عداد المليارديرات لا يتوقف مع ازدياد الفقراء في العالم

تواجه الأهداف والجهود العالمية لإنهاء الفقر عقبات كبيرة بسبب درجة اللامساواة الاقتصادية الشديدة مع الهوة الشاسعة بين الفقراء والأثرياء، إذ ارتفع عدد المليارديرات من 2565 في 2023 إلى 2769 سنة 2024 وتوسعت ثرواتهم.
نيويورك - أطلقت الأمم المتحدة 17 مشروعا تعتبر الأكثر طموحا وأطول أمدا لتحقيق التنمية المستدامة، بهدف مساعدة الدول النامية في القضاء على الفقر المدقع ربما بحلول سنة 2030. لكن هذا الهدف البعيد لم يحرز تقدما كبيرا.
وكشف تقرير جديد من منظمة أوكسفام بعنوان “الآخذون لا الصانعون” أن المليارديرات كدسوا خلال سنة 2024 ثروات قُدّرت بـ2 تريليون دولار وأن 204 من أصحاب المليارات الجدد ظهروا في عام 2024، أي بمعدل أربعة أصحاب مليارات في الأسبوع الواحد، وفق ما ذكر ضاليف دين في تقرير لخدمة إنتر برس.
وأضاف أن معدل تراكم ثروة المليارديرات يتسارع بمقدار ثلاث مرات وتتعزز بذلك قوتهم. وأشار إلى أن الفشل في إيقاف تزايد المليارديرات سيخلق شخصيات من التريليونيرات قريبا. وجاء في التقرير “بهذه الوتيرة، لن نرى فقط تريليونيرا واحدا في عشر سنوات بل خمسة على الأقل.”
وأكدت منظمة أوكسفام أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة فقر (حوالي 3.5 مليار نسمة) لم يتغير بدرجة كبيرة منذ 1990.
وتعتبر الأمم المتحدة أن تواصل الأنماط الحالية سيشمل حوالي 7 في المئة من سكان العالم (حوالي 575 مليون شخص) وقد يجد هؤلاء أنفسهم بين براثن الفقر المدقع بحلول 2030، مع تمركز كبير لهذه الأزمة في أفريقيا جنوب الصحراء.
القضاء على الفقر سيتطلب أكثر من عشر سنوات مع تواصل معدلات النمو الحالية دون تراجع عدم المساواة
وقال نبيل أحمد، مدير العدالة الاقتصادية والعرقية في أوكسفام أميركا، لخدمة إنتر برس إن تحقيق الأهداف العالمية والجهود المبذولة لإنهاء الفقر يتدمران بسبب درجة اللامساواة الاقتصادية الشديدة.
وصرّح بأن “عالمنا، الذي يمتلك فيه 1 في المئة من السكان ثروة تتجاوز ما بحوزة أكثر من 95 في المئة مجتمعين (…)، ليس في طريقه إلى إنهاء الفقر قريبا، ولا إلى مواجهة حجم أزمة المناخ.”
وقال إن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر البالغ 6.85 دولار في اليوم قريب مما كان عليه في 1990.
ويتوقع البنك الدولي أن القضاء على الفقر سيتطلب أكثر من عشر سنوات مع تواصل معدلات النمو الحالية دون تراجع عدم المساواة.
وذكر نبيل أحمد أنه “لم يعد بالإمكان تجنب ما كان واضحا في بداية أهداف التنمية المستدامة: من واجب الحكومات، وعلينا جميعا، معالجة القوة والثروة الكبيرة التي يتمتع بها الأفراد والشركات العملاقة حتى تسنح لنا فرصة النجاح.”
وتابع “يتعين علينا اتخاذ إجراءات تشمل فرض ضرائب على الأشخاص فاحشي الثراء، والاستثمار في السلع العامة وعدم خصخصتها، وتفكيك الاحتكارات وإعادة كتابة القواعد العالمية من الديون السيادية إلى براءات الاختراع. ويؤكد البنك الدولي نفسه أن تقليصنا لعدم المساواة يمكننا من القضاء على الفقر بنسق أسرع بثلاث مرات.”
