عرض سوري متنوع التشكيلات البصرية والسمعية

مشروع تخرّج مسرحي يوائم بين الضوء والسينما والموسيقى الحية.
السبت 2021/08/14
لقاء الضوء والسينما والموسيقى والمسرح في عرض واحد

عادة ما يبحث المبدعون عن آفاق جديدة لأعمالهم، وهم يقدّمون في سبيل ذلك العديد من الأفكار التي لا تقف عند حدود الفصل بين الفنون، فلا حواجز في رؤاهم الفنية التي يقترحونها على الجمهور. وقد بدا ذلك جليا في عرض تخرّج طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم التقنيات البصرية، الذي قدّم توليفة بصرية وسينمائية مع موسيقى سيمفونية حية على خشبة المسرح لاقت صدى طيبا.

دمشق – أقام المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق مؤخرا، حفل تخريج طلاب قسم التقنيات البصرية (السينوغرافيا) للعام الحالي بمشاركة دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) والفرقة الوطنية السيمفونية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان.

ثلاثية متناسقة

قدّم الخريجون وعددهم تسعة في العرض صيغة فنية جديدة تم الاشتغال عليها للمرة الأولى في حفلات تخريج طلاب هذا القسم في المعهد، فعادة ما يلجأ في مثل هكذا حفلات إلى تقديم عروض تقنية بصرية يكون الحضور الأهم فيها للضوء، وتحديدا في المؤثرات البصرية التي تقدّم أفكارا درامية واضحة. لكن عرض التخرج الحالي أضاف إلى ذلك بعدا صوتيا موسيقيا وحيا، بحيث لم يكن مصدر الموسيقى المرافق تسجيلا مرافقا، بل كان عزفا حيا للفرقة السيمفونية السورية، وهي الفرقة الموسيقية السورية الأعرق في هذا المجال.

وقدّمت الفرقة عبر زمن الحفل الذي تجاوز النصف ساعة بقليل، وبقيادة المايسترو ميساك باغبودريان مقاطع موسيقية عن أفلام عالمية يعرفها الناس وتسكن في ذاكرتهم، منها “علاء الدين” و”تايتانيك” و”العراب”، وكانت المهمة الإبداعية لفريق الخريجين أن يعملوا على ترجمة هذه المشاهد إلى معادلات تقنية بصرية تستعرض ترجمة حسية لما يرونه على الشاشة.

أدهم سفر: الابتعاد قليلا عن الفنون المباشرة كالتمثيل والغناء أمر ضروري
أدهم سفر: الابتعاد قليلا عن الفنون المباشرة كالتمثيل والغناء أمر ضروري

فقدّموا تشكيلات بصرية متنوعة شملت الضوء وشدته واللون وحركته والمؤثر وتوظيفه، وقد صمّم عمق المسرح بشكل مختلف هذه المرة، حيث أتى محتويا على  ثلاث شاشات عرض كبيرة توسّطت أولها منصة العرض ووضعت الثانية على يسار والثالثة على يمين المنصة، الأمر الذي  أوجد حالة بصرية عريضة مكنت المتلقي من متابعة المشاهد بروح عميقة ومبتكرة.

وكان لوجود عناصر فنية ثلاثة على  المسرح، وهي السينما والضوء والموسيقى الحية حالة خاصة من الترقب لطبيعة المادة التي سوف يتابعها المتلقي، فالعرض قدّم الضوء والموسيقى الحية والسينما، وبهذا كسر حاجزا مألوفا وسار في اتجاه جديد غير مسبوق.

وشكّل وجود مصطلح سينوغرافيا في الفن المسرحي جدلا في المهنة منذ ظهوره منذ أكثر من ثلاثين عاما. وكان وضع ضابط محدد لهذا المصطلح الوافد أمرا بالغ الأهمية، فمصطلح السينوغرافيا الذي حجمه البعض تعريفا، بالبعد البصري الضوئي للمشهدية المسرحية على المنصة، وجد فيه آخرون ما هو أبعد من ذلك، فهو يتناول برأيهم الفضاء المسرحي بكل مكوناته الذي يعتبر الضوء جزءا هاما من مكوناته، ليصل إلى ترجمة أفكار العرض المسرحي عبر تشكيلات ثلاثية الأبعاد لا بد من الوصول إليها لتكوين ونقل أفكار النص للجمهور، وبالتالي تحقيق حالة فكرية وجمالية أكبر بين الجمهور والعرض.

والمصطلح لم يكن موجودا بوضوح في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي أسّس في العام 1977 بدمشق، وكان مجرد تكوين إداري شبه مهمش في إطار دراسة الديكور، لكنه منذ العام 2006 صار قسما كاملا، له منهاجه ومدرسوه وكيانه الخاص به، وصار أحد أقسام المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق. وهو يخرّج سنويا العديد من الطاقات الشابة التي تعمل في مجال الفن السوري سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون.

