علماء يبحثون الصلة بين التوتر ومرض السرطان

منع الإشارات الكيميائية التي يسببها التوتر داخل الجسم يمكن أن يحسن من فرص العلاج.
الأربعاء 2025/04/16
الاكتئاب يثبط قدرة الخلايا المناعية على مقاومة السرطان

ربطت المئات من الدراسات الطبية بين السرطان وبين الاكتئاب وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعوامل الأخرى المسببة للتوترات العصبية. ويبحث العلماء في العلاقة بين التوتر والعوامل النفسية من ناحية وبين احتمالات الإصابة بمرض السرطان وتطوره داخل الجسم من ناحية أخرى. وأجروا تجارب على الخلايا والحيوان، وقد أفضت هذه التجارب إلى اكتشاف آليات مهمة لطريقة تأثير التوتر على الأورام السرطانية.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - قبل قرابة ألفي عام، قال الطبيبان اليونانيان أبوقراط وجالينوس أن الحزن أو الاكتئاب، الناجم عن زيادة ما وصفاه بـ”العصارة السوداء” داخل الجسم، يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. ومنذ قديم الأزل، يبحث العشرات من الأطباء والعلماء عن العلاقة بين السرطان والحالة الذهنية للشخص، إلى درجة أن بعضهم وصل حد القول بأن بعض الأشخاص لديهم شخصيات “تميل للإصابة بالسرطان”.

ورغم أن معظم الباحثين الآن يرفضون فكرة الشخصيات المعرضة للإصابة بالسرطان، فإنهم مازالوا يبحثون عن العلاقة بين التوتر والعوامل النفسية من ناحية وبين احتمالات الإصابة بمرض السرطان وتطوره داخل الجسم من ناحية أخرى. وقد ربطت المئات من الدراسات الطبية التي شارك فيها عشرات الآلاف من المتطوعين بين السرطان وبين الاكتئاب وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعوامل الأخرى المسببة للتوترات العصبية.

وتقول الباحثة جوليان بوار أستاذ طب النفس بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلس الأميركية إن الباحثين عكفوا على دراسة هذه الصلة من زوايا مختلفة من خلال إجراء تجارب على الخلايا والحيوان، وقد أفضت هذه الدراسات إلى اكتشاف آليات مهمة لطريقة تأثير التوتر على الأورام السرطانية، وأضافت في مقال بحثي نشرته الدورية العلمية “المراجعة السنوية لعلم النفس السريري” المتخصصة في طب النفس أن “العوامل النفسية يمكن أن تؤثر على الجوانب البيولوجية للورم السرطاني، وأن منع الإشارات الكيميائية التي يسببها التوتر داخل الجسم يمكن أن يحسن من فرص العلاج من هذا المرض”.

وتؤكد الطبيبة إليزابيث راباسكي من مركز روزيل بارك لعلاج السرطان في نيويورك في تصريحات للموقع الإلكتروني “مجلة المعرفة” المتخصص في الأبحاث العلمية “لا أحد يدرك مدى جسامة التأثير السلبي لحالة التوتر العادية، إذا كانت مزمنة، على نمو الخلايا السرطانية”.

وقد توصلت الباحثة إريكا سلون المتخصصة في مجال السرطان بجامعة موناش بأستراليا إلى أن فئران التجارب المصابة بحالات توتر مزمنة تتزايد لديها الوصلات بين أورام الثدي والنظام الليمفاوي داخل الجسم، مما يزيد من فرص انتشار السرطان. واتضح خلال الدراسة أن العلاج بأدوية “حاصرات مستقبلات بيتا”، وهي من الأدوية التي تستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم وتثبط هرمونات التوتر داخل الجسم مثل “نوربينفرين”، يوقف نشاط جزيآت رئيسية في النظام العصبي السيمبثاوي ويمنع انتشار السرطان لدى فئران التجارب.

لا أحد يدرك مدى جسامة التأثير السلبي لحالة التوتر العادية، إذا كانت مزمنة، على نمو الخلايا السرطانية
◙ لا أحد يدرك مدى جسامة التأثير السلبي لحالة التوتر العادية، إذا كانت مزمنة، على نمو الخلايا السرطانية

وتوصلت فرق بحثية أخرى إلى أن التوتر يؤدي إلى تغيرات على مستوى الجزيآت داخل الجهاز المناعي للجسم، مما يعزز نمو الخلايا السرطانية، وأوضحت أن التوتر يؤدي إلى زيادة الالتهابات، وهي رد فعل مناعي ينجم عن الإصابات أو العدوى، وأن الالتهابات بدورها تعزز نمو الأورام السرطانية. ويؤكد الباحثون أن التوتر يعرقل نشاط الخلايا المناعية التي تلعب دورا رئيسيا في مقاومة السرطان. وفي مطلع القرن الحالي، توصلت سوزان لتوجندورف أستاذ العلوم السلوكية بجامعة أيوا الأميركية إلى أن التوتر والاكتئاب يثبطان قدرة الخلايا المناعية على مقاومة السرطان لدى مريضات سرطان المبيض، وتوصل الباحثون أيضا إلى أن غياب الدعم النفسي والاجتماعي للمريضات بهذا النوع من السرطان يؤدي إلى تزايد نمو الأوعية الدموية التي تغذي الأورام السرطانية.

