عبدالباسط زخنيني: كل ما يحتاجه الكاتب هو ثقافة الاعتراف

الروائي المغربي يؤكد أنه لا وجود لصراع أجيال في الثقافة والأدب والإبداع.
الأربعاء 2020/03/18
ليست هناك جوائز كبيرة وأخرى صغيرة

فاز الروائي المغربي عبدالباسط زخنيني بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح عن رواية “الغراب”، بينما جاءت بالمركز الثاني الليبية غالية يونس الذرعاني برواية “قوارير خاوية”، وحل ثالثا المغربي السعيد الخيز عن رواية “ابن الصلصال”. “العرب” التقت زخنيني في حديث حول الرواية والثقافة في المغرب.

كتب أحد النقاد أن الكاتب الروائي عبدالباسط زخنيني وهو يرسم مآلات شخصياته بالاستناد إلى انفعالاتها السلوكية إنما يقودها إلى مصير التورط، على اعتبار أن الاستجابة للانفعال الغاضب الناتج عن الألم ما هو إلى اندفاع سيكولوجي غير محسوب العواقب.

فهل هذا الدمج ينسحب على كل أعمال زخنيني الروائية حتى تلك الفائزة بجوائز مهمة، أم أن التجربة والتخمر والتلذذ بانسيابية مسارات الشخصيات والأحداث ستجعل من سرده ينمو ويترعرع ويشب عن طوق التوصيفات الأكاديمية المعروفة؟ سؤال كبير جزّأناه إلى أسئلة صغيرة علنا نحظى بالكشف عن عوالم زخنيني وكيف شكلها وحفر لشخصياته مساراتها ومآلاتها.

الجائزة والاعتراف

نسأل زخنيني عن شعوره وهو يتوج بجائزة الطيب صالح عن رواية “الغراب”، مقارنة بجوائز أخرى آخرها العام الماضي عن روايته “الأبيض والأسود”، بتونس، وكيف عاش التجربة، فيجيبنا “بأن تفوز بجائزة تحمل اسم قامة أدبية عظيمة مثل الطيب صالح لا يمكنك إلا أن تسعد بذلك. ولكن بالمقابل لا يمكنني أن أنكر فضل باقي الجوائز ولا الأثر العظيم الذي خلفته في نفسي، فجائزة توفيق بكار مثلا في تونس، كانت تحمل هي الأخرى اسم رجل أدب كبير وسيشعر المرء حتما بالفخر وهو يتسلم جائزة سميت على اسمه”.

اعلاء قيم التسامح
اعلاء قيم التسامح

وهيمن كتّاب المغرب العربي على فروع جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي في السودان في دورتها العاشرة التي اختتمت أعمالها مؤخرا، وقبل أن يعطينا تفسيره، يقول زخنيني “في حديث عابر تطرقنا أنا وبعض الأصدقاء لنفس الموضوع وكان جواب أحد المتدخلين ربما هو الحظ، ولكني أعتقد شخصيا أنه الاجتهاد، البحث، القراءة المستمرة، مواكبة الحداثة، فالعمل الجاد لا بد أن يثمر عن نتائج كهذه”.

ونبقى دائما مع الجوائز لنقول إن هناك من يرى أنها خلقت لهفة جديدة لدى كل من يكتب الرواية والقصة، في المقابل نوه الكثير بجوائز مثل البوكر، وكتارا، والشيخ زايد، والعويس، والملك فيصل، ومؤسسة الفكر العربي، وغيرها، حيث أنها تلعب دورا في تكريم القامات العالية، وتحفيز إبداع الشباب.

نسأل الروائي المغربي عبدالباسط زخنيني، عن موقفه كشاب مغربي يعتمد على إمكانياته الأدبية للتفوق والانتشار، هل الجوائز الأدبية تمثل حافزا للكاتب، فيقول “بالنسبة إلي ليست هناك جوائز كبيرة وجوائز صغيرة، ومن يقول ذلك فما هي معاييره لتحديد حجم هذه الجائزة أو تلك”.

