عبدالمجيد تبون.. رئيس جديد لنظام قديم لا يتغير

الحراك الشعبي في الجزائر لم يعد يثق بالنظام السياسي في البلاد، ولا يثق برئيس أنتجته انتخابات شكك في نزاهتها وفي ظروف تنظيمها.
الأربعاء 2019/12/18
وجه قديم جديد

الجزائر - لا تحمل الانتخابات الرئاسية الأخيرة كثيرا من التفاؤل بإمكانية إحداث التغيير المتوخى الذي يطالب به الحراك الشعبي منذ فبراير الماضي.

فعلى الرغم من أن السلطة في البلاد استطاعت فرض إجراء هذه الانتخابات في 12 ديسمبر الجاري ضاربة عرض الحائط بالرفض الشامل للشارع الجزائري، إلا أن وصول عبد المجيد تبون إلى سدة الرئاسة يضيف فصلا جديدا على واجهات الصدام بين الحراك الشعبي وهذا الرئيس بالذات.

فتبون هو واحد من رجالات النظام، وعمل داخل منظومة حكم بوتفليقة، وعين رئيسا للوزراء لفترة قصيرة، ثم أبعد عن منصبه بسبب اصطدامه مع مافيات رجال الأعمال المحظيين لدى حكم بوتفليقة. ولتبون نجل يحاكم في قضية تهريب كوكايين ما برحت تحرج تبون المرشح وستحرج تبون الرئيس.

وعلى الرغم من أن تبون أطلق وعودا هي أقرب إلى السياسة الشعبوية المعمول بها هذه الأيام في بلدان عديدة في العالم، وعلى الرغم من حديثه عن عهد جديد وفتح صفحة جديدة عمادها الحوار مع الحراك الشعبي، إلا أن هذا الحراك لم يعد يثق بالنظام السياسي في البلاد، ولا يثق طبعا برئيس أنتجته انتخابات رفض الحراك إجراءها وشكك في نزاهتها وفي ظروف تنظيمها. ثم أن هذا الرئيس فاز في انتخابات شارك فيها أقل من 40 بالمئة من الكتلة الناخبة في البلاد، ما يطرح أسئلة لدى هذا الحراك حول شرعية تبون ومدى امتلاكه استقلالية عن المؤسسة العسكرية التي تشرف على الحكم في البلاد منذ الاستقلال عام 1962.

ويرى مراقبون أن استمرار القمع ضد الحراك، لا سيما ذلك الذي وصف بالوحشي ضد المتظاهرين في وهران غداة الانتخابات، يعطي رسالة واضحة للشعب كما للرئيس الجديد بالتمسك بالاستبداد كمنهج ثابت لفرض السلطة، وأن حديث تبون عن حوار وعهد جديد قد لا يعدو كونه للاستهلاك داخل أسواق لم تعد تستسيغ تلك البضاعة.

وفي حين استمر الحراك في المطالبة باستقالة حكومة نور الدين بدوي التي تم تشكيلها إثر التغيير الذي أطاح بعبدالعزيز بوتفليقة، كما رفض إشراف هذه الحكومة بالذات على الانتخابات الرئاسية (كان بدوي في السابق وزيرا للداخلية أشرف على انتخابات سابقة وصفت بالمزورة)، فإن الرأي العام الجزائري سيراقب باهتمام الحكومة الأولى في عهد تبون والتدقيق في قدرة الرئيس الجديد على التخلص من براثن النظام السياسية ومؤسسته العسكرية أو أخذ مسافة تمنحه هامشا رحبا من المناورة داخل المنظومة السياسية المعقدة في الجزائر.

وقد استنتج مراقبون في الشكر الذي وجهه تبون إلى قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح، علامة من علامات خضوع الرئيس الجديد لسلطة العسكر. وتوقع هؤلاء إعادة تعيين قايد صالح نائبا لوزير الدفاع وربما وزيرا أصيلا للدفاع.

وفيما يعتبر البعض أن وجود الرجل العسكري القوي هو حماية للتغيير الذي حصل في البلاد والذي أدى إلى استقالة عبدالعزيز بوتفليقة واعتقال شقيقه وعدد من رموز السياسة والمال والأمن في البلاد، يرى آخرون أن الترتيبات التي تتخذ داخل الصف الحاكم لا تعترف بتغير البلاد وتبدل مزاج الجزائريين على نحو تاريخي غير مسبوق منذ اندلاع حراكهم قبل 10 أشهر.

