عراقيات ينسجن بدقة سجاد بابل تحت سقف المعاناة

المنافسة الإيرانية والتركية تُخرج النسيج التراثي من الأسواق العراقية.
الجمعة 2022/04/01
أنامل لا تكل ولا تمل

اشتهرت بلاد الرافدين بصناعة السجاد منذ آلاف السنين، لكن هذه الصناعة التي تمتاز بلمسة العراقيات الفنية تواجه اليوم العديد من العراقيل من بينها الظروف التي تحيط بالعاملات في مصنع بابل، لاسيما ضعف الأجور وغياب التغطية الصحية، إضافة إلى المنافسة التي يواجهها السجاد البابلي من المنتوجات التركية والإيرانية والمصرية في السوق.

بابل (العراق) - تحف راقية من السجاد، تلك التي تنسجها بدقة وعناية بالغة العشرات من النسوة في مصنع “سجاد الحلة” بمحافظة بابل، وسط العراق، وتمثل معالم البلاد الدينية والحضارية.

أجور هؤلاء النسوة لا تتجاوز 400 ألف دينار عراقي (نحو 250 دولارا) شهريا رغم عملهن المتعب، ولا يحظى منتجهن الذي يتفوق على السجاد المستورد بتسويق جيد. ويسوق المصنع إنتاجه من السجاد إلى "الشركة العامة للسجاد" (حكومية) في العاصمة بغداد ومن ثم إلى مراكز البيع المباشر داخل البلاد.

وتشكو إدارة المصنع من قلة الإقبال على منتجاته اليدوية بسبب ارتفاع أسعارها لكونها تحاك يدوياً، فضلا عن المشاكل الأخرى التي يعاني منها مثل انقطاع التيار الكهربائي ومنافسة السجاد المُصنّع بالآلات الحديثة الذي يتسم بأسعاره الرخيصة، وهو ما يهدد السجاد اليدوي الذي يتميز بمواصفات عالية الجودة وتعدد الألوان والتصاميم الفنية المستوحاة من تاريخ وتراث وحضارة العراق.

تأسيس مصنع السجاد في بابل يعود إلى تسعينات القرن الماضي ويحاكي تصميم المصنع تصاميم مستوحاة من حضارة وادي الرافدين

في السابق كان العمل في المصنع أكثر زخما، أما حاليا فتوجد 60 عاملة فقط يشتغلن 8 ساعات يوميا، جراء غياب الدعم المالي لاستمرار الإنتاج، فيما يحتوي المصنع على 180 من آلات "الجومة" القديمة، الخاصة بحياكة السجاد.

وقالت مديرة المصنع نعيمة عيسى (47 عاما) إن "العمل في الإنتاج بدأ يقل بسبب إحالة العاملات على التقاعد من جهة، وتفرغ أخريات لخدمة الأطفال من جهة أخرى". وبيّنت أنَّ "ضعف الإنتاج يعودُ إلى عدم وجود تعاون من قبل المؤسسات الحكومية التي تمت مخاطبها أكثر من مرَّة بهدف التنسيق لبيع منتجات المصنع وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني".

وأعربت عن أملها في "إنشاء معرض خاص بالمصنع وعرض ما ينتج بطريقة البيع المباشر، فضلا عن إنشاء معارض أخرى تكون بشكل وقتي كما في السابق، إذ إنَّ هذا سيسهم بشكل كبير في النهوض بالواقع الاقتصادي لمصنع النسيج اليدوي في بابل".

ويرجع تاريخ تأسيس مصنع السجاد في بابل (تابع إلى الشركة العامة للسجاد) إلى تسعينات القرن الماضي، حيث كانت تعمل فيه آنذاك أكثر من 600 عاملة. ويحاكي تصميم المصنع تصاميم مستوحاة من حضارة وادي الرافدين، مثل “مسلة حمورابي"، و"أسد بابل"، و"بوابة عشتار".

اليد العاملة تتناقص
اليد العاملة تتناقص

وقالت المديرة عيسى إن "معمل السجاد اليدوي في الحلة تأسس في عام 1993، وذلك لإحياء التراث من خلال تجسيد حضارة وادي الرافدين في لوحات تراثية من السجاد مثل لوحة أسد بابل والزقورة ومسلة حمورابي والملوية والحدباء وبوابة عشتار وأضرحة آل البيت".

وتقول النساجة أمل خضير (45 عاما)، رئيسة الحرفيين في المصنع، إنها تعمل فيه منذ 20 عاما، "لكن اليوم تواجه العاملات مصاعب كبيرة، أهمها الرواتب الزهيدة"، مضيفة "في الماضي كان الموظف يداوم على الحضور يوميا" بفضل توفر كل ما يحتاجه لتحسين وضعه "مع وجود سبل الاستمتاع بأجواء العمل".