وقدّم الخريجون، وهم: براء طرقجي وضياء النجاد وعبدالرحمن سمسمية ومحمد الزعبي وهدى شعبان وحيدر الحامض وسعيد سعيد ولمى محمد ومناف حسن، آفاق عمل جديدة واكبوا فيها ما استطاعوا من آخر مبتكرات العصر في استعمال التجهيزات الضوئية والمؤثرات البصرية التي ساعدت في تقديم رؤاهم بشكل أوضح.

أفكار خلاّقة

معادلة بصرية مبتكرة لموسيقى فيلم “العراب”
معادلة بصرية مبتكرة لموسيقى فيلم “العراب”

عن ذلك يقول المشرف على تخريج الدفعة ورئيس قسم التقنيات البصرية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أدهم سفر “المشروع هو تخريج طلاب الدفعة الحالية لطلاب المعهد الذي سيرفد الفن السوري في الموسم الأحدث بتسعة فنيين جدد يمتلكون الخبرة والمعلومة”.

ويسترسل “هي المرة الأولى التي يكون العرض فيها بهذه الصيغة، قدّم المشاركون من خلالها معادلة بصرية للأفلام التي هي مألوفة لمعظم الأشخاص، ساهم فيها الجميع بتقديم عدة وجهات نظر تتعلق بتصميم اللوحات وطريقة التنفيذ. أتمنى أن تتكرّر هده الصيغة وأن يسلّط الضوء على هذه الأعمال وأن يتابع الجمهور تفاصيلها”.

وهو يرى أن الابتعاد قليلا عن الفنون المباشرة كالتمثيل والغناء أمر حيوي وضروري، لكي تظهر هذه الإبداعات للناس بما تحتويه من فنون وأفكار خلاقة يستطيع الشخص فيها تقديم محتوى مختلف يحمل المزيد من التألق، وهذا ما يعني وجود قدرات وطاقات فنية في شتى الاختصاصات.

تامر العربيد: المبدعون الشباب هم طاقات فنية قادرة على إنتاج الفن بعمق
تامر العربيد: المبدعون الشباب هم طاقات فنية قادرة على إنتاج الفن بعمق

ومن جانبه يرى عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، تامر العربيد، أن مواكبة سوق العمل وتطوير أسلوب التعليم وتقديم الجديد والمتطوّر هو الهدف الذي تتجه إليه جهود معهد المسرح وخريجوه على حد سواء.

ويقول “أن يأتي حفل التخرّج بهذه الصيغة، هو استثمار جيد لتجربة تعاون جديدة بين المعهد ودار الأوبرا والفرقة السيمفونية التي قدّمت موسيقى حية على مسمع الناس فأحبوها وتفاعلوا معها”.

ويوضّح “قدّمنا تسعة خريجين في قسم التقنيات حضرت فيها السينما بشكل متجاور مع موسيقى خمسة أفلام عالمية، كانت فيها الإضاءة صاحبة الحضور الأقوى، والتي نقلت الحالة الدرامية للمشهد السينمائي إلى الجمهور في تكامل فني موفق. ومع وجود السيمفوني أردنا أن نقول إن هؤلاء المبدعين الشباب هم طاقات فنية قادرة على إنتاج الفن بصورة عميقة على حامل تقني ضوئي بمشاركة الموسيقى الحية”.

وهو يرى النتيجة مرضية، فالشكل جديد، كان الهدف منه رغبة المعهد العالي للفنون المسرحية في تطوير أفكاره وأفكار خريجيه، وأن يكون أداؤهم أقرب إلى الكمال، لكي يكون الخريج جاهزا لسوق العمل لاحقا وجاهزا لتقديم حلول إبداعية خلاقة”.

وفي ذلك يقول “نحن نقدّم فنانين جدد لديهم القدرة على تقديم قراءاتهم بشكل بصري جديد، يعكس فهما مختلفا لطبيعة المادة المقدّمة، وصياغتها من خلال المؤثرات أو جهاز الإسقاط مع الموسيقى الحية. نسعى في المعهد من خلال قسم التقنيات إلى تطوير فهم الطالب وتوسيع مداركه تحضيرا له ليكون فنانا متسلحا بالذهنية الإبداعية الصحيحة التي تجعل منه فنانا قادرا على الإبداع فيما سيقدّمه من أعمال مستقبلا. ويكون فاعلا ومؤهلا في سوق العمل التي تتطلب الكثير من القدرة على الابتكار”.

Thumbnail
14