60
في المئة من ثروة المليارديرات تأتي من الميراث أو السلطة الاحتكارية أو علاقات المحسوبية
وارتفع عدد المليارديرات من 2565 في 2023 إلى 2769 سنة 2024. وتوسعت ثروتهم مجتمعة من 13 تريليون دولار إلى 15 تريليون دولار في 12 شهرا فقط. وذكرت أوكسفام أن هذه كانت ثاني أكبر زيادة سنوية في ثروة المليارديرات منذ بدء صياغة السجلات.
ونمت ثروة أغنى عشرة رجال في العالم في المتوسط بنحو 100 مليون دولار يوميا. وسيبقون مليارديرات حتى لو خسروا 99 في المئة من ثرواتهم في يوم واحد.
كما توقعت أوكسفام خلال 2024 ظهور أول تريليونير في غضون عقد. لكن تسارع تراكم ثروة المليارديرات وسع هذا التوقع إلى رؤية ما لا يقل عن خمسة تريليونيرات خلال الفترة نفسها.
ويتعزز هذا الاتجاه بالتركيز الاحتكاري للسلطة، حيث يمارس المليارديرات نفوذا متزايدا على الصناعات والرأي العام.
وقال بن فيليبس، مؤلف كتاب “كيفية محاربة اللامساواة”، إن الوعود التي قطعت في أهداف التنمية المستدامة، كالقضاء على الفقر المدقع، تبقى من الطموحات التي يمكن أن تتحقق. لكن هذا يعتمد على القادة الذين يتخذون قرار تحدي الثروة المفرطة. ويجب أن يفرضوا ضرائب على فاحشي الثراء وتنظيمهم، لزيادة الإيرادات الأساسية، وإعادة تشكيل الاقتصاد ليخدم الجميع.
وشدد على أن “الأموال موجودة، والسياسات معروفة، لضمان عدم إبقاء أي شخص في فقر مدقع. ويظهر التحليل الاقتصادي الذي كلفت به مجموعة العشرين أن ضرائب الثروة ستؤمن مليارات الدولارات لمعالجة الفقر.”
100
مليون دولار يوميا معدل نمو ثروة أغنى عشرة رجال في العالم
كما سيكون الاقتصاد أكثر عدلا وأمانا بفرض ضرائب على ثروة فاحشي الثراء، وكبح جماح سلطة الأوليغارشية. وتبرز أبحاث الرأي العام أن السيطرة على قوة فاحشي الثراء، بما في ذلك من خلال فرض ضرائب عليهم، ستلقى شعبية كبيرة بين الناخبين من مختلف الطيف السياسي.
وقال فيليبس “ليس هناك لغز حول ما يجب فعله تجاه الشرين المزدوجين المتمثلين في الفقر المدقع والثروة الفاحشة. تكمن الصعوبة في جعل القادة يطبقون المطلوب.”
ويكمن التحدي في أن تركيز الثروة الشديد خلق تركيزا شديدا للسلطة. ويتطلب فصل القادة السياسيين عن فاحشي الثراء ضغوطا شعبية تغمر ضغوط الأوليغارشية.
وأضاف فيليبس “يوجد أمل. لكنه يجب أن يكون نشطا. لن يُمنح للشعوب الاقتصاد العادل الذي يتغلب على الفقر المدقع والثروة الشخصية الفاحشة، ولكنه مكسب يمكن أن تربحه سلطة الشعب.”
وقال دانيال دي برادلو، الأستاذ والزميل الباحث الأول في مركز النهوض بالمنح الدراسية بجامعة بريتوريا، إن حملة وان الدولية غير الحزبية حددت أن إجمالي الدين الخارجي الأفريقي بلغ 685.5 مليار دولار في 2023، أي ما يعادل 25 في المئة من إجمالي ناتج القارة القومي الإجمالي، وأن إجمالي خدمة ديونها بلغ حوالي 102 مليار دولار في 2024.
