عبدالله الغذامي: الفلسفة لن تموت ولكنها تحتاج إلى أن تتطور

الغذامي يواصل الغوص في الفلسفة والمنطق على غرار كتبه الصادرة خلال فترة جائحة كورونا وهذه المرة عبر كتابه الجديد "مآلات الفلسفة.. من الفلسفة إلى النظرية".
الثلاثاء 2021/10/26
أسئلة راهنة في مواجهة الفلسفة

الرياض – ناقش لقاء الشهر الثقافي بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، كتاب “مآلات الفلسفة.. من الفلسفة إلى النظرية” للناقد السعودي عبدالله الغذامي، الذي يقف على أهمية الفلسفة اليوم ورهاناتها.

وأكد الغذامي خلال اللقاء الذي أقيم مؤخرا في قاعة الخدمات والاطلاع بفرع المكتبة بطريق خريص وأداره الأكاديمي عبدالمحسن العقيلي، أن نسبة العلماء الذين يرون أن الإرادة الحرة هي حتمية بيولوجية في تصاعد كبير، متحدثاً عن فلسفة العقل الذي شغل الفلاسفة الأوائل بدءاً من أفلاطون وفلاسفة الإغريق.

وينطلق الغذامي في الكتاب من فكرة تحول الفلسفة إلى نظرية؛ ويلخص ذلك بالقول، كما جاء على الغلاف الخلفي للكتاب، “رأى بعض الفيزيائيين الكبار دانييل دانيت منكبًا على كتب الفلسفة،

فتعجبوا من فيلسوف معاصر لم يزل يعتمد على الفلاسفة القدامى، ولم يجد دانيت من دفاع غير أن قال: إننا نقرأ للكبار كي نتجنب أخطاءهم، ولو لم نفعل لكررنا الأخطاء ذاتها. هذه هي أطروحة هذا الكتاب عن حال الفلسفة ومآلاتها التي تقتضي صيغة عصرية تؤسس لحيوية جديدة تقيم للفلسفة قيمة معرفية تتفق مع روح العصر”.

حال الفلسفة ومآلاتها يقتضيان صيغة عصرية تؤسس لحيوية جديدة تقيم للفلسفة قيمة معرفية تتفق مع روح العصر

وتناقش فصول الكتاب رؤية جديدة في استمرارية الفلسفة التي لن تموت -كما يرى الغذامي- ولكنها تحتاج إلى التطوير.

يواصل الغذامي الغوص في الفلسفة والمنطق على غرار كتبه الصادرة خلال فترة جائحة كورونا وهذه المرة عبر كتابه الجديد “مآلات الفلسفة.. من الفلسفة إلى النظرية” الذي قسمه إلى خمسة فصول حملت عناوين: الفلسفة اليوم، الفلسفة والأسئلة الكبرى، المفاهيم الكبرى، الفلسفة والحكمة، مآلات الفلسفة.. النظرية أو موت الفلسفة.

بداية يناقش المؤلف “حال الفلسفة اليوم” إذ يبشر بأن الفلسفة لها موطئ قدم في الحاضر وينتصر لها ليس فقط من خصومها كستيفن هوكينج الذي أقر موتها، بل حتى من بعض المحسوبين عليها خاصة باشلار ورورتي، وإن اختلف دورها وتعريفها وحجم تأثيرها، فالفلسفة برأيه لم تعد أم العلوم بل صارت علما معينا للعلوم يردفها بالبعد الإنساني ويركز على التفكير الناقد، وهو ما يتطلب تبسيط الفلسفة وتوضيحها للفرد والمجتمع، بل وينبغي أن تخرج الفلسفة من جلباب دولة هيغل العميقة أي عصرنة الفلسفة.

