عطر إيطاليا وهدوء المشاغب

إنجاز منتخب الأوروغواي مرّ دون أضواء مبهرة، لم تكن هناك إشادة كبيرة بأداء هذا المنتخب، فهو لم ينل نصيبه من المتابعة والاهتمام، ربما غابت "فخامة الاسم" عن هذا المنتخب.
الأربعاء 2018/06/27
المنتخب السماوي حقق العلامة الكاملة في مونديال روسيا

في مسابقة عالمية تعرف مشاركة 32 منتخبا من الصعب أن تحظى كل الأطراف المشاركة بقدر كبير من الاهتمام، طبعا ثمة منتخبات تستأثر بقسط أكبر من المتابعة سواء في ما يتعلق بالمواكبة الإعلامية لمبارياتها وأخبار نجومها أو من خلال المتابعة الجماهيرية لمنافساتها خلال هذا الحدث الذي تحبس فيه طيلة فترة إقامته على امتداد شهر كامل الأنفاس.

في المونديال الروسي تركزت الاهتمامات بشكل أساسي على قوة المنتخب البرازيلي ونجاحه سريعا في النهوض، نال المنتخب الألماني بدوره نصيبا كبيرا من المتابعة بفضل قوة شخصيته وقلبه المعطيات في مباراته الثانية، كانت أيضا منتخبات مثل البرتغال وإسبانيا وبلجيكا وإنكلترا وكرواتيا محور الحديث، وكذلك كان الأمر بالنسبة للمنتخب الأرجنتيني الذي استأثر بحيّز كبير من قبل وسائل الإعلام بسبب بدايته الكارثية في هذا المونديال.

لكن بالتوازي مع ذلك مرّ إنجاز منتخب الأوروغواي دون أضواء مبهرة، لم تكن هناك إشادة كبيرة بأداء هذا المنتخب، فهو لم ينل نصيبه من المتابعة والاهتمام، ربما غابت “فخامة الاسم” عن هذا المنتخب، فاكتفى “بالجلوس” في المقاعد الخلفية لسيارة مونديالية تنافست المنتخبات المؤثرة بأسماء نجومها للظفر بالمقعد الأمامي والبقاء ضمن دائرة الضوء.

مرّ تألق هذا المنتخب دون أن يحدث الكثير من البهرج والضجيج المفرط، حتى ظننا أن منتخب “السماوي” غير معني بالمرة بمنافسات هذا المونديال وكأنه لم يضمن تأهله إلى دور الستة عشر بكل استحقاق وجدارة.

ما حققه هذا المنتخب ضمن الدور الأول لن يحققه المنتخب الألماني صاحب اللقب العالمي الأخيرة، أو المنتخب الأرجنتيني الذي نشّط الدور النهائي في دورة البرازيل منذ أربع سنوات، بل إن المنتخب البرازيلي الذي يعتبر أبرز المرشحين لنيل اللقب لم يفلح في السير على خطى منتخب الأوروغواي.

فهذا المنتخب سار بخطى واثقة للغاية نحو الدور الموالي، فحقق العلامة الكاملة دون أن يجتهد أو يكافح كثيرا، افتك تسع نقاط هو جدير بها إثر تغلبه على كل منافسيه في مجموعته، إذ هزم المنتخب المصري بالحد الأدنى المطلوب وكرر إنجازه ضد نظيره السعودي قبل أن يؤكد أحقيته بتصدر مجموعته عندما ضرب بكل قوة ضد المنتخب الروسي.

والإنجاز الآخر الذي يثبت مدى ثقة هذا المنتخب في قدراته أنه أنهى منافسات الدور الأول الغزير بالأهداف دون أن يتلقى مرماه أي إصابة، فحقّ له أن يكون بلا شك “بطل” دور المجموعات.

ربما يعتقد البعض أن هذا المنتخب لم يجد أمامه منافسا من “العيار الثقيل” لتقدير قدراته بالشكل الصحيح، لكن ثمة مؤشرات لا تخدع، وثمة أسس متينة انبنى عليها بيت المنتخب الأوروغواني.

هي أسس بدأ في إحداثها المدرب أوسكار تاباريز منذ سنة 2006، فنجح على امتداد سنوات عديدة في تقوية هذا المنتخب وقاده إلى بعض النجاحات القارية، والأهم من ذلك الحضور المتواصل في نهائيات كأس العالم وبلغ معه المربع الذهبي في دورة 2010 بجنوب أفريقيا.

هذا المدرب وفّق بكل اقتدار في منح منتخب بلاده أسلوب لعب لا يختلف كثيرا عن أسلوب لعب المنتخب الإيطالي، لقد أضفى على الفريق قوة دفاعية مميزة جعلته يرهق كل المنافسين.

تاباريز أيقن مثل الطليان أن الدفاع المتين هو بداية الهجوم القويّ، ومعه “تعطّر” منتخب الأوروغواي بعطر إيطالي مميز جعل أغلب مشاركاته المونديالية متميزة على غرار ما يحصل حاليا.

لقد وجد ضالته في نجمي أتليتيكو مدريد غودين وخمينيز اللذين يمكن تصنيفهما من بين أفضل اللاعبين في العالم ومن الطبيعي أن يوظّف هذا الثنائي كل الخبرة لفائدة منتخب الأوروغواي.

من حسن حظ تاباريز أن سواريز تخلّى عن عاداته الصبيانية السيئة، لقد تخلى عن تهوره وشغبه، فلم يعد “عضاضا”، بات أكثر نضجا وأكثر نجاعة، تعلمّ من الدرس القاسي في مونديال البرازيل، ليكوّن اليوم بمعية الهداف كافاني ثنائيا هجوميا مرعبا يسير بكل ثقة نحو الأمام، بعيدا تماما عن الأضواء الخادعة التي تركزت في زوايا أخرى، لتترك منتخب الأورغواي يشتغل ويتألق في صمت.

23