عقيدة ترامب العسكرية: السلام من خلال القوة

تعكس الضربة الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية تجسيداً عملياً لعقيدة الرئيس دونالد ترامب التي توازن بين الحسم العسكري والانسحاب السريع، في محاولة لتفادي التورط في نزاعات طويلة الأمد. لكن مصير هذه العقيدة سيظل رهناً بنتائجها على الأرض: فإما أن تُرسّخ نموذجاً جديداً للردع الأميركي الفعّال، وإما أن تكشف حدودا إستراتيجية تقوم على القوة المجردة دون رؤية متكاملة لإدارة ما بعدها.
واشنطن - عندما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصف مواقع نووية إيرانية يوم الأحد الماضي بقاذفات بي-2، تجاوز تردده المعتاد في استخدام القوة العسكرية، ليجر الولايات المتحدة مباشرة إلى حرب خارجية ويثير قلق العديد من مؤيديه من أنصار مبدأ “أميركا أولا”. لكن نائبه جيه.دي فانس يؤكد أن هناك اسما لطريقة التفكير الكامنة وراء القرار وهو: عقيدة ترامب.
وحدد فانس عناصرها في تصريحات أدلى بها الثلاثاء وهي التعبير عن مصلحة أميركية واضحة، ومحاولة حل المشكلة عبر الدبلوماسية، وإذا فشل ذلك، فعليك “استخدم القوة العسكرية الساحقة لحلها، ثم اخرج من هناك قبل أن يتحول الأمر إلى صراع طويل الأمد.”
ولكن تبدو العقيدة الجديدة بالنسبة لبعض المراقبين محاولة لتقديم إطار عمل منظم لوصف سياسة خارجية تبدو في كثير من الأحيان متباينة وغير متوقعة.
الضربات منحت العالم المزيد من الوقت لإيجاد حل تفاوضي يقنع إيران بالتخلي عن طموحاتها في تطوير سلاح نووي
وقال المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر، وهو باحث كبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، “من الصعب بالنسبة لي أن أتعامل بجدية مع شيء يسمى ‘عقيدة ترامب’.” وأضاف “لا أعتقد أن ترامب لديه عقيدة. أعتقد أن ترامب يتبع حدسه وحسب.”
وجاء قرار ترامب بالتدخل في الصراع بين إسرائيل وإيران بعدما قال الزعيم الأعلى علي خامنئي إن طهران لن تتخلى عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم. وبعد فترة وجيزة من القصف الأميركي، أعلن ترامب عن وقف لإطلاق النار صمد في الغالب.
والأربعاء، تعهد ترامب مجددا بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي وقال إن المحادثات مع طهران ستستأنف الأسبوع المقبل. وتقول إيران إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي “الرئيس ترامب ونائب الرئيس فانس هما الفريق المثالي لأنهما يتشاركان نفس رؤية ‘السلام من خلال القوة’ للسياسة الخارجية.”
ويواجه ترامب ضغوطا لتفسير قراره بالتدخل في الصراع الإسرائيلي الإيراني. وكان فانس، الذي عبر في السابق عن تأييده لسياسة الانعزال، بمثابة أحد المبعوثين الرئيسيين للإدارة في هذه القضية.
ومما ساعد ترامب في كسب أصوات الناخبين قوله إن الحروب “الغبية” التي قادتها واشنطن في العراق وأفغانستان أغرقت الولايات المتحدة في مستنقع، وإنه سيعمل على تجنب الدخول في ورطات خارجية.
والتزم بهذا التعهد في الغالب، مع بعض الاستثناءات تمثلت في استخدام القوة ضد الحوثيين الذين كانوا يشنون هجمات من اليمن هذا العام، وأوامره بقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في عام 2019 والقيادي بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020.
لكن احتمال انجرار الولايات المتحدة إلى صراع طويل الأمد مع إيران أغضب الكثيرين في الجناح الانعزالي بالحزب الجمهوري، بمن فيهم مؤيدون بارزون لترامب مثل الخبير الاستراتيجي ستيف بانون والإعلامي المحافظ تاكر كارلسون.