وأردفت “اليوم العاملات يعانين من أمراض متعددة منها ما يتعلق بفقرات الظهر وضعف البصر وآلام الرقبة، بسبب التعب الذي يواجهنه يوميا".

وناشدت السلط المعنية أن "ترأف" بحالهن وتحسّن رواتبهن لمواكبة نسق ارتفاع الأسعار في البلاد. وتابعت "هذه الصناعة تفتقد إلى الدعم الحكومي، وعلى الرغم من وجود التسويق الحالي فإنه لا يرتقي إلى ما كان عليه في السابق".

60 عاملة فقط يشتغلن ثماني ساعات يوميا على آلات الجومة بأجرة لا تتعدى الـ250 دولارا أميركيا

من جهتها قالت العاملة جنان منعم إن رواتب العاملات في المصنع لا تكفي لسد الحاجات اليومية للعائلة، خصوصاً أن أغلبهن يعنّ عائلاتهن، ناهيك عن التهديدات بغلق المعمل أو خفض الرواتب.

أما مديرة المصنع فقالت إنه “يعاني الإهمال، وهنالك محاولات لإغلاقه، فهو يصارع من أجل البقاء". وأضافت أنه "يقدم منتجات تتفوق على الكثير من المنسوجات المستوردة" وذكرت أن العاملات يشتغلن "بمعدات قديمة لصنع السجاد من الصوف والحرير".

وأضافت أنّ "هناك خطرا يهدد هذه المهنة العريقة بسبب عدم وجود التفاتة من قبل الجهات المعنيَّة لتلبية احتياجات العاملات بتخصيص مبالغ لتعويض المخاطر، لاسيما أنَّ هناك جملة من المخاطر التي تتعرض لها العاملات".

أما أم مصطفى، العاملة في المصنع منذ 18 عاما، فقالت إن الإدارة طالبت بضم عاملات من فئة الشباب، وذلك لـ"كون المتواجدات في الوقت الحالي كبيرات في السن وهن غير قادرات على العمل عدة ساعات في اليوم". وأفادت أم مصطفى (50 عاما) بأن “هناك أجيالا تريد أن تعمل في هذا المجال، إلا أن أبواب التعيين مغلقة".

سجاد بأنامل مبدعة
سجاد بأنامل مبدعة

وأضافت أن “صنع السجادة الواحدة يستغرق 9 أشهر، وهي تنتج بحسب الحالة الصحية لمن تعمل عليها، فإن كانت متقدمة في العمر تُنجَز السجادة خلال سنة كاملة، وإن كانت العاملة صغيرة وبنيتها الجسمانية قوية تنجزها في 5 أشهر فقط".

ولفتت إلى أن "مخازن المعمل مزدحمة بالمنتج بسبب قلة التسويق والاعتماد على المستورد الجاهز، الذي يحتوي على زخارف وألوان تجذب الزبائن بصورة كبيرة".

من جانبها قالت العاملة حنان رمول "نحن نعمل ثماني ساعات يوميا في ظروف صعبة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود تبريد للقاعات باستثناء المراوح السقفية، وأجورنا متدنية وليست لنا أيضا أيّ مخصصات خطورة".

صناعة السجاد تواجه منافسة شرسة من نوعيات جيدة من السجاد الإيراني والسجاد التركي وهما بأسعار أقل وأنسب من السجاد العراقي

وفي العراق ينخفض الإنتاج في مختلف المجالات الاقتصادية، وذلك بسبب اعتماد البلاد على صادرات النفط منذ سنوات، ما أدى إلى إهمال العديد من قطاعات الإنتاج، من بينها قطاع النسيج؛ فلم يبق من مصانع السجاد سوى سبعة في كامل العراق.

ويقول خبراء الاقتصاد إن صناعة السجاد تواجه منافسة شرسة من نوعيات جيدة من السجاد الإيراني والسجاد التركي، وهما بأسعار أقل وأنسب من السجاد العراقي، لذلك يلجأ إليهما المواطنون.

وقال المواطن عبدالله الماجد "كنت أنوي شراء سجاد صوفي عراقي لكن وجدت سعره مرتفعا فاضطررت إلى شراء سجادتين تركيتيْ الصنع وبقياس أربعة أمتار طولا وثلاثة أمتار عرضا وسعرهما أقل من سعر سجادة عراقية واحدة".

وطالب الماجد الحكومة العراقية بالاهتمام بمصانع السجاد العراقي الذي يتميز بنوعيته الجيدة وعمره الطويل ومقاومته للظروف الجوية، ومنافسته للسجاد الإيراني، لكن أسعاره مرتفعة قياسا ببقية أنواع السجاد المعروض في السوق.

حرفة الأجداد بتركيز تام
حرفة الأجداد بتركيز تام 

18