عسكر وذكورة وفقر: هذا ما تواجهه المرأة المصرية من مصاعب

القاهرة - خرجت آلاف المصريات إلى الشوارع جنبا إلى جنب مع الرجال للاحتجاج على الرئيس السابق محمد مرسي في 2013. وكانت الكثير من النساء اللاتي تظاهرن ضد جماعة الإخوان المسلمين قلقات من ردود الفعل العنيفة والمحتملة ضد حقوق المرأة ودعمن الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما وصل إلى السلطة واعدا بحماية حقوق المرأة والنهوض بها. لكن فترة حكمه تشهد مستويات متزايدة من جميع أشكال العنف ضد المرأة في المجالين العام والخاص، وتآكلت حقوق النساء بشكل كبير خلال العشرية الأخيرة.
وتقول الباحثة النسوية دينا وهبة في تقرير لمؤسسة عرب دايجست الاستشارية إن "النساء المصريات يواجهن اليوم العديد من الصعوبات حيث صرن يدفعن أغلى الأسعار ويدرن ثلث الأسر مع تواصل تفشي العنف ضدهن. وأجبرهن التضخم وانهيار العملة على الاستدانة. ووجدت عشرات الآلاف منهن أنفسهن في السجن بسبب الديون".
وترى الباحثة الشابة أن المرء يحتاج إلى دراسة أسس الذكورية العسكرية لفهم السياسة المصرية منذ 2013. وتوضح "أعني بالذكورية العسكرية أن مُثُل الرجولة تتحدد عبر الخصائص السائدة في الجيش". وكما قالت الأستاذة المشاركة في الدراسات السياسية والكندية ودراسات المرأة بجامعة جبل سانت فنسنت في كندا مايا إيشلر "تشير الذكورة العسكرية إلى فكرة أن الرجال الحقيقيين جنود وأن الجنود الحقيقيين هم الرجال".
وجادل النشطاء النسويون لسنوات بأن الذكورية العسكرية تشكل حاجزا رئيسيا أمام أهداف المساواة بين الجنسين. وتتعدد الأدلة التي تُظهِر أن تكوينات الذكورة والأنوثة في السياق العسكري تشكل النظام الجنساني بأكمله في المجتمع. وتشجع هذه الجوانب المختلفة من الذكورة العسكرية الرجال على الاعتقاد بأن دورهم يتمثل في القتال والحماية وتعلّم النساء أن دورهن يقتصر على المنزل.
وتشكّل التكوينات الجندرية داخل الجيوش الذكورية في المجتمع الأوسع. ويصعب على العديد من الرجال، وخاصة أولئك الذين يشغلون مناصب السلطة والقيادة، أن يعترفوا بالضعف والاعتماد المتبادل. ويضطرون بدلا من ذلك إلى الاعتماد على الأسلحة، واتباع سياسات عدوانية، ومواصلة المسار حتى لو كان من الواضح أنهم يسيرون على الطريق الخطأ. ويرسّخ كل هذا أسطورة إمكانية تحقيق الأمن التام وتشكيل المجتمع المثالي.
وحسب الباحثة، يخلّف مفهوم الرجل المثالي المهيمن في مصر بعد 2013 آثارا مجتمعية مهمة. ومن الأساليب المحددة لتجسيد الرجولة التنافس بدل التسوية، والقتال بدل التشاور، والقوة بدل الكلام، وما إلى ذلك. ويتمتع الرجال الذين يشبهون النموذج المهيمن بامتياز أكبر.
ومكّن مفهوم الذكورية المهيمن النقاد من إبراز العلاقة بين الذكورة والعسكرة. وبرز الضابط القائد كنموذج قوي، وهيمن كشكل من أشكال "الرجل المثالي". ونتيجة لهذا الامتياز المستمر للصورة النمطية للذكورة، ظلت بعض المزايا مثل الثروة والاحترام والسلطة في أيدي الرجال داخل الجيش وخارجه. ويبرز هذا في حالة مصر. وتنبه دينا وهبة إلى أن للعسكرة في مصر التي يحكمها نظام السيسي عواقب بعيدة المدى تؤدي إلى زيادة مستويات العنف ضد المرأة.
ويوثّق البحث الذي نشره مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي بعنوان "قُتلنا لأننا نساء" عمليات قتل النساء في مصر. وسجّل 151 جريمة قتل للإناث بين أكتوبر 2021 وأكتوبر 2022، وقُتل عدد من النساء تبلغ نسبته 94 في المئة وانتحر منهن ما نسبته 6 في المئة. وسجّلت مصر بالفعل 51 حالة قتل للنساء في الربع الأول من 2023. ويدعو التقرير السلطات إلى توفير الحماية من جميع أشكال العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات.
ودعت الكثير من النسويات في مصر منذ 2011 إلى قانون شامل يهدف إلى إنهاء العنف ضد الإناث، لكن لم يقدّم برلمان السيسي أي شيء. وبدلا من ذلك، تقرر اعتماد تشريعات جديدة مثل "قانون الجرائم الإلكترونية" لاعتقال النساء بتهمة "انتهاك مبادئ الأسرة في المجتمع المصري” لنشرهن "مقاطع فيديو غير لائقة" على حساباتهن في وسائل التواصل الاجتماعي.
◙ النشطاء النسويون جادلوا لسنوات بأن الذكورية العسكرية تشكل حاجزا رئيسيا أمام أهداف المساواة بين الجنسين
وشهد صيف 2020 صعود حركة “أنا أيضا” المصرية، حيث تقدمت المئات من النساء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث علنا عن العنف الجنسي. وواجهت النسويات مع ذلك تحديات كبيرة أثناء محاولتهن رفع دعوى قضائية مما عطّل تقدم الحركة.
كما تمر مصر حاليا بواحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية في تاريخها المعاصر، وتعاني المرأة من مستويات مختلفة من العنف الاقتصادي مع ترؤّسها ثلث الأسر المصرية. وتمثّل الغارمات في مصر (اللاتي تم سجنهن لعدم قدرتهن على سداد الديون) 25 في المئة من مساجين مصر.
ووثّقت دراسة نشرها ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مصرية) في 2021 حالة 35 ألف امرأة مثقلة بالديون في السجن، وكانت بعض النساء يقضين أحكاما بسبب مبالغ تقل عن 300 دولار احتجنها لشراء الأدوية أو دفع الفواتير الطبية. وليست هذه الظاهرة سوى أحد مظاهر كفاح المرأة المصرية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، في محاولة لإطعام أطفالها وسط زيادة أسعار المواد الغذائية ومستويات التضخم القياسية.
وتحاول النسويات والناشطات في مجال حقوق المرأة والنساء المصريات التقدميات داخل مصر وخارجها التنظّم عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع لتبادل الخبرات والتخطيط للتحرك في فترة يُواجهن فيها مجالا عاما يزداد ضيقا في مصر.