عشق الشباب للماركات التجارية لا يتوقف عند الإمكانيات المالية المحدودة

تسيطر على جيل الشباب اليوم الرغبة بمواكبة أحدث صيحات الموضة من الماركات العالمية ولم يعد الشراء للحاجة أو الذوق الاجتماعي، وإنما صار بهدف المحاكاة والمباهاة. ويؤكد غالبية الشباب العربي أنهم يشعرون بثقة أكبر بالنفس حين يقتنون الماركات، وذلك لأنهم يدركون أنهم لا يشبهون غيرهم، ويشعرون بأنهم يتركون انطباعا متميزا.
عمان - تركز لينا المحمودي اهتمامها على شراء الماركات العالمية من الملابس والإكسسوارات وأحدث منتجات الموضة، غير مهتمة بالانتقادات والاتهامات بحب الاستعراض والتفاخر من زميلاتها في الجامعة.
وتؤكد المحمودي (22 عاما) الطالبة في كلية الأعمال بجامعة عمان الأهلية أن غالبية الفتيات يتابعن خطوط الموضة العالمية، وحال توفرها في الأسواق يكون هناك سباق لشرائها، وبات الأمر عادة لا يمكن الاستغناء عنها.
ولا تهتم الفتاة الجامعية كثيرا بالأعباء المادية لعشق الماركات والموضة، ورغم أن عائلتها تعتبر من الطبقة الوسطى إلا أنها تعمل جاهدة لتوفير متطلباتها، فيما تقر أن هناك حدا معينا تقف عنده ولا تستطيع تجاوزه.
ويشكل الاهتمام بالمظهر والأناقة مسألة مهمة للكثير من الشباب اليوم، لكنه يزداد عن الحد ويصبح هوسا لدى البعض، حيث باتوا لا يقبلون إلا على شراء الماركات العالمية المعروفة، حتى وإن كلفهم ذلك الجزء الأكبر من رواتبهم، أو أرهق كاهل عائلاتهم، لكي يظهروا بالمظهر اللائق وسط المجتمع.
وبينت دراسة أجرتها شركة إرنست ويونغ أن العرب بشكل عام مغرمون بالعلامات التجارية. ورغم أن المعدل على مستوى العالم 28 في المئة، فإن بلدا مثل الأردن حل في المرتبة الثالثة عالميا، بمعدل 34 في المئة بعد الصين وعُمان.
ويشعر الشباب أن ارتداءهم الملابس والكماليات الباهظة يجعل الآخرين ينظرون إليهم بمنظار مختلف بمعنى أنها مسألة تتعلق بتقدير الذات، وأحيانا أخرى لها علاقة بوفرة المال والرغبة في إبراز القدرات المادية، أو تعويض نقص ما، أو بسبب الاضطرار إلى مجاراة الأقران والخضوع لضغوط المجتمع.
ويقول خبراء الاجتماع إن الشراء لم يعد للحاجة أو الذوق الاجتماعي، وإنما صار بهدف المحاكاة والمباهاة، وذلك يعود إلى دوافع نفسية؛ فهناك فتيات يلجأن إلى ذلك للفت الانتباه بسبب شعورهن بالنقص، وعادة ما تسمى هذه الشخصية بالشخصية “الهستيرية”، وهي شخصية سريعة التأثر بالأحداث اليومية والأخبار المثيرة.
وتتميز هذه الشخصية أيضا بالأنانية والرغبة في الظهور ولفت الانتباه وإثارة الاهتمام وحب الاستعراض والمبالغة في الملبس والبهرجة.
ووفقا للخبراء، فإن بعض الأشخاص يلجأون إلى التسوق وشراء الماركات العالمية غالية الثمن، هربا من الضغوط العصبية وحالة الاكتئاب التي يمرون بها، حيث أكدت بعض الدراسات أنه عند التسوق يفرز الجسم هرمونا يعطي شعورا بالسعادة والرضا.
سباق ومفاخرة

بالرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن شراء الماركات العالمية حكر على الطبقات الغنية نظرا لأن ظروفها المادية تسمح بذلك، إلا أن الواقع أثبت خطأ هذه الفكرة، فالسعي لاقتناء الماركات العالمية ليست له علاقة بالطبقة الاجتماعية أو الحالة المادية.
ويحرص الكثير من الشباب من مختلف الطبقات الاجتماعية على الظهور مرتدين أحدث الماركات العالمية بصرف النظر عن سعرها، باعتبارها تمثل عنوانا للشخصية والمكانة الاجتماعية وتحدد قيمتهم في أعين الآخرين، فضلا عن أن البعض يعتقدون أن ارتداء الماركات يساعد على تعزيز ثقتهم بنفسهم.
ويلفت الأخصائي في علم النفس غانم صفا إلى أن أن هاجس هذا الجيل بالماركات العالمية أصبح ظاهرة لافتة، سواء في ملابسهم أو هواتفهم أو حقائبهم فهم في صراع مع مجتمعهم وأقرانهم، يحاولون تقليد العارضات والفنانين والفاشينيستات على إنستغرام، وتحول الأمر إلى منافسة ومفاخرة في ما بينهم.