ويوضح أن جوهر الجائزة ككل هو الاعتراف، فأنت تضع نصك بين يدي محكمين يتشكلون عادة من كتاب أو أكاديميين كبار لينوهوا في الأخير بجودة هذا النص أو ذاك، فثقافة الاعتراف والتقدير هي كل ما يحتاجه الكاتب، ثم تأتي بعدها طبعا مسألة الانتشار التي لا شك في أن الجوائز تساهم فيها بشكل كبير، وذلك في ظل تكريس الساحات الأدبية المحلية لأسماء على حساب أسماء أخرى.

الرواية والثقافة المغربية

كل مبدع له بداية الصعقة الأولى بتيار السرد الروائي، لهذا أردنا من عبدالباسط زخنيني أن يحدثنا عن خصوصيات أول عمل روائي وظروف ولادته، فيعترف بأنه دخل حقل السرد متأخرا جدا، منذ حوالي 13 سنة، المثير في الأمر أن تكوينه كان بالفرنسية في حين اختار أن يكتب بالعربية، موردا أنه بدأ أولا بالشعر، لكنها لم تكن محاولات جادة، كما يقول، لذا انتقل بعدها إلى الرواية، وكان عمله الأول رديئا جدا أحرقه فور انتهائه منه.

ويضيف “الانطلاقة الحقيقية لي كروائي كانت مع ‘روح شردتها الرياح‘ والتي في العام 2007 حصلت على جائزة القناة الثانية وتم نشرها تحت عنوان جائزة M2 الأولى للإبداع الأدبي، حيث نالت الرواية استحسانا جماهيريا واسعا، ومع الوقت طوّرت وسائل اشتغالي كثيرا وأصبح تعاملي مع بنية النص ومضمونه يتسم بحرفية كبيرة”.

لقد ساهم تراكم أعمال عبدالباسط زخنيني، في تطوير أدوات اشتغاله على مستويات الصياغة والتركيب النفسي الوجداني والاجتماعي للشخصيات، فمن رواية “الأبيض والأسود” التي تعالج تقابل الخير والشر إلى “الغراب” الرواية الفائزة بجائزة الطيب صالح، نتساءل هل هناك دلالة معينة للعنوان إذا افترضنا أن العمل بمثابة سردية واقعية.

يجيبنا الروائي المغربي “العنوان كان دائما يشكل لي شيئا في غاية الصعوبة أو الحرج، هناك روايات غيرت عناوينها مرتين أو ثلاثا قبل أن أرسو على العنوان النهائي، وأورد أنه لا شك أن العنوان يشكل أهم مدخل للرواية فهو يجب أن يعطي فكرة عما ستدور حوله الرواية كما أنه يتوجب عليه أن يفتح شهية المتصفح للإقبال على الكتاب”.

أما شخوص الرواية وكيفية صناعة بيئتها وموضوعها، يجد زخنيني أن طبيعة الموضوع المعالج تفرض نوعا معينا من الشخوص، يتم تطعيمها بشخوص أخرى لتتناسب مع حبكة الرواية وتشعب أحداثها وفق نسق منسجم يخدم الأفكار التي تريد أن تطرحها الرواية.

عالجت رواية “سقوط اﻷوراق الميتة” موضوع الإرهاب، الانتقال من مستوى العنف والإرهاب في الرواية الأولى إلى قيمة التسامح الذي عبرت عنها رواية “القمر الأخير”، دفعنا لسؤال عبدالباسط زخنيني، حول مدى وعيه بالانتصار روائيا لكونية الإنسان، فيرد “أنا أتحدث عن الإنسان في مجمله دون نظر إلى جنسه، عرقه، لونه، معتقده أو أي توجه من توجهاته، لذلك أتناول مواضيع كونية كالحب، التسامح، الصداقة، الحقد، العنف وغيرها”.

