عقبات أمام استثمار النساء العربيات في الاقتصاد الأخضر

تواجه المستثمرات النساء عقبات لدخول عالم الاقتصاد الأخضر الذي تشير الإحصائيات إلى أنه مازال تقريبا حكرا على الرجال الذين يستفيدون من أكثر من 97 في المئة من الاستثمارات في هذا القطاع.
بيروت - قالت المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة تكنولوجيا خضراء في المغرب سلمى بوغراني إنها غالبا ما تجد نفسها المرأة الوحيدة في الغرفة.
وأضافت بوغراني، التي تبلغ من العمر 34 عاما، “هذا ليس مشجعا للغاية. تشعر وكأنك فضائي بين البشر”. وتتخصص شركتها “غرين واتك” في تنظيف مياه الصرف الصحي بينما يؤثر تفاقم حالات الجفاف على الإمدادات.
وقالت بوغراني إن شركتها هي الوحيدة التي تقودها امرأة من بين الشركات العشرين التي اختارتها إحدى حاضنات الأعمال في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا العام الماضي، مما يعكس مشاركة المرأة المحدودة في سوق العمل، خاصة في الأدوار القيادية.
وتشكل النساء في الدول العربية 19 في المئة فقط من القوى العاملة، وهو أدنى معدل في العالم وأقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 48 في المئة، حسب منظمة العمل الدولية.
من بين 400 ألف فرصة عمل توفرها تدابير السياسة الخضراء، ستشغل النساء 10 في المئة فقط منها
ويبدو هذا الرقم أقل في الوظائف الخضراء. وتشير توقعات منظمة العمل الدولية إلى أن من بين 400 ألف فرصة عمل يمكن توفيرها للشباب العربي نتيجة لتدابير السياسة الخضراء، ستشغل النساء 10 في المئة فقط من هذه المناصب، “مما يعكس استمرار عدم المساواة بين الجنسين الذي يعيق تقدم المنطقة”.
وتقول رائدات الأعمال العربيات إن التحيز الجنساني يصعّب عليهن جذب المستثمرين الإقليميين.
وفي الأشهر التسعة الأولى من 2022، لم تتلقّ الشركات التي أسستها نساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوى 2 في المئة فقط من 2.4 مليار دولار من الاستثمارات الموجهة إلى ما يقرب من 500 شركة ناشئة، وفقا لتقرير صادر عن منصة ومضة، التي تعمل على تسريع البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال نشاطها الاستثماري.
وقالت أكثر من نصف النساء الـ125 اللاتي أسسن شركاتهن الخاصة لومضة إن المستثمرين المقيمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانوا أقل ميلا للاستثمار في الشركات الناشئة التي تقودها النساء مقارنة بالمستثمرين الدوليين. وقالت حوالي 66 في المئة من المستجوبات إن تأمين الاستثمار كان أكبر عقبة واجهنها.
وتابعت بوغراني “يجب عليك جمع الأموال يبنما تكبر مؤسستك”، مضيفة أن عددا من رائدات الأعمال يلاقين الرفض عندما يتواصلن مع المستثمرين للحصول على التمويل.
وقالت لرويترز في مقابلة عبر الهاتف “يعتقدون أن للمرأة ما يكفي من المسؤوليات، فعليها أن تعتني بالأطفال مما يجعلها أقل تفرغ للعمل. لذلك يفضلون الاستثمار في الرجال”.
وقالت باسمة عبدالرحمن، التي تبلغ من العمر 37 عاما، وهي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة كاسك التي تقول إنها “أول شركة عراقية للتكنولوجيا الخضراء”، إن التحيز الجنساني يمكن أن يصعّب العثور على العملاء.
وشعرت بالاحباط لأن حياتها المهنية لم تركز على مكافحة تغير المناخ، فاستقالت من وظيفتها كمهندسة إنشائية مع الأمم المتحدة وأطلقت شركتها الخاصة التي توفر وحدات تكييف تعمل بالطاقة الشمسية. كما تقدم خدمات هندسية وتزود المؤسسات العراقية بأنظمة الطاقة الشمسية.
وقالت عبدالرحمن إن الحصول على أول عميل لها استغرق تسعة أشهر رغم تزايد الطلب على مثل هذه المعدات في بلد يتمتع بإمكانيات قوية للطاقة الشمسية. وتعتبر إقناع المشترين والمستثمرين معركة مستمرة.
وقالت “عندما أذهب إلى اجتماع وأعلم أن هناك فرصة بنسبة 1 في المئة أن يقبلوا، سأركز على كيفية تحويل الـ1 في المئة إلى 100 في المئة”.
وأكّدت الباحثة النسوية فرح دعيبس وجوب التغلب على العديد من العقبات العملية أمام النساء حتى يكون حضورهن أكبر في سوق العمل (من دور رعاية الأطفال الكافية إلى إجازة الأمومة) إلى جانب تغيير الأفكار التقليدية حول دور المرأة.
وقالت دعيبس، وهي مديرة أولى لبرنامج مشروع “النسوية السياسية” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الخاص بمؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، إن الالتزام بتوزيع أكثر إنصافا للمناصب العليا بين الرجال والنساء يجب أن يشمل أيضا “الالتزام بإنهاء جميع أشكال التمييز والتحرش في مكان العمل”.
وانطلقت خطة أعمال بوغراني من حلم طفولتها حين أرادت السباحة بأمان في النهر الذي يمر عبر قرية جدها آيت بوكماز في قلب جبال الأطلس جنوب مراكش. وشاهدت إصابة العديد من الأطفال من حولها بالحمى والإسهال بعد شرب المياه أثناء السباحة هناك.
وبينما يجعل تغير المناخ موجات جفاف أكثر تواترا وشدة في جميع أنحاء العالم، يساعد نهج معالجة المياه منخفض التقنية الذي تستخدمه شركتها القرويين على الاستفادة بشكل أفضل من الإمدادات المحدودة في المنزل والزراعة.
وفي العام الماضي، واجه المزارعون المغاربة أسوأ جفاف منذ عقود فيما وصفه أحد مسؤولي الصناعة بـ”العام الكارثي” حيث انخفض معدل هطول الأمطار بنسبة 64 في المئة عن المتوسط، مما أدى إلى إفراغ الخزانات التي كانت مستنفدة بالفعل.
وعملت شركة غرين واتك، منذ إطلاقها في 2018، على تركيب أنظمة معالجة المياه في 22 قرية مغربية، بما في ذلك آيت بوكماز. وقالت بوغراني “كانت الفكرة في الحقيقة هي الاستماع إلى احتياجات هذه الفئة من السكان”.
وعلى الرغم من أن جلّ عمليات الشركة تتم في الريف حيث تبرز الأدوار التقليدية المتباينة بين الجنسين، قالت بوغراني إن أكثر من نصف موظفيها ومهندسيها هم من النساء.
وتابعت “من الطبيعي أن تفكر المرأة في الجيل القادم، وهذا ما نفعله بشكل جيد”.