ويركز الغذامي على مسألة “الفلسفة والأسئلة الكبرى” كاشفا من خلالها علة مزمنة عند بعض الفلاسفة وهي الهروب من نقاش الأسئلة الكبرى أو تجاوز القضايا الفكرية الشائكة والتركيز على تفاصيلها أو بعض تفاصيلها، خاصة الأسئلة الوجودية، وهي ممارسة مماثلة لعرابي العلوم البحتة المعاصرين.

وفي الفصل الثالث بعنوان”المفاهيم الكبرى” ينتقل الغذامي إلى محور علاقة الفلسفة بالمفاهيم الكبرى كالمواطنة العالمية، ويرى أن الفلسفة عاجزة عن فرض قيم المواطنة العالمية خاصة التعددية والعدالة والمساواة والديمقراطية والحرية في ظل تغول العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية والليبرالية الجديدة والرأسمالية والشعبوية والعنصرية العرقية والجندرية والدكتاتورية.

كاتب يقدم نظرة مختلفة إلى العالم

وتحت عنوان “الفلسفة و الحكمة” يستحضر الناقد سيرة سقراط والغزالي ويعري الفلاسفة فهم ليسوا حكماء بل أنصاف أموات لن يصلوا إلى الحكمة إلا بالانعتاق من حاجات الجسد وتلبية حاجات الروح من خلال التأمل الصوفي، وهو أمر مستحيل في الدنيا متحقق في الآخرة، ولأن العقل محدود فإن سقراط تجول بين الفلاسفة والشعراء والساسة وأهل المهن والغزالي حاور الفلاسفة وعلماء الكلام والباطنية والظاهرية والمتصوفة ومارس النقد التحليلي لمقولاتهم وآرائهم وحذر من خطورة التقليد الأعمى.

وينتهي الغذامي في الفصل الأخير من كتابه “مآلات الفلسفة.. النظرية أو موت الفلسفة” إلى أن الفلسفة لن تموت ولكنها تحتاج إلى أن تتطور لتواكب العصر وتكرس قيم الحرية والعدالة والمساواة والتعددية الثقافية، وهي أركان التفاوضية الثقافية على حد وصف الغذامي، ومن أبرز ملامحها التفكير الناقد الذي يصل في أعلى مراتبه إلى نقد الخطاب الذاتي.

ويحسب للكاتب حسن اختيار الأمثلة والانتقال المنطقي وحسن التنظيم والبناء المحكم للكتاب والموضوعية والتجرد والوضوح في المعاني والبساطة في العبارات في موضوع معقد عادة حتى بالنسبة إلى النخبة.

وللناقد الدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بجامعة الملك سعود في الرياض، مؤلفات متعددة تسهم في قراءة الأنساق الثقافية العربية؛ حيث يقدم نظرة مختلفة إلى العالم، وإلى الشرق بشكل خاص، ترى الحداثة مرتبطة بالمكان وشروطه، وليست ضرورة حتمية، وهو ما يؤكده في كتابه الجديد الذي يدعو إلى تجاوز الانسياق الأعمى خلف الفلاسفة دون تفكير ينطلق من الواقع المحيط والأخذ بعين الاعتبار التغيرات الزمنية والظروف.

ومع كتابه هذا لا يبدو الغذامي مثقفا ناقدا سعوديا فقط، إذا ما نظرنا إلى حجم واتساع الهمّ الفكري والنقدي الذي يتصدى له، ولذلك ينتظر من منتقديه ألا يضيقوا على أطروحاته ويقزموها لتكون على قياس السوق الثقافية المحلية، والربط الذي يجريه على الدوام مع النطاقات الأوسع.

ويذكر أن البرنامج الثقافي لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة يأتي ليستشرف أحدث الرؤى الثقافية والمعرفية التي تعبر عن قيم اللحظة الثقافية الراهنة، كما تسعى المكتبة لقراءة الواقع الثقافي بمختلف أسئلته وطروحاته وبشموليته المحلية والعربية والعالمية التي تعبر عن تعددية الثقافة وتكامل العقل الإنساني فكراً وبحثاً ومعرفة.

14