ويستطرد زخنيني  “كما أنه في بعض رواياتي لا تكاد تجد مؤشرا مكانيا بحيث أن كل من يقرأ هذا العمل أيا كانت البقعة التي ينتمي إليها من هذه الأرض سيعتقد أنه هو المعني بكل هذا، أكثر من ذلك فـ‘الأبيض والأسود‘ التي تتطرق لصراع الخير والشر ليست لشخصياتها مسميات، بل مجرد صفات كالطبيب، المهندس، العجوز، الشقراء، المراهن”.

وكشف الروائي لـ”العرب”، أنه أنهى أخيرا رواية عنونها بـ”القديس والحكاية” قد تحتاج إلى تنقيحات بسيطة لكنها جاهزة في مجملها.

توجد تقييمات قاتمة للمشهد الثقافي المغربي في وقت تشهد فيه بعض الآراء أن الوضع ليس بتلك القتامة رغم وجود اختلالات في وظيفة الثقافة والمثقف ودورهما في المجتمع. وأردنا رصد رأي الروائي عبدالباسط زخنيني، بخصوص المشهد الثقافي المغربي سواء من ناحية المنتج ومحتواه وكذلك من جانب المقروئية، وهل هناك إرهاصات لقدوم عصر الرواية المغربية، وهو المفتون بحب الرواية والقريب من المجمعات الثقافية. ويعترف أنه لا يقرأ كثيرا المنتوج المغربي، “أفضل أن أطلع على أدب العالم ككل، أقرأ أدب أميركا اللاتينية، وأقرأ كذلك لليابانيين وللأسكندنافيين، للأميركان، للأوروبيين عموما”.

الجوائز تساهم في الانتشار في شكل كبير في ظل تكريس الساحات الأدبية المحلية لأسماء على حساب أسماء أخرى

ويضيف “أحب الاطلاع على ثقافة الآخرين والمواضيع التي تشغلهم، أما من ناحية المقروئية فلا شك أن إقبال المغربي على القراءة أصبح واضحا، هناك حركية وإقبال خاصة من الشباب على القراءة، وهذا شيء مبشر جدا. ومع ذلك فنسبة القراءة ما زالت ضئيلة نأمل أن ترتفع أكثر”.

وعن التجاذات بين الأجيال واختلاف الأذواق والتصورات والأفكار والأطاريح، يقول زخنيني “أنا مؤمن بتعايش الأجيال والتجارب والتصورات الفنية والأسلوبية، وإن صح صراع الأجيال في كل المجالات لا يصح في مجال الثقافة والأدب والإبداع والخلق، وإن كانت الرواية المغربية الشابة أكثر ميلا للتجريب والتجديد، لكن يبدو هذا أمرا طبيعيا مع العولمة وانفتاح الروائي الشاب المغربي على تجارب أدبية متنوعة من بلدان مختلفة”.

هناك من يقول إن البيئة الديموغرافية والجغرافية ساهمت في تشكيل أفق الروائيين المغاربة خصوصا أولائك القادمين من الشرق، هذا التوصيف لا يكاد ينطبق على خصوصيات الكتابة الروائية لدى عبدالباسط زخنيني، القادم من مدينة بركان شرق المغرب، فيقول إنه في حالتي لا تكاد تجد أثرا للبيئة الديموغرافية ولا الجغرافية في أعمالي، العمل الوحيد الذي تضمن شيئا من هذه المعالم هو رواية “الغراب”.

في ذات الإطار يرى أحد الباحثين، أن الرواية المغربية في المنطقة الشرقية شهدت انتعاشا كبيرا منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية العقد الأول من هذا القرن وذلك على الصعيد الكمي والنوعي، ليعلق عبدالباسط زخنينبي على هذه الإحصائية الأدبية، قائلا طبعا كما يقولون فالإنسان ابن بيئته وهذا ينسحب على الكاتب أيضا، لكني أفضل في أعمالي أن أتطرق لقضايا ومفاهيم كونية فكما قلت أنا أكتب عن الإنسان، أخاطب الإنسان.

14