وتنفق البلدان الأفريقية على خدمة الديون أكثر مما تنفقه على الصحة والتعليم. وهذا يعني أن المليارديرات في العالم البالغ عددهم حوالي 2500 يمكن أن ينفقوا أقل من نصف ثروتهم البالغة 2 تريليون دولار في 2024 لسداد إجمالي الدين الخارجي الأفريقي.
وقال برادلو “من غير المرجح أن تتمكن أفريقيا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل الوضع الراهن دون تصحيح سوء توزيع الثروة والقوة والتأثير الناتج عنها.”
وأصدرت أوكسفام دراستها الجديدة خلال الأسبوع الحالي تزامنا مع تجمع نخب رجال الأعمال في منتجع دافوس السويسري، وتنصيب الملياردير دونالد ترامب الاثنين الماضي رئيسا للولايات المتحدة، بدعم من أغنى رجل في العالم إيلون ماسك.
ويُبرز تقرير أوكسفام أن الثروة غير المستحقة والاستعمار (استخراج الثروة الوحشي والقوة الدافعة لمستويات عدم المساواة المتطرفة اليوم) يشكّلان محركين رئيسيين لتراكم ثروة المليارديرات.

وذكر التقرير أن 60 في المئة من ثروة المليارديرات تأتي الآن من الميراث أو السلطة الاحتكارية أو علاقات المحسوبية.
واستخرج أغنى 1 في المئة في دول شمال الكرة الأرضية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا 30 مليون دولار في الساعة من جنوب الكرة الأرضية عبر النظام المالي في 2023.
وتسيطر دول شمال الكرة الأرضية على 69 في المئة من الثروة العالمية، و77 في المئة من ثروة المليارديرات. وهي موطن لـ68 في المئة من المليارديرات، رغم أنها لا تضم سوى 21 في المئة من سكان العالم.
وتدعو أوكسفام الحكومات إلى التحرك بسرعة للحد من عدم المساواة وإنهاء الثروة المفرطة.
وتحدد بيانات البنك الدولي أن الحد من اللامساواة سيؤدي إلى القضاء على الفقر بنسق أسرع بثلاث مرات. ويجب أن تتحرك الحكومات كذلك لمعالجة وإنهاء العنصرية والتمييز على أساس الجنس والانقسام الذي يغذي الاستغلال الاقتصادي المتواصل.
ويجب أن تندرج السياسة الضريبية العالمية في إطار اتفاقية ضريبية جديدة للأمم المتحدة، تضمن أن يدفع أغنى الأفراد والشركات نصيبهم العادل. وينبغي القضاء على الملاذات الضريبية. وأبرز تحليل أوكسفام أن نصف المليارديرات في العالم يعيشون في بلدان لا تفرض على المستفيدين المباشرين ضريبة على الميراث. ويجب فرض ضرائب على الميراث لتفكيك الطبقة الأرستقراطية الجديدة.
ويتعين إلغاء الديون وإنهاء هيمنة الدول والشركات الغنية على الأسواق المالية وقواعد التجارة؛ أي تفكيك الاحتكارات، وإضفاء الطابع الديمقراطي على قواعد براءات الاختراع، وتنظيم الشركات لضمان دفع أجور المعيشة والحد الأقصى لأجور الرؤساء التنفيذيين.
وينبغي إعادة هيكلة سلطات التصويت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن الدولي لضمان تمثيل بلدان الجنوب العالمي بشكل عادل. ويجب أن تحاسب القوى الاستعمارية السابقة على الضرر الدائم الناتج عن حكمها الاستعماري، وتقديم اعتذارات رسمية، وتقديم تعويضات للمجتمعات المتضررة.