عسر التوفيق بين الحرب على الإرهاب واحترام حقوق الإنسان

الثلاثاء 2017/11/21
معادلة صعبة

مطالبة نقابات أمنية تونسية بسنّ قانون لزجر الاعتداءات على الأمنيين على خلفية العملية الإرهابية التي وقعت مطلع الشهر الجاري، والتي استهدفت رجل أمن في ضاحية باردو، أعادت الجدل حول محاربة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان. ففيما قدرت النقابات الأمنية أن سن القانون من شأنه أن يحد من العمليات الإرهابية، رأت جمعيات حقوقية كثيرة أن ذلك يمثل اعتداء على الحريات الفردية ومنطلقا لقمع حرية الصحافة والإعلام والنشر، وحق الحصول على المعلومة والحق في الاحتجاج السلمي.

الإرهاب يتسلل من كل الثغرات الممكنة والمتاحة، ولعل أوهن هذه الثغرات وأكثرها هشاشة بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية هو المناخ الديمقراطي لما توفره الحريات فيه من سلاسة وسهولة في التنقل، وتكفله القوانين من حماية للخصوصيات والمعطيات الشخصية.

وثبت في العقدين الأخيرين، وبما لا يدع مجالا للشك، أن أكثر الدول ديمقراطية وصونا للحريات الفردية كانت هدفا ومسرحا لعمليات إرهابية دموية استطاعت أن تجد طريقا لها بحكم جملة التسهيلات وعفوية الإجراءات. وبناء على ذلك بدأت الدول الغربية في سنّ القوانين الصارمة وتشديد المراقبة الأمنية على حساب الحريات الشخصية مما دفع بالجهات الحقوقية إلى التنبّه ودقّ نواقيس الخطر دفاعا عن الحريات التي تقرّها الأعراف والمواثيق الدولية والدساتير القانونية.

الأمن والحرية صنوان لا ينفصمان. فدون الحرية والديمقراطية لا يتحقق الأمن والسلام الاجتماعي ودون الأمن تصبح الحرية والديمقراطية بلا معنى. لكن عندما يتعارض الحفاظ على الأمن مع الحرية باسم الدفاع عن الحرية فإن الحرية تفقد معناها والأمن قد لا يتحقق في هذه الحالة.

وفي إطار حملتها الأمنية لمكافحة الإرهاب تسعى الحكومات إلى اتخاذ إجراءات أمنية وقانونية للحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية على أراضيها ولمكافحة مختلف النشاطات الإرهابية وتجفيف منابعها. ويدور الجدل في الأوساط السياسية والأمنية والقانونية حول الحدود التي تفصل بين مكافحة الإرهاب وبين ضمان الحريات في هذه الدول بما في ذلك الدول الديمقراطية. ففي الوقت الذي يرى البعض ضرورة التنازل عن بعض الحريات الشخصية لصالح حماية المجتمع وصون حرياته، يرى البعض الأخر أن الحريات الشخصية هي جزء لا يتجزأ من منظومة قيم النظم الديمقراطية التي لا يمكن التنازل عنها أو عن جزء منها، وبأن حماية الحرية لا يمكن أن تتحقق من خلال تقييد الحرية نفسها.

وقد لجأت الحكومات الغربية مثلا إلى اتباع وسائل قانونية وأمنية تتعارض تماما مع القيم الديمقراطية ولا تختلف عن تلك المتبعة في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية. وقد أصبح الباحثون عن الحرية في ذلك الغرب الديمقراطي الرحب متهمين من قبل السلطات والمجتمع بأنهم قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت. وهم غالبا مدانون حتى يثبتون براءتهم بأنفسهم. جاليات معيّنة تخضع للمراقبة والمضايقة. أحكام مسبقة على أشخاص بسبب اللون والجنسية والديانة والهوية.

لكن الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد أجاز للدول في حالة الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة البشر أن تتخذ في أضيق الحدود تدابير تتحرر بها من التزامها الدولي باحترام بعض حقوق الإنسان. على أنه يشترط لإعمال هذا الحكم أن تكون الدولة أمام حالة طوارئ استثنائية. كما أصدرت مفوضية الأمم المتحدة بيانا في 11 أكتوبر 2001 تحت عنوان “حقوق الانسان والإرهاب”، أكدت فيه على ضرورة احترام حقوق الإنسان حتى في حالة الطوارئ والخطر القومي، وأن إمكانات الدولة التي يتهددها خطر داهم في التحرر من مبادئ حقوق الإنسان مقيّدة وفق القيود السابقة، وأهمها أن ثمة حقوقا لا يجوز الاقتراب منها.

المنظمات الحقوقية والهيئات الإنسانية تنبّه إلى أنّ قوانين مكافحة الإرهاب لا يجب أن تكون ذرائع لكبت الحريات وإخفاء المعلومات والنيل من حق المجتمع في معرفة الحقائق عبر وسائل الإعلام المختلفة، فمكافحة الإرهاب والإرهابيين لا تعني مكافحة الإعلام والصحافة وكمّ الأفواه. كبت الحريات والتضييق على الإعلام بحجة الحفاظ علي الأمن القومي واستقرار البلاد والسلم والأمن العام وحماية القيم.. وغيرها من الكلمات الرنانة والمطاطة كانت ولا تزال محصّلتها الزج بالصحافيين والإعلاميين إلي غياهب السجون.

ومنذ أن لجأت الولايات المتحدة الأميركية، عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 إلى تفعيل قانون عُرف بقانون “باتريوت” خوّلت بموجبة أجهزة الأمن سلطات إضافية واستثنائية، بدأت دول على اختلاف أنظمتها في الغرب والشرق، تسعى إلى استصدار قوانين تمكّنها من القيام باعتقال الأشخاص المشكوك فيهم أو الذين يعتقد أنهم قد يشكّلون خطرا أمنيا، وحبسهم حبسا احتياطيا لفترات قد تطول أو تقصر، وذلك من دون محاكمة أو ثبوت أدانتهم بجرائم أمنية.

للمزيد:

معادلة صعبة وسؤال مضلل

لا ديمقراطية في غياب الأمن

12