عصا السلطان أردوغان تطال الصحافيين الأجانب عشوائيا

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث عن الديمقراطية في خطاباته الحماسية، وفي ذات الوقت يلاحق البوليس أصحاب كل جرة قلم عبرت عن رأي حر للواقع السياسي والاجتماعي الذي يسود البلاد، وطالت الاعتقالات والمحاكمات والترحيل الصحافيين الأجانب، بل تلاحق السلطات التركية رجال الإعلام في بلدانهم.
الأربعاء 2017/10/18
فرق بين الديمقراطية والدكتاتورية

أنقرة - بعد أن دأبت سلطات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على ملاحقة الصحافيين والإعلاميين الذين يعارضون نظامه ويقومون بفضح سياساته على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها نرى نيرانه الآن تطال الصحافيين الأجانب من مختلف الجنسيات.

وتتواصل هذه الأيام في تركيا محاكمة صحافية ومترجمة ألمانية متهمة بالانتماء إلى حزب يساري محظور، في قضية أدت مع عدد من القضايا المماثلة إلى تأزم العلاقة بين أنقرة وعواصم أوروبية أخرى.

وتتهم السلطات التركية ميسالي تولو (33 عاما) الألمانية من أصل تركي والتي أوقفت في أواخر أبريل، بالانتماء إلى الحزب الشيوعي التركي المصنف ضمن الجماعات الإرهابية.

ومثلت تولو أمام محكمة في سيليفري خارج إسطنبول مع 17 شخصا آخرين يواجهون نفس التهمة. وفي حال إدانتها قد تواجه عقوبة تصل إلى السجن مدة 15 عاما.

محاكمة الصحافية الألمانية ليست الأولى، بل سبقتها سلسلة طويلة من المحاكمات التي طالت الصحافيين الأجانب، ولن تكون الأخيرة، بل هي عيّنة من الانتهاكات بحق الإعلاميين والمؤسسات الإعلاميّة في تركيا، وهي ليست سوى جزء بسيط من مشهد تتضخّم فيه سلطة الحكومة وقيادتها على حساب المجتمع المدني وحرياته، من خلال استخدام سلاح التخويف واختلاق الأعداء أو تضخيم خطرهم وإلقاء تهم الإرهاب كيفما اتفق، وتوظيف أبواق إعلاميّة تروّج النسخة الرسمية مما يجري في البلاد.

صحافي حكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة لأنه ضغط (لايك) على منشور كان يحوي انتقادات للرئيس التركي أردوغان

وتقبع تولو التي تعمل كصحافية ومترجمة لوكالة أنباء اتكين اليسارية المستقلة في سجن باكيركوي للنساء في إسطنبول مع ابنها البالغ ثلاثة أعوام.

وتتهم السلطات تولو بحضور جنازات لمقاتلي الحزب الشيوعي والاشتراك في تظاهرات من تنظيم الحزب، لكن مناصرين لها يرون أن المحكمة تتحرك بدوافع سياسية. وقال والدها علي رضا خارج المحكمة، “كل الاتهامات باطلة ومجرد أكاذيب”. وينتظر أيضا مراسل صحيفة “دي فالت” التركي الألماني دينيز يوجيل في سجنه بدء محاكمته، واعتقل في فبراير الماضي بتهمة الترويج للإرهاب. وكان الرئيس التركي قد وصفه شخصيا بأنه “عميل للإرهاب”.

وأصبحت أوضاع الصحافيين وحرية التعبير في تركيا مصدر قلق أوروبي وعالمي حول سعي النظام الحاكم تحت رئاسة رجب طيب أردوغان للهيمنة على قطاع الإعلام والصحافة ووقف أي صوت أو قلم يكتب ضده.

وفي قضية منفصلة، تحتجز السلطات التركية الناشط الألماني بيتر ستودنر مع 11 آخرين بتهمة دعم منظمة إرهابية بعد مداهمة نفذتها لورشة عمل من تنظيم منظمة العفو الدولية.

ويقول معارضون إن حرية الرأي شهدت تدهورا في عهد أردوغان، خاصة بعد محاولة الانقلاب. ودأبت السلطات التركية على ملاحقة الصحافيين والإعلاميين الذين يعارضون نظام أردوغان ويقومون بفضح سياسات الاستبداد والفساد ودعم الإرهاب التي ينتهجها.

وبحسب منظمة “بي24” لحرية الصحافة، هناك 170 صحافيا محتجزا في تركيا. وتحتل تركيا المرتبة الـ155 من أصل 180 في لائحة 2017 لحرية الصحافة التي تضعها منظمة “مراسلون بلا حدود”.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن حكما بالسجن لمدة سنتين وشهر صدر بحق صحافية تعمل في هذه الجريدة الأميركية بعد إدانتها بنشر “دعاية إرهابية” بسبب مقال نشرته حول المواجهات بين الجيش التركي والمقاتلين الأكراد.