ووجدت الباحثة لتوجندورف وزملاؤها خلال أبحاث على فئران تجارب مصابة بسرطان المبيض أن التوتر يزيد من تكون الأوعية الدموية التي تغذي الأورام مما يساعد على انتشار السرطان في الجسم، ولكنهم توصلوا أيضا إلى أنه من الممكن مقاومة هذه التأثيرات عن طريق أدوية حاصرات مستقبلات بيتا التي تقاوم هرمونات التوتر.

واكتشفت فرق بحثية أخرى أن حاصرات مستقبلات بيتا لها تأثير إيجابي على أنواع أخرى من السرطان في القوارض مثل سرطان الدم والبروستاتا. ويؤكد الباحثون أن زيادة معدلات هرمونات التوتر مثل نوربينفرين وكورتيسول تؤدي إلى تنشيط الخلايا السرطانية الكامنة داخل الجسم بحيث تنشطر وتكون أوراما جديدة. وتشير مثل هذه الدراسات إلى أن التوتر يؤدي إلى تحريك سلسلة من التغيرات البيوكيميائية داخل الجسم مما يساعد في خلق بيئة مواتية لانتشار السرطان، وتوضح الباحثة جنيفر نايت المتخصصة في طب النفس لمرضى السرطان في كلية الطب بجامعة ويسكنسون الأميركية أن “الإشارات الناجمة عن التوتر والبيئة البيولوجية المحيطة بالتوتر لها تأثير على جميع التفاعلات التي تؤدي إلى انتشار السرطان.”

وتوصلت الطبيبة إليزابيث راباسكي أن حاصرات مستقبلات بيتا تساعد في زيادة فعالية وسائل العلاج المناعي للسرطان، وخلال بعض التجارب السريرية، وجد الباحثون أن خلايا سرطان الثدي التي تم استئصالها من مرضى يتلقون العلاج بحاصرات مستقبلات بيتا تحتوي على كمية أقل من المؤشرات الحيوية التي تدل على حدوث انبثاث أي هجرة الخلايا السرطانية داخل الجسم، وزيادة في عدد الخلايا المناعية التي تقاوم السرطان.

ورغم أن الدراسات على حاصرات مستقبلات بيتا تعتبر واعدة، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأدوية يمكنها علاج جميع أنواع السرطان، حيث إن بعض المرضى ظهرت لديهم استجابة سلبية حيال هذه العلاجات لاسيما مرضى الربو وبعض مرضى القلب. وتقول باتريشيا مورينو خبيرة طب النفس في جامعة ميامي الأميركية “لا يمكننا أن نقول بشكل قاطع إن التوتر يؤدي إلى الإصابة بالسرطان”، ولكن بالنسبة للمصابين بالفعل بهذا المرض الخبيث، فإن الكثير من الباحثين يؤكدون وجود أدلة علمية قوية تنصح بضرورة خضوعهم لجلسات علاج من التوتر ضمن برامجهم العلاجية.

◙ فئران التجارب المصابة بحالات توتر مزمنة تتزايد لديها الوصلات بين أورام الثدي والنظام الليمفاوي داخل الجسم

ويشير خبراء الصحة إلى أن الدعم العاطفي والاجتماعي يمكن أن يساعد مرضى السرطان في التغلب على التوتر. ويمكن أن يقلل هذا الدعم من مستويات الاكتئاب والقلق والأعراض المرتبطة بالمرض والعلاج بين المرضى.

قد يرغب المرضى الذين يعانون من توتر شديد عند تشخيص إصابتهم بالسرطان في استشارة مقدم الرعاية الصحية الخاص بهم بشأن الإحالة إلى أخصائي صحة نفسية مناسب. وتوصي بعض المنظمات الخبيرة بفحص جميع مرضى السرطان باستخدام أداة مناسبة، مثل مقياس أو استبيان للكرب بعد التشخيص مباشرةً وكذلك أثناء العلاج وبعده من أجل التحديد المبكر لمشاكل الصحة النفسية، والتي يمكن معالجتها إلى جانب الجوانب الجسدية للسرطان.

يُدخل مجال علم الأورام النفسي متعدد التخصصات خدمات الصحة النفسية في الرعاية القياسية للأورام. من خلال إشراك أخصائيي الصحة النفسية في فريق رعاية مرضى السرطان، يتلقى المرضى الدعم للجوانب العاطفية في رحلتهم إلى جانب العلاج الطبي. قد يشمل علاج الضيق الشديد والاكتئاب والقلق تحت رعاية أخصائي الصحة النفسية العلاج النفسي (العلاج بالكلام) و/أو مضادات الاكتئاب أو أدوية أخرى. يجب أن يكون اختيار العلاج شخصيا، ومن الأفضل أن يكون قرارا مشتركا بين المريض ومقدم الرعاية الصحية.

ويُستخدم العلاج المعرفي السلوكي على نطاق واسع لمساعدة مرضى السرطان على إدارة أنماط التفكير السلبية وتطوير إستراتيجيات تكيف أكثر صحة، وهو علاج ثبت أنه يحسن الصحة العقلية ويعزز فعالية العلاجات الطبية. وبالنسبة لبعض المرضى، قد تكون الأدوية المضادة للاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق ضرورية للتحكم في أعراض الصحة العقلية. غالبًا ما تُستخدم هذه الأدوية مع التدخلات النفسية والاجتماعية، مثل مجموعات الدعم، لتوفير رعاية شاملة.

16