عراقي يترك الصيدلة ليرعى الابتكار التكنولوجي في البصرة

كان شغوفا بالرسم والنحت حتى أن رفاقه توقعوا له مستقبلا فنيا زاهرا، وفي الجامعة درس الصيدلة وبعد تخرجه تركها لابتكاراته العلمية ويدير الآن مخيم العلوم الذي يوجه الدعم فيه للمصممين والمخترعين والمبرمجين.
البصرة (العراق) - "بدلا من أن أصبح رساما أو نحاتا، كما كان الجميع يطلق عليّ حتى مرحلة الجامعة، وجدت نفسي مصمماً ومخترعاً، حيث دفعتني الحاجة إلى إضافة الجدوى الاقتصادية للفن للاستجابة للواقع، حفزت موهبة أعمق وهي التصميم الصناعي ومحاكاة الآلات ذهنياً ولأنني أردت لمنحوتاتي أن تكون أكثر حياة فجعلتها روبوتات متحركة" هكذا انتقل المبتكر ومؤسس أول مختبر للعلوم (مخيم العلوم) في العراق نورس عارف من الصيدلة إلى عالم الابتكارات التكنولوجية كما تحدث لوكالة الأنباء العراقية.
وهناك عدة أفكار من الممكن أن تصنف كبراءات اختراع رغم أن نورس لم يقم بتسجيلها، متعلقة بمجال الروبوت خصوصا والميكانيك عموما، ومنها تصميم "المفاصل المتزامنة" الذي صممه بعمر مبكر في عام 1994، وهو تصميم شديد المتانة والقوة لأطراف صناعية روبوتية تماثل حجم وشكل اليد البشرية ولكنها تتجاوز ما هو مطروح في سوق الأطراف الصناعية العالمية متانة.
وكان نورس يملك ورشة وأدوات ومساحة عمل في الممر الخلفي لبيت العائلة في البصرة، وبعد تخرجه من كلية الصيدلة استثمر المساحة الجانبية لمنزله الخاص وباستخدام كرفانات متنقلة من بقايا الحروب كورشة متكاملة ومجهزة نسبيا ليتمكن من مشاركتها مع مجتمعه المحلي ولتصبح أول مساحة مبتكرين عراقية، ومركز ابتكار ودعم للمصممين والمخترعين والمبرمجين والطلبة والباحثين ولأصحاب الأفكار الريادية.
ويقول نورس "تواصلنا مع العديد من نظرائنا العالميين بوقت مبكر نسبيا وبدأت مشاركاتنا العالمية من خلال السفر إلى دول أخرى، وأحد مشاريعنا هو الشراكة الحصرية لبناء ودعم المنتخب الوطني العراقي للروبوتات في أولمبياد الروبوتات العالمية للفئة العمرية من 14 إلى 18 سنة، والكثير من المشاركات في المحافل العلمية والابتكارية الدولية". ويضيف "قدمنا كثيرا من الحلول في مختلف الأوقات ومنها أيام الجائحة من خلال ابتكار طريقة سريعة جدا في إنتاج الأقنعة الواقية الشفافة وتم توثيق هذا النشاط في كتاب "التصميم للفايروس" المطبوع في إسبانيا.
ويتابع "مخيم العلوم اليوم معروف عالمياً على أنه مساحة مبتكرين ومختبر تصنيع رقمي وفق تعريف معهد ماساشوستس لمختبرات التصنيع الرقمي التي تشترط بنية تحتية من الآلات والمختبرات والأجهزة ودعمها للتعليم في مجال العلوم التطبيقية، ومسجل في العراق بهيكل مركب من منظمة مجتمع مدني ومعمل روبوتات وهذا المعمل ينتج اليوم روبوتا تعليميا مصمما لسد الفجوة في العملية التعليمية من خلال توفير تدريب تطبيقي عملي".
ولفت نورس عارف إلى أن "مخيم العلوم يستجيب للمتطلبات التقنية للقطاع الخاص الصناعي بتوفير خدمات الهندسة العكسية والتصاميم الابتكارية وتوفير الحلول لقطع الغيار النادرة أو المحوّرة"، ويقدم قيمتين أساسيتين لمرتاديه محليا في العراق، أولاهما ثقافة مجتمع المبتكرين العالمية الصديقة والمستوعبة لمتطلبات الابتكار والبحث والتطوير وتكرار المحاولات المتعددة لإنتاج النماذج الأولية من الابتكارات، ثم في البنى التحتية والأجهزة المتعددة الاستخدامات والمختبرات والآلات من طابعات ثلاثية الأبعاد وورش وأجهزة تصنيع رقمي رباعية الأبعاد ومختبرات إلكترونيات وبرمجيات صناعية وابتكار متنوعة.
وأضاف "يضم مخيم العلوم مجموعة متنوعة من المصممين والمبتكرين والمبرمجين والفنانين والمهندسين ورواد الأعمال والباحثين والطلبة لمشاريع تخرجهم أو لتنمية قدراتهم لتكون متلائمة مع متطلبات سوق العمل". وتابع بالقول "كل دائرة اجتماعية من هذه الدوائر تتنوع بين المبتدئين والمحترفين إلى درجة أن يكونوا مدربين في هذا المجال، لهذا فمخيم العلوم اليوم يرتبط بقاعدة جماهيرية كفؤة تمتد محليا في البصرة والعراق ورقميا لها عمق دولي متعلق بشبكة واسعة من نظرائنا في كل دول العالم، حيث أن مخيم العلوم عضو في 'مجمع الابتكار العالمي' وأنا شخصيا أحد الأعضاء الـ12 في مجلس الإشراف في مجمع الابتكار العالمي المسجل في برلين".
مخيم العلوم اليوم مستدام مائياً حيث يولد أكثر من 250 لتراً في اليوم من الهواء، ووصل بأبحاث الطاقة الشمسية إلى صهر الحديد بطاقة الشمس بطريقة أكثر كفاءة من الخلايا الشمسية النمطية، والكثير من الأبحاث والابتكارات في مجال البيئة ومعاكسة التغير المناخي، كما تم تمثيل العراق في أولمبياد الروبوتات العالمية عن طريق مختبر العلوم.
ويقول نورس "أطمح إلى أن يكون مخيم العلوم متاحاً في كل محافظات العراق وأن تعمم تجربته في دعم القطاع الخاص بالابتكار وأثره في تغيير قناعة الشباب من انتظار التعيين الحكومي إلى استثمار الذات في القطاع الخاص، وخصوصاً في مجال التكنولوجيا ولدينا الكثير لنقدمه بدءاً من أكاديميات الروبوت والذكاء الاصطناعي..".