وتعرب وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها من توقيف السلطات التركية للصحافيين الأجانب، مشددة على ضرورة أن تلتزم تركيا بحرية التعبير والإعلام.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر إن “حرية التعبير والإجراءات القانونية من الأسس الهامة جدا من أجل الديمقراطية السليمة، كما أن الدستور التركي يشمل هذه الأسس أيضا”. مضبفا،“على تركيا أن تلتزم بمبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وسلامة الإجراءات القانونية في قضية الصحافيين ضمن عملها في منظمة الأمن والتعاون وأن تلتزم بتعهداتها بحقوق الإنسان العالمية”. ويتعرض من يسلّط الضوء على انتهاكات الدولة ضد المدنيين للاعتقال الفوري والمساءلة القانونية، كما حدث مع الصحافية الهولندية فردريكا غيردنك، حيث داهمت الشرطة منزلها، واعتقلتها بتهم من قبيل الإطراء على الإرهابيين وتشويه صورة الدولة التركية على تويتر.

وهنالك العشرات من القصص المشابهة لصحافيين أجانب تعرضوا للمضايقات والتهديدات دون أي تدخّل جاد من قبل السلطات المختصّة لإيقافها، فيما يبدو أنّها حملة ممنهجة لإسكات كلّ صوت ينتقد الدولة التركية ورأس الدولة فيها.

وتقول صحيفة إندبندنت البريطانية بشأن الهجمات على الصحافيين في تركيا، إن الأمر يعد غير مألوف بشأن ترحيل الصحافيين الأجانب من تركيا.

وتعتبر تركيا من أكثر الدول التي تضع قوانين غريبة، وعلى رأسها محاكمة هؤلاء الذين ينتقدون أردوغان وحتى على سبيل الدعابة، بحسب صحيفة “لوبوا” الفرنسية، مثلما حدث مع صحافي حكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة لأنه ضغط “لايك” على منشور كان يحوي انتقادات لأردوغان.

ووضع الممثل الكوميدي والإعلامي الساخر الألماني يان بويمرمان تحت حراسة الشرطة بسبب قصيدة تسخر من الرئيس التركي في برنامجه الساخر. وبحسب الشرطة، فإن الحكومة التركية تقدمت بطلب لألمانيا من أجل اعتقال الإعلامي الألماني لإهانته رمز الدولة، وذلك بعد تهكمه من أردوغان عبر إيحاءات جنسية وانتقادات لقمع الأقليات.

السلطات التركية دأبت على ملاحقة الصحافيين والإعلاميين الذين يعارضون نظام أردوغان ويقومون بفضح سياسات الاستبداد والفساد ودعم الإرهاب التي ينتهجها

وحسب القانون الألماني، فإن قيام شخص بإهانة رئيس دولة أخرى، تعتبر جنحة وتصل عقوبتها إلى السجن 3 سنوات، لكن ينبغي على الدولة المعنية أن تقدم طلبا للحكومة الألمانية وبعد قبوله تبدأ النيابة في النظر في القضية.

الأمر لم يتوقف على الإعلامي الألماني، إذ تقدمت السفارة التركية في هولندا، بدعوى للسلطات الهولندية بمحاكمة الساخر هانز تيوين بسبب سخريته من أردوغان.

ومن بين التهم الموجهة للصحافيين المحبوسين في تركيا، الانضمام إلى “جماعات إرهابية”، في إشارة إلى الارتباط بالداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب، أو الإساءة للرئيس رجب طيب أردوغان، أو نشر وثائق سرية.

يقول بيير هاسكي رئيس منظمة “مراسلون بلا حدود”، “من الواضح أن وضع الصحافيين الأجانب قد ساء كثيرا منذ استئناف القتال بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في عام 2015، ثمة زيادة هائلة في عدد المراسلين الأجانب المطرودين خارج تركيا مؤخرا”. ويؤكد الباحث جان فرانسوا بيروز المقيم في إسطنبول منذ سبعة عشر عاما ومدير المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، “نعيش حاليا في حالة قمع على نطاق واسع”، مضيفا “لقد أصبح مستوى التسامح منخفضا للغاية ، وخصوصا في المناطق الكردية كونها حساسة للقضية الكردية في كل من العراق وسوريا وتركيا”.

ويقول بيروز بشأن استمرار القمع في تركيا “ننتظر التشريعات الانتخابية في نوفمبر 2019، والتي سوف تؤثر بقوة على الأوضاع”. ويضيف “حتى داخل الائتلاف المحافظ توجد أصوات تقول: كفى!، وتحتج على التجريم الممنهج للتيارات السياسية وللصحافيين المتهمين بتشويه صورة تركيا في الخارج”.

أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا فهو هل الرئيس أردوغان سيبدي تفهما لما وصلت إليه حرية التعبير في تركيا.

12