معاناة.

وقال من العاصمة العمانية مسقط حيث يعمل في مواقع بناء منذ ست سنوات “نعمل في درجات حرارة مرتفعة جدا، لكن هذه هي طبيعة عملنا. نعم، نعاني من شدة الحرارة”.

وتابع “الشيء الوحيد الذي نعتبره متنفسا لنا هو فترة الراحة (…) في منتصف النهار”.

درجات الحرارة وصلت في اليوم الأول من فصل الصيف في أنحاء متفرقة من منطقة الخليج إلى 50 درجة مئوية

وليس ساجاي العامل الوحيد الذي تضرر من العمل تحت أشعة الشمس في فترة الظهيرة والتي تسجل أرقاماً مرتفعة طوال النهار، مما دفع الجهات المسؤولة في بعض دول الخليج كالإمارات والسعودية وقطر وسلطنة عمان والكويت إلى سن قوانين تمنع العمل في ساعات الظهيرة للعاملين في الأماكن المفتوحة والأماكن المظلّلة غير المزوّدة بوسائل تهوية مناسبة.

وتعتمد سلطنة عمان والسعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت بشكل كبير على العمالة الأجنبية، وخاصة الآسيويين، في مهن يتجنبها معظم السكان المحليين لصالح المناصب الحكومية ذات الرواتب المرتفعة.

ويعمل جزء كبير من هؤلاء العمال في مواقع البناء وجمع القمامة ما يدفعهم إلى البقاء ساعات طويلة في الشوارع تحت شمس الصيف.

وبين يونيو وأغسطس، تحظر القوانين في الدول المنتجة للنفط العمل في الهواء الطلق لمدة أربع ساعات تقريبا بدءا من الظهيرة بسبب الحر الشديد. وعادة ما يلجأ العمال إلى أي ظل يقيهم الشمس الحارقة خلال فترة الحظر.

لكن في السنوات الأخيرة، حتى الظل أصبح لا يطاق بشكل متزايد في المنطقة الغنية بالوقود الأحفوري.

ووصلت درجات الحرارة في اليوم الأول من فصل الصيف في أنحاء متفرقة من المنطقة، من الرياض إلى الكويت وأبوظبي، إلى 50 درجة مئوية. وحتى قبل ذلك، أصبحت الكويت في شهر مايو أكثر الأماكن حرارة على وجه الأرض، مسجّلة 53.2 درجة.

وقال الخبير الكويتي في مجال الأحوال الجوية عيسى رمضان إنّ “السنوات العشر الأخيرة هي الأعلى حرارة في الكويت”، محذّرا من أنّ “الصيف أصبح يمتد في الكويت إلى شهر سبتمبر وأحيانا إلى أجزاء من شهر أكتوبر”.

رزق مصهود
رزق مصهود

في مسقط، قام عمال الشهر الماضي بتغطية رؤوسهم بأوشحة وقبعات ملونة، بينما اختبأ آخرون تحت ظل أشجار التمر في وسط شارع ذي اتجاهين. وكان المارة يحملون المظلات وهم يسيرون تحت أشعة الشمس الحارقة.

وقال محمد مكرم، “من أجل إتمام ساعات العمل الثماني في أسرع وقت ممكن، أبدأ العمل أحيانًا في السادسة صباحا، وأتوقف خلال فترة الراحة، ثم أعمل لساعتين أخريين”.

وتابع عامل البناء البنغلاديشي، “إذا عملت لساعات أكثر، أكسب المزيد”.

وتدعو الدوائر الصحية في المنطقة العمال إلى شرب كوبين من الماء كل نصف ساعة، وطلب أخذ الاستراحة من مشرف العمل عند الحاجة، وكذلك التحقق من لون البول إذا كان غامقاً فيجب شرب الماء فوراً.

ويثير العمل في الخارج خلال فصل الصيف انتقادات من قبل منظمات حقوقية تطالب بحماية أكبر للعمال.

وفي قطر، دعت منظمات حقوق الإنسان الدولة المستضيفة لبطولة كأس العالم 2022 إلى اعتماد قوانين لحماية مئات الآلاف من عمال البناء، وللتحقيق في وفيات مرتبطة بأمراض قلب وتنفس ناتجة عن الحرارة العالية.

عمل شاق تحت حرارة مرتفعة
عمل شاق تحت حرارة مرتفعة

لا توجد بيانات موثوقة حول أعداد وفيات العمال المهاجرين في دول الخليج. غير أن دراسة حديثة أجرتها مجموعة “فايرل ساين” التي تضم منظمات حقوقية من دول آسيوية، كشفت أن “ما يصل إلى 10 آلاف عامل مهاجر من جنوب وجنوب شرق آسيا يموتون في الخليج كل عام”.

وذكرت الدراسة التي نُشرت في مارس الماضي أنّ أكثر من نصف الوفيات يتم تسجيلها بشكل عام على أنّها وقعت بسبب “أسباب طبيعية” أو “سكتة قلبية”.

في 2020، كشفت دراسة نُشرت في مجلة “ساينس أدفانسز” أن منطقة الخليج تسجّل أكثر الأجواء حرارة ورطوبة مقارنة بأي مكان آخر على وجه الأرض.

ويقول خبراء أن الإنسان البالغ الذي يعمل في الهواء الطلق معرّض للموت إذا تجاوزت حرارة جسده مقابل الحرارة الخارجية 35 درجة مئوية لمدة ست ساعات.

وأظهرت الدراسة أنه لم يحدث هذا الأمر سوى 14 مرة، جميعها في العقدين الماضيين، وبينها ثمان في منطقة الخليج وحدها.

الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة يمكن أن يصعّب الحياة في المناطق الصحراوية

كما خلصت دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر كلايمت تشنجينج” قبل بضع سنوات إلى أنه “في غضون هذا القرن، يمكن أن تتعرض أجزاء من منطقة الخليج (…) لموجات غير مسبوقة من الحرارة القاتلة نتيجة لتغير المناخ”.

ووجدت أن العديد من المدن في المنطقة يمكن أن تصبح غير ملائمة للعيش، حتى في الأماكن المظللة وأماكن التهوية.

في هذا السياق، يحذّر مدير البرامج في منظمة “غرينبيس” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جوليان جريصاتي من أنه “إذا لم نغير المسار، فإن درجات الحرارة هذه ستستمر في الارتفاع على مر السنين لتصل إلى مستوى تكون فيه الأنشطة البشرية في الهواء الطلق في الخليج، مثل الحج، شبه مستحيلة في الصيف”.

وتستقبل السعودية مليون حاج خلال شهر يوليو لأداء المناسك السنوية، بعد تقليص كبير في الأعداد خلال العامين الماضيين بسبب فايروس كورونا.

ويقول جريصاتي، إنّ “الحل الوحيد هو تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري الذي يعد المحرّك الرئيسي لتغير المناخ والتحول التدريجي والسريع نحو الطاقة المتجددة”.

وتخطط دول الخليج للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050.

18