عراقيو المعارضة شرذمة الوطنية والإخلاص

في انتخابات المجالس المحلية القادمة، تبرز العديد من الأحزاب منها ما يعرفه العراقيون جيدا ولم تتغير البلاد في عهده، والقليل منها ما يمثل المعارضة التي تحمل بالفعل شعورا بالوطنية وإخلاصا في شعاراتها المحاربة للفساد الذي أنهك البلاد منذ عقود، لكنها تظل مشتتة لا يمكنها إحداث تغيير يذكر إلا إن اتحدت وشكلت ائتلافا وطنيا.
بغداد - توجد في العراق شخصيات وأحزاب وحركات وجماعات وطنية ومخلصة، لا تسمعها تتحدث عن التغيير والديمقراطية وإنقاذ البلاد من الفساد ونظام المحاصصة الطائفية، حتى تعتقد أن العراق سوف يغزو المريخ. ولكنها ممزقة أيضا. وتمزقها يكفي بحد ذاته لكي يدل على أنها لن تبلغ في دعاويها بلدة “طويريج”، دع عنك المريخ.
ففي بلد يغرق في طوفان من الفساد والدمار الشامل، يظل وطنيوه عاجزين عن تبني إستراتيجية موحدة، يعني أنهم يسلمون البلاد بأنفسهم إلى تلك القوى التي تنهب العراق وتدمر فرصه التنموية وتمزق مجتمعه. وذلك بينما هي تتذرع بأنها على خلاف مع هذا الوطني أو ذاك، على هذا الشأن الصغير أو ذاك.
توجد كتلتان وطنيتان تستعدان للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، هما قوى التغيير الديمقراطية، وحراك جماعة رفض. ولابد للناخب العراقي الذي تتوجه له هاتان الكتلتان أن يتساءل: لماذا تأخر العراقيون في اختراع كوكب أرضي جديد يحفه الازدهار ويغمره الاستقرار، طالما أن لديه وطنيين مخلصين بهذا المقدار؟
الأحزاب المهيمنة على السلطة سوف تقلق، بل وتعيد النظر في إستراتيجياتها الانتخابية، إذا توحدت الكتلتان
السؤال الآخر، الأكثر واقعية، هو: لماذا لم يتوحدوا ليشكلوا كتلة واحدة طالما أنهم يواجهون خصوما أقوياء ويمتلكون السلاح والمال والخديعة لكي يفرضوا نفوذهم من جديد؟
بعض الجواب ربما يكون واضحا. وهو إما أنهم وطنيون من نمط الوطنية التي تنكر على الآخرين وطنيتهم، وإما لأنهم أنانيون، ويريد كل منهم أن تسير البلاد على هواه، أو ربما لأنهم “شرذمة” تجري وراء المصالح الصغيرة والأهواء أكثر مما تجري وراء مستقبل البلاد.
وتواجه هاتان الجماعتان تهديدا مشتركا، يجعل وحدتهما ضرورة من ضرورات النجاة، وإلا فلا معنى من وجودهما. ومن المؤكد أن تؤدي الخسارة إلى تمزق الجماعتين وربما اختفاءهما أيضا، حتى ليصبح وجودهما الراهن مجرد فرضية من الفرضيات غير القابلة للتحقيق.
وكان برلمان أحزاب المحاصصة الطائفية صوت في السادس والعشرين من مارس الماضي على اعتماد القاسم الانتخابي 1.7 في نظام سانت ليغو، خلال تعديل قانون الانتخابات.
وسرعان ما اعتبره المعارضون قانونا فُصِّل على مقاس القوى النافذة في البلاد، لاسيما وأنه يعيد نظام الدائرة الواحدة، أي على عكس نظام الدوائر المتعددة الذي قام عليه البرلمان الحالي، وأتاح لنحو 40 نائبا مستقلا أن يحصلوا على مقاعد فيه.
و”سانت ليغو” طريقة حساب رياضية تُتبع في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وتعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعديا، وفي حدود هذه النسبة المنخفضة، فإنه يمكن للتحالفات الصغيرة أن تحصل على فرصة للفوز. سوى أن النظام السابق اعتمد قاسما انتخابيا أعلى بواقع 1.9، وهو ما رفع حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة، وأطاح بفرص الكيانات الصغيرة أو الناشئة. وأما التعديل الجديد الذي يضع قاسما بواقع 1.7، فإنه يبدو أفضل من سابقه، إلا أنه يظل يرفع عتبة الاختراق أمام الكتل الصغيرة. وكان البرلمان صوت على النحو التالي:
تقسم الأصوات الصحيحة لكل قائمة على الأعداد التسلسلية (1، 3، 5، 7، 9.. إلخ) وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية، ويتم اختيار أعلى النتائج حتى استنفاد جميع مقاعد الدائرة الانتخابية.
المادة 14: أولا: إذا فقد عضو مجلس النواب أو عضو مجلس المحافظة مقعده لأي سبب كان، يحل محله المرشح التالي له في عدد الأصوات الحاصل عليها في قائمته.
ثانيا: إذا فقد عضو مجلس النواب أو عضو مجلس المحافظة مقعده لأي سبب كان، وكان ضمن قائمة منفردة فيخصص المقعد إلى مرشح آخر حاصل على أعلى أصوات الحزب أو التنظيم السياسي الحاصل على الحد الأعلى للأصوات ولم يحصل على مقعد.