وتعكس استطلاعات الرأي أيضا قلقا بالغا بين الأميركيين بشأن ما قد يأتي بعد ذلك. فقد عبر نحو 79 في المئة من الأميركيين الذين شملهم استطلاع للرأي عن قلقهم “من احتمال استهداف إيران للمدنيين الأميركيين ردا على الغارات الجوية الأميركية.”
وقالت ميلاني سيسون وهي باحثة كبيرة في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز إن فانس يحاول على ما يبدو إرضاء الجناح اليميني لترامب من خلال “محاولة معرفة طريقة شرح كيف ولماذا يمكن للإدارة الأميركية تنفيذ عمل عسكري دون أن يكون ذلك تمهيدا لحرب.”
وبالنسبة للبعض، تبدو “عقيدة ترامب” التي طرحها فانس حقيقية. وقال كليفورد ماي مؤسس ورئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، وهي مؤسسة بحثية، “قدم فانس ملخصا دقيقا لنهج الرئيس ترامب خلال الأيام القليلة الماضية تجاه الصراع في الشرق الأوسط.”
وأضاف “قد يعتقد معظم المحللين الخارجيين، وبالتأكيد معظم المؤرخين، أن مصطلح ‘عقيدة’ قاصر. ولكن إذا ما بنى الرئيس ترامب على هذا الاستخدام الناجح للقوة الأميركية، فستكون تلك عقيدة مروعة يتباهى بها الرئيس ترامب.”
ومع ذلك، فإن استمرار إطار العمل الجديد سيعتمد على الأرجح على كيفية انتهاء الصراع الحالي.
وقالت ريبيكا ليسنر الخبيرة في مجلس العلاقات الخارجية إن من السابق لأوانه “إعلان أن هذا كان نجاحا باهرا أو أنه كان فشلا استراتيجيا ذريعا.”
وأضافت “نحن بحاجة إلى أن نرى كيف ستمضي الدبلوماسية وإلى أين سنصل في الواقع من حيث تقييد ووضوح وبقاء البرنامج النووي الإيراني.”
ورغم أن العالم ينتظر المزيد من المعلومات حول الأضرار الدقيقة التي لحقت بمواقع المفاعلات النووية الإيرانية، فمن المرجح أن برامج التخصيب الإيرانية قد تعطلت بشدة. فحتى لو تمكنت إيران من نقل كميات من اليورانيوم قبل القصف، فسيستغرق الأمر وقتا حتى تتمكن من إعادة بناء قدرتها على مواصلة التخصيب.
ومع ذلك فإن الكثير من التداعيات الأوسع والأطول للضربة الأميركية مازالت غير واضحة، بما في ذلك مدى تأثير الضربات على البرنامج النووي الإيراني أو تدميره. لكن على المدى القصير، منحت الضربات العالم مزيدا من الوقت لإيجاد حل تفاوضي يقنع إيران بالتخلي عن طموحاتها في تطوير سلاح نووي.
وقال كاري بينجن مدير مشروع الأمن الفضائي والزميل الكبير لبرنامج الأمن في المركز وكلايتون سواب نائب مدير مشروع الأمن الفضائي والزميل الكبير في إدارة الدفاع والأمن بالمركز في تحليل نشره موقع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إنه ربما لم يكن هناك وقت أفضل من ذلك الوقت الذي نفذت فيه الطائرات الأميركية هجومها.
وبحسب بينجن وسواب، كانت إيران أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك القدرة على تصنيع قنبلة نووية، في الوقت الذي تعثرت فيه المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي، وقالت إنها غير مهتمة بالدبلوماسية. ثم إن إيران أصبحت ضعيفة بشكل مفاجئ، ودفاعاتها الجوية في حالة من الفوضى، بعد القصف الإسرائيلي لها على مدى أكثر من10 أيام قبل الهجوم الأميركي.
