"عرائس السكر" موروث تونسي يشيع الفرح

"عرائس السكر" صناعة دأب عليها سكان مدينة نابل شرقي تونس ولا يزالون متشبثين بها منذ عقود، حتى أصبحت أحد أبرز مظاهر الاحتفاء برأس السنة الهجرية. يحب الكبار والصغار "عرائس السكر" وتقدم هدية بمناسبة رأس السنة الهجرية وتوضع في مثرد (إناء فخاري) لتتزين بها الموائد.
نابل - احتفلت سائر الشعوب العربية والإسلامية الأحد بحلول عام هجري جديد تختلف عادات استقباله من بلد إلى آخر، وينفرد أهالي محافظة نابل التونسية في إحياء هذه المناسبة الدينية بعادة مميزة وهي "عرائس السكر" التي تزين المحلات والشوارع لتصبح ميزة تختص بها العائلات النابلية في هذا الموعد السنوي.
وتشهد أغلب معتمديات الجهة حركية تجارية هامة، حيث ينتشر الباعة لعرض منتجاتهم بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، بالإضافة إلى المكسرات والحلويات والفواكه الجافة، وتكون "عرائس السكر" في الغالب على شكل أسد أو ديك للذكور، في حين تختار البنات شكل عروس.
ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء التونسية عن إيمان كشطان قولها إن "عروس السكر تربطها بقصة حب كبيرة، فرغم أن عمرها تجاوز العشرين سنة، إلا أنها لم تستغن عن مثرد رأس العام"، وهو عبارة عن صحن من الفخار تتوسطه عروس السكر وتزينه الفواكه الجافة والحلوى والتمر في استقبال كل عام جديد كغيرها من البنات.
تحدثت إيمان لصحفية وكالة تونس أفريقيا للأنباء، والابتسامة مرتسمة على شفتيها عن عادة أخرى، حيث يقدم الشبان المقبلون على الزواج، ليلة رأس السنة على إهداء "مثرد رأس السنة" لزوجة المستقبل، مضيفة أن صناعة "عرائس السكر" تطورت خلال السنوات الأخيرة، حيث تتنوع الأشكال من سنة إلى أخرى بالإضافة إلى صناعة “عرائس” من الشوكولاتة.
من جهتها، تحدثت بسمة هلالي عن العادات المرتبطة بالاحتفالات بهذه المناسبة التي تدخل الفرحة والبهجة على الصغار والكبار، فتعد العائلات النابلية في هذا اليوم الكسكسي بالقديد (اللحم المجفف) الذي يوضع فيه “الزعفران” و”ماء الزهر”، ويتم تزيينه بالبيض المسلوق والحمص والفول والحلوى والفواكه الجافة والزبيب، وأضافت أن طبق “الملوخية” لا يغيب عن المائدة ويفوح من البيوت تزامنا مع الاحتفال برأس السنة الهجرية، حيث يتم إعداد هذا الطبق الذي هو عنوان للتفاؤل بعام جديد مليء بالخير.
◙ "عرائس السكر" مهنة موسمية تزدهر مع اقتراب هذا الموعد لتنتعش بها الأسواق وتزدان بها البيوت كهدية يحبها الكبار والصغار
وبالنسبة لصنع "عرائس السكر"، فقد بيّن وليد جياش، أحد الباعة، أن عملية الإعداد تتطلب توفير السكر والماء وروح الليمون، ليطبخ هذا الخليط حتى ينضج السكر ويكتسب اللون الأبيض الناصع، ثم يسكب في قوالب ذات أحجام وأشكال مختلفة، ليتم في مرحلة ثانية تزيينها بألوان مختلفة وزاهية ثم يتم في مرحلة أخيرة تغليفها بطبقة شفافة من رقائق الألمنيوم لحمايتها، فتكون جاهزة للعرض على أشكال مختلفة.
وتظل "عرائس السكر" هذه العادة التي توارثتها العائلات بولاية نابل عن الأجداد منذ عقود مضت، ميزة للجهة حتى إن البعض يعتبرها من أبرز مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية، بالإضافة إلى أنها مهنة موسمية تزدهر مع اقتراب هذا الموعد لتنتعش بها الأسواق وتزدان بها البيوت كهدية يحبها الكبار والصغار.
وتعد "عرائس السكر" من تراث مدينة نابل حيث تعود صناعتها إلى منتصف القرن الـ19 حين أخذها السكان المحليون عن الإيطاليين الذين سكنوا المدينة حينها. وتذكر كتب التّاريخ أن أكثر من 100 ألف إيطالي وصلوا إلى شواطئ تونس بعد أن انطلقوا في قوارب من سواحل بلادهم بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وجاء ذلك بعد استفحال البؤس والفقر المدقع في الجنوب الإيطالي وارتفاع البطالة، فركبوا القوارب من جزيرة بانتيليريا متّجهين جنوبا إلى تونس بحثا عن العمل والرزق وهربا من البؤس والجوع والحاجة.
ومع مرور الزمن أصبح تحضير "عرائس السكر" مهنة موسمية تزدهر مع اقتراب رأس السنة وتنتعش بها أسواق نابل وتمثل مورد رزق للكثيرين. ويمارس رفيق الكعايكي مثلا هذه المهنة منذ 40 سنة، وقد ورثها عن شخص آخر من مدينة نابل أيضا تعلمها بدوره عن إيطالي قادم من جزيرة صقلية في بدايات القرن الماضي.
ويقول الكعايكي بينما كان في معمله الخاص بصناعة "عرائس السكر"، "أجيال كثيرة توارثت هذه المهنة التي أصبحت عادة سنوية تميز محافظة نابل التونسية"، مشيرا إلى "مشاركته سابقا في عدة مهرجانات وحصوله على جوائز". ويضيف الكعايكي "يتطلب إعداد عرائس السكر 10 أطنان من مادة السكر وذلك حتى نتمكن من الاستجابة لكافة الطلبيات".