عبق الوردة الدمشقية لا يعبر الحدود السورية

يعمل المزارعون في قرية المراح ومناطق سورية أخرى على العناية بالوردة الشامية طيلة السنة بلطف كما يهتمون بأطفالهم منتظرين موسم القطاف لعلهم يجنون ما ينسيهم تعبهم وشقاءهم، لكن المواسم تتالى في ظل حصار جراء العقوبات الأميركية وهو ما عطّل صادراتهم لسنوات، إضافة إلى أن العوامل المناخية زادت الأمر سوءا.
دمشق ـ في كل عام يحتفل أهالي قرية المراح بالريف الشمالي لدمشق بموسم قطاف الوردة الدمشقية أو ما يطلق عليها بـ”الوردة الشامية” ضمن احتفالية تعكس اهتمام الناس بهذه الوردة وأهميتها الاقتصادية والجمالية والتي تزرع بكثافة على سفوح جبال تلك القرية التي ذاع صيتها بعد زراعة تلك الوردة.
وبالرغم من كل هذا الطقس الاحتفالي الذي يحدث في القرية، والتحديات التي تعانيها تلك الزراعة من ظروف مناخية صعبة ومعارك شهدتها المناطق التي تشتهر بزراعتها إلا أن هذه الوردة التي اشتهرت على مستوى العالم باتت مهددة بالعقوبات الأميركية التي فرضت على سوريا.
وطوالـ11 عاما من الحرب في سوريا، بذل المزارعون في قرية المراح، التي يعتقد أنها مسقط رأس تلك الوردة الدمشقية الأصلية في سفوح جبال القلمون شمال دمشق، جهودا كبيرة للحفاظ على الوردة، التي تشتهر حول العالم وتعتبر من المنتجات الوطنية لسوريا.
وفي مرحلة معينة من العامين الأولين من الأزمة التي اندلعت في سوريا في مارس 2011، تأثرت الوردة الدمشقية لأن حقول زراعة تلك الورود في قرية المرح أصبحت مناطق عسكرية للجيش لملاحقة الفصائل المسلحة التي كانت تسلل إلى دمشق عبر بلدات مجاورة ومنعها من الوصول إلى العاصمة دمشق.
ولكن بعد أن قام الجيش السوري بتأمين المنطقة في عام 2015، عاد المزارعون إلى إحياء زراعة الوردة الدمشقية، التي يعود تاريخها إلى الوقت الذي قيل إن الرومان جلبوها إلى إنجلترا من هذه المنطقة.
وتزرع شجيرة الورد الدمشقي كل عام في شهري يناير وفبراير ويكون الحصاد في شهري مايو ويونيو، ساقها تحمل أشواكا ناعمة لتحميها وأوراقها ريشية الشكل.
وبعد تحرير القلمون من سيطرة المسلحين، كان المزارعون متفائلين بإنقاذ الوردة والاستمرار في العناية بإرث آبائهم وأجدادهم، ومع ذلك، لم تكن البنادق والنيران هي العوامل الوحيدة التي أثرت على الوردة، حيث كان للعقوبات الأميركية “تأثير سلبي طويل الأمد على تلك الوردة”، التي تشتهر برائحتها الزكية الخاصة، والزيت العطري المستخرج منها إذ أن كل غرام واحد من زيتها، يباع في الولايات المتحدة بحوالي 60 دولارا أميركيا.
وقال محمد جمال عباس الستيني بالعمر، وهو مزارع قديم للوردة الدمشقية من قرية المراح الموطن الأصلي لها، لوكالة أنباء (شينخوا)، إن الطقس هذا العام كان سيئًا مع عدم هطول كميات كبيرة من الأمطار أو تساقط الثلوج في بلدتهم.
العقوبات حرمت المزارعين من تصدير الزيت والكريمات وغيرها من المنتجات المشتقة من الورد الشامي
وأشار إلى أن العقوبات الأميركية حرمت المزارعين كذلك من تصدير الزيت المستخرج والكريمات وغيرها من المنتجات المشتقة من الورد.
وحذر عباس كذلك من أن مهنة صناعة المنتجات من الورد الدمشقي يمكن أن تنقرض لأن المزارعين يعملون في الوقت الحاضر ولكن دون تسجيل أي ربح، فقط خسائر.
وقال “أنا لا أعرف إلى أين نحن ذاهبون، لقد ارتفعت تكاليف الإنتاج وتأثر إلى حد كبير بالعقوبات الأميركية، عند إجراء الحسابات في نهاية الموسم، وجدنا أننا تأثرنا بشدة بهذه العقوبات”، مبينا أن التأثير ليس ضئيلا.
وأضاف أن الناس قد يتساءلون كيف يمكن للعقوبات أن تؤثر على الوردة الدمشقية، مؤكدا أن الناس الأكثر تضررا من العقوبات لأنها حرمتهم من الوصول إلى الأسواق الخارجية أو حتى من امتلاك آلات جديدة لمساعدتهم على معالجة مختلف منتجات الورد.
وبالقرب من المزرعة التي يمتلكها الرجل هناك مكان كبير، حيث توجد بعض الآلات المؤقتة والأجهزة القديمة لعصر الوردة واستخراج الزيت والماء منها.
وقال عباس إنه لو توفرت واردات لشراء الآلات الجديدة لكان من الممكن أن يوفر عليهم الوقت والجهد ويرفع الإنتاج إلى مستويات أعلى.
وتابع يقول “لقد منعتنا العقوبات من تصدير منتجاتنا، والتجار الذين اعتادوا الشراء منا توقفوا عن ذلك خلال الأزمة، الآن نعتمد فقط على الأسواق المحلية لبيع منتجاتنا، لكن الطلب ضئيل للغاية، لذا فإننا نعاني من ضعف في التسويق”.
ومع ذلك، لم يظهر الرجل أي احتمال لمغادرة مزرعته أو وروده أو تركها، قائلاً إن الوردة ساعدته في تكوين أسرة ناجحة، ويفخر بنفسه بتعليم جميع أبنائه من عائدات الوردة على مر السنين، حيث تخرجت ابنته مؤخرا من كلية الكيمياء وبدأت في مساعدة والدها في تطوير منتجات جديدة مثل الشامبو الجديد وكريمات الوجه من الوردة.
وقال عباس، “لا يمكننا المغادرة لأن هذه النبتة تشبه أطفالنا وعلينا الاستمرار في العمل مهما حدث، وعلينا الحفاظ عليها، بالنسبة لي، أعيش من إنتاج هذه الوردة لأنه ليس لدي أي مهنة أخرى، ظللت أعتني بمزرعتي التي لم أغادرها من قبل، في الوقت الذي غادر الكثير من أصحاب المزارع المناطق عندما كانت الحرب مستعرة، لكنني لم أفعل ذلك”.
كان عباس يأمل في أن تستعيد الوردة الدمشقية ألقها ومجدها وأن ترفع العقوبات الأميركية حتى يتمكن هو والمزارعون الآخرون من الوصول إلى الأسواق الخارجية، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على زراعة الوردة وانتشار منتجاتها الطبيعية، في جميع أنحاء العالم.
ومن جانبه أكد أمين بيطار رئيس جمعية الوردة الشامية في القلمون أن العقوبات أثرت سلبا على مزارعي الوردة الشامية، لافتا إلى أنه لم يعد لديهم القدرة على تصدير منتجات الوردة إلى الأسواق الخارجية، إضافة إلى عرقلة وصول المعدات الخاصة بمعالجة الوردة.