ويقر خبراء في شؤون الجزائر أن إسقاط الرؤوس الكبرى في البلاد، لا سيما داخل أجهزة المخابرات ودوائر السياسة وقطاع المال والأعمال، تم بسبب قرار اتخذته المؤسسة العسكرية بقيادة قايد صالح، وأن الأمر عد انقلابا داخليا مفاجئا فاجأ دوائر كان يعتبر المس بها من المحرمات.

غير أن هؤلاء يعتبرون أيضاً أن تحرك الجنرال قايد صالح استمد شرعيته وأعذاره من قوة وعزم الحراك الشعبي الذي داهم بقوة كافة المدن الجزائرية، وبالتالي فإن للحراك الحق الكامل في المطالبة بمزيد من الإصلاحات للوصول إلى دولة ديمقراطية عادلة لا فساد داخلها.

وتعتبر منابر الحراك أن لا شيء تغير في الجزائر، وأن النظام السياسي عمل على إنتاج واجهة جديدة له أمام العالم بديلة عن واجهة بوتفليقة التي حكمت البلاد لعقدين.

ولا يثق الحراك بوعود الحوار التي أطلقها تبون بعد انتخابه. وتتساءل بعض منابر الحراك عن آلية هذا الحوار وعما إذا كان يشبه تلك التجربة، حين عينت السلطات هيئة لهذا الحوار برئاسة كريم يونس لم تصل إلى أي نتيجة طالما أن تلك المحاولات كانت صورية غير جدية لا تعير أي اهتمام لصوت الشارع الهادر.

الحراك يرفض التغيير الشكلي في الجزائر
الحراك يرفض التغيير الشكلي في الجزائر

وترى أوساط معارضة أن الأمر متعلق بدينامية الرئيس الجديد. فإذا كان ممثلاً للمؤسسة العسكرية بلباس مدني، فإن مضمون الحوار لن يختلف عن التجارب السابقة التي اقترحها رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، بصفته أيضا واجهة العسكر في المرحلة السابقة على الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وتقول مصادر الحراك إن أي حوار جدي يفترض توفير أجواء تبيح الحريات وتحرم ممارسة ضغوط الترهيب، لا سيما من خلال إخلاء سبيل كافة المعتقلين السياسيين في البلاد. وتضيف المصادر أن على تبون والنظام السياسي أن يضعوا في الحسبان أن الحوار يجب أن يؤدي في النهاية إلى إيجاد آليات تنفيذية للانتقال بالجزائر إلى دولة القانون وتجاوز نمط الحكم الذي ساد البلاد منذ سبعة عقود.

وفيما حاول النظام السياسي اللعب على وتر الانقسام الداخلي من خلال حملة اعتقالات طالت ناشطين أمازيغ بسبب رفعهم أعلاما أمازيغية أثناء التظاهرات، بدا أن النظام القضائي الجزائري أظهر تمرداً على هذا السلوك من خلال تدخله لإطلاق هؤلاء وإسقاط التهم عنهم.

وقد بدا أن ندرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر في المناطق الأمازيغية، تعكس تبرما من قبل الأمازيغ من سلوكيات النظام الذي ما زال لا يريد الاعتراف لهم بتميزهم وهويتهم داخل الفضاء الهوياتي في الجزائر. وكان جديرا بالذكر أن الحراك الشعبي في البلاد لم يتأثر من بروباغندا النظام في هذا الشأن لإظهار انقسام داخل الشارع الجزائري، بل على العكس أظهر الحراك دائما تضامنا مع كافة مكوناته مهما اختلفت لغاتها وأعراقها وجهاتها.

على هذا يرى متخصصون في شؤون الجزائر أن وصول تبون إلى سدة الرئاسة ليس حدثا كبيرا، بل تفصيلا، داخل السياق الذي دخلت به البلاد منذ 22 فبراير الماضي.

ويضيف هؤلاء أن النظام فرض ورقة الانتخابات الرئاسية دون أي تحضير لأوراق أخرى، ما قد يجعله مكشوفا عاجزاً، حتى من خلال الرئيس الجديد عن اجتراح حلول خلاقة لأزمة البلاد.

ويخلص هؤلاء إلى أن الحكم يحتاج إلى إحداث صدمات إيجابية كبرى، وأن هذا الحكم لن يكون مجبراً على إجراء أي إصلاح حقيقي، إلا من خلال استمرار ضغط الشارع وهذا الحراك.