ويتهافت الشباب ويخوضون سباقات لاقتناء الماركة الأغلى ثمنا، ليصبح شغفهم بعالم الموضة هوسا يحول دون تمييزهم ما بين الأناقة والبذخ المبالغ فيه حتّى لو فاقت قدرتهم الشرائية، باعتبارها عنوانا للشخصية أمام الآخرين.
وللمجتمع تأثير كبير في تكوين هذا الاهتمام لدى الشباب بالماركات العالمية، بالإضافة إلى قبول الشباب أنفسهم وتأثرهم بهذا الواقع، فالمجتمعات العربية خلال الأعوام الأخيرة باتت تعاني من مشكلة جماعية قائمة على تقييم الأشخاص وفق ما يملكون. وحب المظاهر معضلة حقيقية تطال أصغر التفاصيل إلى أكبرها ومفهوم المظهر الاجتماعي بات مرادفا للمكانة الاجتماعية، لذلك سيطرت فكرة على هؤلاء الشباب مفادها أنه إذا لم يكن الشخص يملك أفضل الماركات العالمية فهو شخص غير مؤهل ليكون ضمن دائرة “النخبة”.
الشباب العاطل عن العمل أو الذي يعيش على راتب محدود يحتاج بيأس لهذه الجرعة الإضافية من الثقة والشعور بتحقيق شيء ما
وأصبحت الماركات من الأمور التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمعات تضع أهمية كبرى للشكل الخارجي. وهنا تبرز الحاجة لأن يكون الفرد جزءا من الجماعة. فإن كان الشاب خارج السرب ولا يعتمد الماركات؛ فهو لن يجد مكانه ضمن هذه الجماعات. فالحصول عليها دليل يسمح له بالعبور والانتماء وترك الانطباعات الجيدة لتصبح قيمة وصورة كل شخص مرتبطة بالكامل بما يملك.
وباتت الموضة والأناقة تعنيان الماركات والهوس بها من الأمور الطبيعية. والقناعة العامة لدى الشباب العربي هي أن الماركات تعني الرقي والمقلدة والماركات غير المعروفة تعني عدم الرقي والدونية، ولا أحد يريد أن يشعر بالدونية.
والغالبية الساحقة من الشباب العربي يؤكدون أنهم يشعرون بثقة أكبر بالنفس حين يقتنون الماركات، وذلك لأنهم يدركون أنهم لا يشبهون غيرهم، ويشعرون بأنهم يتركون انطباعا متميزا وعليه فإن النتيجة تكون شعورهم بالسعادة!
والمعضلة أن الشباب العربي العاطل عن العمل أو الذي يعيش على راتب شهري محدود يحتاج بيأس لهذه الجرعة الإضافية من الثقة لأنه حينها سيتمكن من الشعور بأنه حقق شيئا ما.
وعبر البعض، بأن التقليد، والذي وصفوه بالأعمى، والتفاخر في اقتناء الماركات يشكل هوسا، لدى بعض الفتيات والشباب، حيث أصبح الحكم على المرأة والرجل من خلال ما يلبس، ناهيك عن مجاراة الآخرين ومسايرتهم في ما يلبسون، وإن كلف ذلك العوز المادي والاقتراض في سبيل توفير الملبس، ليكون هو المقياس في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية.
مشكلات عائلية

تسبّب الهوس بالموضة بالكثير من المشكلات الأسرية، وخصوصا المادية، سواء من الزوجة أو الفتاة الشابة لارتدائهما الملابس ذات الماركات المعروفة والأسعار الخيالية التي لا يتحمّلها الأب أو الزوج، وبالتالي يعتبرها إهدارا للأموال.
وأصبح هذا الهوس داء عالميا، وذكرت بعض التقارير الصحافية أن هناك نهايات مأساوية لبعض الشباب والشابات نتيجة الديون التي تراكمت عليهم بسبب عادات الشراء المرضية، وبسبب تأثرهم بحياة وسلوكيات النجوم والمشاهير وما تبثه وسائل الإعلام، وبغض النظر عن المبررات التي تساق عن جودة تلك المنتجات وجمال تصاميمها إلا أنها لا يمكن أن تفسر وحدها هذا الهوس.
ويخلق اتباع الموضة مجتمعا استهلاكيا تستنزف أمواله، وتحطم معنوياته، لأن المظهر واقتناء كل جديد يصبحان همه الأساسي والوحيد، فيستغرق فيها وينسى بذلك الأهداف الأخرى في الحياة وأهمية العمل والنجاح في الحياة العملية.
ويرى بعض المنتقدين لهذه الظاهرة بشكل عام أن “الموضة” غزو ثقافي يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي لشعوب العالم، بل إن هذه الشعوب نفسها وأمام إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي الغربي، تعمد إلى اتباع هذه “الموضة” رغبة منها في التعويض والإشباع.