وتعني هذه القاعدة أن الحزب الكبير الأول والحزب الكبير الثاني، سوف يلتهمان مجمل المقاعد، ويبقى الفتات لكي يذهب إلى الحزب الكبير الثالث، ويخرج الصغار من المعادلة على نحو شبه كلي.
هذا الواقع يؤكد أن كل ما تقوله كتل المعارضة الناشئة لا يعدو كونه ضجيجا بلا معنى، ما لم تتحد في كتلة انتخابية واحدة.
ومن حيث الجوهر السياسي المعلن، فلا فرق كبيرا بين جماعة رفض وبين قوى التغيير الديمقراطية. وهو ما يلفت الانتباه إلى السبب الخفي الذي يبقيهما متباعدتين.
وأصدرت جماعة رفض بيانا يحدد هويتها وتطلعاتها في الخامس من يونيو الماضي، يقول إن “جماعة رفض ومن منطلق كونها مشروعا إستراتيجيا تؤكد حقها في استخدام كافة الخيارات الدستورية والشرعية في مسيرة بناء الدولة وتأسيس معادلة حكم جديدة رشيدة بعيدة عن معادلة الفشل والفساد التي فرضتها قوى السلطة والسلاح الحاكمة، لتنطلق في مشروع عراقي غير خاضع ولا تابع”.
وأضافت “ولأجل ذلك فإنها تسعى مع القوى والشخصيات المؤثرة والمستقلة إلى تنظيم الصفوف وتنسيق المواقف لتوسيع جبهة الرفض في عموم العراق ووفق اللائحة الوطنية التالية: أولا: رفض معادلة الحكم الحالية التي تشكلت وفقا للمحاصصة في قيادة وإدارة الدولة. ثانيا: رفض أي شكل من أشكال الاستتباع السياسي لإيران أو الولايات المتحدة أو غيرهما. ثالثا: رفض الجيوش الموازية للجيش الوطني وإعادة ضبط وتحديد صلاحيات المؤسسات الأمنية في الدولة وفقا للدستور والقانون. رابعا: رفض الهيئات واللجان الاقتصادية للأحزاب والجماعات السياسية التي تنهش موارد الدولة وتحول دون وصول البلد إلى حالة تنموية واستثمارية حقيقية. خامسا: رفض الفساد بكافة أشكاله (السياسي والإداري والمالي والاقتصادي والثقافي). سادسا: رفض التضييق على الحريات العامة لاسيما حرية التعبير كونها حقّا أساسيا من حقوق الأفراد والجماعات التي كفلها الدستور العراقي والمواثيق الدولية”.
وتضم قوى التغيير الديمقراطية حشدا من الأحزاب والمجموعات التي أفرزتها انتفاضة تشرين (أكتوبر) 2019 – 2020. ولكن يتوسطها حزب قديم هو الحزب الشيوعي العراقي. وتلك المجموعات هي: حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، وحزب التيار الاجتماعي، وحراك البيت الوطني، وحزب تيار الوعد العراقي، والحركة المدنية الوطنية، والتيار الديمقراطي، وحركة تشرين الديمقراطية، وتجمعات المستقلين في عدد من المحافظات، وبينهم النائب سجاد سالم.
ويقول هذا التحالف إنه “يحمل على عاتقه السعي لتحقيق مشروع التغيير الوطني الديمقراطي، لبناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، التي تتبنى الديمقراطية السياسية والمجتمعية وتقوم على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية”.
ويقول رئيس حراك البيت الوطني محيي الأنصاري “إن التحالف الجديد مظلة سياسية لتوحيد الرؤى وتنسيقها بين الأحزاب والحركات الناشئة المدنية والوطنية، لمواجهة ‘قوى الفساد والدم والمحاصصة'”.
ويرى الأمين العام للبيت الوطني حسين الغرابي أن “قوى التغيير تعمل جديا من أجل خلق بديل سياسي وتقديم برنامج متكامل لكل الملفات في العراق سياسيا واجتماعيا وأمنيا واقتصاديا، فضلا عن تمثيل المعارضة الديمقراطية ضد قوى الإسلام السياسي ومبدأ المحاصصة القائم منذ 19 عاما”.
أما سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، فيقول إن “التحالف الجديد هو بداية للانطلاق نحو تأسيس منهج وبديل سياسي يخدم العراق والعراقيين، رغم أن المنهج السياسي إلى حد الآن لم يكتمل لوجود ملاحظات وإشارات قدمها مراقبون وشركاء في التحالف، لكننا نسعى إلى إحداث تغيير عبر الشباب الجدد، وفق رؤية حديثة”.
وفي الواقع، فإن الأحزاب المهيمنة على السلطة، لا تخشى من أي من هذين التجمعين، طالما بقيا متفرقين، ولكنها سوف تقلق، بل وتعيد النظر في إستراتيجياتها الانتخابية، إذا توحدت الكتلتان في جبهة وطنية عريضة، لأنها عندئذ سوف تتقدم لتكون منافسا جديا.
والسؤال هو: ما الذي يبقي هاتين المجموعتين متفرقتين؟ وماهي تلك الأهداف التي يمكن لأي منهما بلوغها في ظل واقع التشرذم الراهن؟ وإذ تعرف كل منهما أنها تصارع قوى تملك السلاح والمال والخديعة، على جبهتي الإطار التنسيقي والتيار الصدري معا، فإنها لن تحقق شيئا أكثر من الضجيج الذي لا نفع فيه، إذا لم تجد سبيلا للظهور ككتلة وطنية موحدة. ولئن بدا المريخ بعيدا، فإن التشرذم يجعل “طويريج” نفسها بعيدة أيضا.