علي الكفري.. رسام المرأة العربية في جميع تجلياتها التراثية

عمّان – يعمل الفنان التشكيلي الفلسطيني علي الكفري منذ احترافه الرسم على استعادة التراث العربي الإسلامي بشكل جديد ومعاصر، في لوحات واقعية تزيينية مطرّزة بالخطوط العربية ومظاهر التراث المختلفة، وهي لوحات يحرص على ألاّ تأخذ صيغة تسجيلية جامدة، أو تهدف إلى التوثيق فقط، بل يقدّمها في شكل لوحات فنية تشكيلية متكاملة المقوّمات، تنتصر لجماليات المكان وخصائصه الحضرية الأصيلة، وتنتمي في الوقت ذاته إلى عصرها.
بدايته الفنية كانت مع الإنسان المناضل الفلسطيني الذي يتبنى قضية أمّة، فكانت لوحاته تجسيدا لمواقف النضال وبعض المجازر الصهيونية في قانا وغزة. لكن الكفري الذي يرى أن الفن لم يخلق لقضية واحدة وشعب واحد، انطلق في رسم المرأة والجمال والحياة بكثافة لونية لا يتقنها أحد سواه.
تأسر لوحات الكفري الناظر منذ أن يراها، فهي تتّسم بطبيعة تراثية خالصة سهلة الاستدلال على الفنان الذي أبدعها خامة وشكلا، وهو في ذلك يقول “لا يمكننا الفصل بين التراث العربي والمرأة، لأنها جزء هام من تاريخ الأمة وحاضرها، البداية كانت مع الأواني الفخارية والتراث الدمشقي العريق من النحاسيات والفضيات بعد أن عشت فترة إحباط قاربت العام، ورغم أن هذا النمط من الفن عاش معي منذ الطفولة عندما كنت أذهب إلى الحقول وأرسم ما أراه على كتبي التي أعتبرها معارض صغيرة، إلاّ أنني حاولت إضافة ما هو جديد لهذا الفن عن طريق البحث المستمر”.

علي الكفري: ليس كل ما في التراث قابلا لأن يكون محل لوحات معاصرة
ومن هناك أضاف الكفري إلى منجزه الفني الشمع والزيت بعد إسالته بالنار، وكانت اللوحات المخرجة تركيبة جديدة في عالم الألوان لم يستطع أي فنان التوصل إليها، فرسم المرأة بتفاصيلها، وأخذت المرأة الجزائرية حيزا من عالمه لما تتميّز به النساء القرويات الجزائريات من محافظة على التراث الذي بدأ من الأواني الفخارية كما يعرفه المؤرّخون وصولا إلى جسد المرأة.
ويسعى الكفري للاختزال والتبسيط في ما يتعلق بعناصر التراث المختلفة، لاسيما العمارة العربية، مثل اللوحات التي تتناول الجامع الأموي والقدس الشريف؛ وذلك عبر أخذ مقاطع منها وتلخيصها بالاعتماد على مخيلته الخاصة ورؤيته الفنية، فضلا عن معاودة اشتغاله على الخط العربي بصيغة جمالية تعتمد على جعل الحرف عنصرا فنيا إضافيا يزيد من بهاء اللوحة دون أن يكون أساسيا فيها.
ويحافظ الكفري في مجمل لوحاته على أسلوبه الخاص عبر ربط مراحل تجربته الفنية ببعضها البعض دون أن يبتعد عن التراث الذي يعتبره هويته وخطه الفني، فيرسم الأواني الفخارية والنحاسيات الشرقية مرورا بالطبيعة الصامتة والإنسان، وخاصة المرأة العربية، وصولا إلى العمارة والخط العربي. وهو يضع كل هذه المواضيع ضمن دائرة التراث الشرقي والزخرفة العربية أو ما يصطلح على تسميته بالأرابيسك.
ويلحظ المُشاهد للوحات الفنان الفلسطيني المخضرم المزيد من العناصر التراثية، ولاسيما عناصر العمارة الإسلامية التي يقدّمها برؤية فنية مبسطة ومختزلة مع الاعتماد على ملكاته اللونية التي طالما ميّزته؛ فالكفري يقوم بانتخاب عناصر ومفردات وأشكال معينة من معجمه التراثي، ثم يُعيد ترتيبها وتنظيمها وتصويرها في لوحة معبّرة، مدروسة القطع والتكوين والمضمون والألوان.
وعن تناوله للتراث ووجهة نظره في ذلك وخطورة تناوله بشكل محنّط يقول “تاريخنا وتراثنا زاخران بالكثير من التفاصيل التي يمكن أن تكون موضوعات فنية حديثة، ولكن على المبدع عندما يتوجه إلى التراث أن يكون على درجة كبيرة من الوعي، فليس كل ما في التراث قابلا لأن يكون محل لوحات معاصرة، وهنا يلعب الوعي دورا هاما، فالمطلوب هو انتقاء تفاصيل حيوية تكون فاعلة في طريقة تناول مبتكرة، يقدّم فيها طرحا جديدا لمفهوم قديم، يكون نافعا بوجوده في فترة زمنية متجدّدة”.

ويستشهد بقوله “عندما أرسم شيئا تراثيا يكون اهتمامي منصبا على محاولة إسهامي في نقل هذا التفصيل إلى الحياة مرة أخرى عبر ما أقوم به بصراحة ودون الاهتمام برأي الآخرين في ذلك، لكنني أكون حذرا من مطب الوقوع في التكرار، لذلك يجدونني أقدّم تلوينات وإضافات على ما أقوم به بين الفينة والأخرى، وهذا برأيي حاسم وضروري”.
وعن تجربته الفنية يقول الفنان السوري أكثم عبدالحميد “ما يميّز الكفري عن غيره من الفنانين العرب قدرته على الاستفادة من العمارة العربية بجميع عناصرها الزخرفية، وهو الذي يُحيط هذه العمارة بمساحات لونية جميلة بالحسّ الطفولي المعروف بصعوبة تبسيطه وإيجازه للوصول إلى لغة بصرية مقنعة”.
وعلي الكفري من مواليد فلسطين عام 1947، نزح مع أهله إلى دمشق وتخرّج في معهد إعداد المدرّسين فيها. بدأ مسيرته الفنية عام 1970، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب والسوريين والتشكيليين الفلسطينيين، وعضو اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين.
له معارض فردية وجماعية في عدد كبير من الدول العربية على غرار العراق والجزائر والسعودية والكويت واليمن والإمارات وسوريا، وله مشاركات أجنبية بألمانيا وإسبانيا والبرتغال وسويسرا وفرنسا وبلغاريا وإيران والاتحاد السوفييتي سابقا.
أعماله مقتناة في كل من المتحف الوطني بدمشق والمتحف الوطني بالرياض، والمتحف الوطني الإيراني والقصر الملكي بالرياض، كما له مقتنيات خاصة في سوريا ولبنان والأردن والكويت والإمارات والمغرب وقطر والجزائر وبلغاريا وألمانيا واليونان وتركيا وهولندا وكندا والأرجنتين والصين.