الموضة تم تحويلها لتصبح مرادفا للماركات العالمية الفاخرة، والأناقة التي من المفترض أنها لا علاقة لها بالماركات باتت لا تنفصل عنها
وتلعب التنشئة الاجتماعية دورا أساسيا في هذا الأمر إذ تتسابق بعض الأسر إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق، ليس من الألبسة فقط، وإنما من الفرش والأواني أيضا، ويكتسب الأبناء هذه السلوكيات، فيتنافسون مع أقرانهم في الحصول على الإعجاب، وفي شراء منتجات تحمل رموز دور وشركات غربية.
وتؤثر الحملات الدعائية المنتشرة في الشوارع والتلفزيونات والمواقع الإلكترونية بشكل كبير في جذب اهتمام الكثيرين وخاصة الشباب، فهي تشجعهم على شراء الماركات مهما بلغ ثمنها، وإن لم يستطيعوا تحمل سعرها، من الممكن أن تتحول الرغبة في ارتدائها إلى هوس يدفعهم في بعض الأحيان إلى شراء الماركات المقلدة.
وتقوم وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة إنستغرام بدور كبير في زيادة اهتمام أو هوس الشباب بشراء الماركات؛ ولم يعد الأمر مقتصرا على الفتيات بل حتى الرجال يتابعون أحدث صيحات الموضة. وساهمت الفاشينيستات بانتشار هذا الهوس حيث تعمل الكثير منهن كمدونات للموضة، ويقمن بنشر صورهن أثناء ارتداء أحدث الماركات الشهيرة؛ ومن الممكن أن يصل عدد متابعيهن إلى ملايين. يهتمون بمتابعة أخبارهن وأزيائهن، باعتبارهن أيقونات للموضة، ويحرص البعض على شراء نفس الماركات التي يقمن بارتدائها.
ويتلقى بعضهن دعوة من أشهر المصممين العالميين لحضور عروض الأزياء الخاصة بهم، وهو ما يدل على الدور الهام الذي تلعبه تلك المواقع في زيادة إقبال الشباب على شراء تلك الماركات.
ثقافة المظهر

باتت ثقافة الملابس وأناقة المظهر علما يدرس في دورات خاصة، كجزء من مهارات الاتصال والتواصل مع المحيط، كما هو الحال في نبرة الصوت، وطريقة الكلام، وغيرها من المهارات الأساسية واللازمة في خطة نجاح أي إنسان حيث يبين خبراء مهارات الاتصال والقيادة الشخصية أن الانطباع الأول الذي يأخذه الشخص عن الطرف المقابل، يعتمد على ما يراه، والانطباع الأول يتم أخذه عن طريق اللباس والشكل العام، ثم بعد ذلك تأتي السلوكيات والأفعال لتعزز الانطباع الأول.
ويرى الخبراء أن الأمر يتجاوز رغبات الشباب، بل يعتبرون تلك الرغبات نتيجة وليست سببا في مسألة ولع الشباب بالموضة، ففي عصر ثقافة الصورة التي تسود العالم، وفي عصر الفضائيات والإنترنت، أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصراعاتها، واتخذت من الشباب فئة مستهدفة، فما أكثر المجلات والبرامج ومواقع الإنترنت التي تعرض الجديد من كل موضة للشباب، وترغّبهم فيه، حتى أصبحت أخبار الموضة تنافس أكثر الأخبار الساخنة في مناطق الصراع.
والموضة والأناقة كلمتان مختلفتان وكل واحدة منهما صناعة بحد ذاتها.
لكن وبما أن الهدف هو الترويج للبضائع والمنتجات فإن الحدود بينهما باتت غير واضحة. فالموضة تم تحويلها لتصبح مرادفا للماركات العالمية الفاخرة، والأناقة التي من المفترض أنها لا علاقة لها بالماركات باتت لا تنفصل عنها.
وذكر أحمد المحرزي (29 عاما) وموظف في أحد البنوك في العاصمة تونس أن الماركة أصبحت مقياس التعامل بين الأفراد، وتكوين العلاقات الاجتماعية، ليس فقط لدى الكبار، وإنما لدى الصغار كذلك.
وقال المحرزي “لقد أصبحت الماركة مرض العصر، وذلك لا يقتصر على الملبس، وإنما في الأطعمة والوجبات وكله سعيا إلى التفاخر والتباهي”، مشيرا إلى أن هذه الثقافة تدخل الآباء في مأزق مادي، من خلال طلبات أولادهم وبناتهم الملابس والحقائب وغيرها التي تكون أسعارها مرتفعة بالآلاف.
وأشار المحرزي إلى أن قيمة الإنسان تحددها الماركات العالمية، ولهذا يحرص الشباب على الظهور مرتدين أحدث الماركات العالمية، حتى لو فاقت قدرتهم الشرائية، وذلك باعتبارها عنوانا للشخصية.
وأوضح أن هوس الشباب بالماركات أمر طبيعي، وذلك مع وجود الإعلانات التجارية في الشوارع والمجلات، مؤكدا بأنه مما لا شك فيه أن المجتمع له تأثير كبير في تكوين هذا الاهتمام بين الشباب.