عالم الأزياء وصناعة الملابس يريد التأقلم مع المتطلبات البيئية

من يمول التحول النظيف: العلامات الكبرى أم صانعو النسيج.
السبت 2023/12/09
مصدر تلوث من الإنتاج إلى الإتلاف

يعد قطاع صناعة النسيج من أكبر القطاعات الملوثة للبيئة. وبينما يسعى هذا القطاع للتأقلم من متطلبات البيئة إلا أن الطموحات تبدو كبيرة في ظل عدم حصول اتفاق بين صناع النسيج والعلامات التجارية الكبرى بشأن من يمول التحول النظيف.

دكا - مع تواصل محادثات المناخ في دبي، يعمل عالم الأزياء وصناعة الملابس على تحديد حلول تمكّنه بسرعة من الوفاء بتعهده الطموح بخفض مستويات التلوث التي يسببها. ووعدت العلامات التجارية الكبرى بتخفيضات كبيرة في بصمتها الكربونية لكن التصنيع هو الذي يسبّب معظم الأضرار البيئية، ويجب على أحد الأطراف أن يتحمل فاتورة التغيير الجذري.

وقال فيدهورا رالاباناوي، نائب الرئيس التنفيذي لشركة الأزياء إبيك غروب، إن "حجم تحدي إزالة الكربون يقزم الأموال المتاحة". وكانت شركة إبيك التي يقع مقرها في هونغ كونغ وتصنع الملابس في بنغلاديش والأردن وإثيوبيا، رائدة في الجهود العالمية لتنظيف بصمة صناعة الأزياء البيئية. ويُذكر أن قيمة الصناعة تبلغ تريليوني دولار.

وقال رالاباناوي "نحن نعمل مع المنظمات المحلية والعالمية لدفع الصناعة إلى الأمام، بينما نحاول الجمع بين العلامات التجارية والتجار والمصنعين والمطاحن ومقدمي الخدمات". وأكّد أن مفتاح التقدم يكمن في الشراكة الإيجابية بين العلامات التجارية والمصنعين. وأضاف “يتحمل المصنّعون الاستثمارات والمخاطر التي تجعلهم في حاجة إلى الدعم عبر الشراكة طويلة الأجل وشروط العمل الحساسة للتسعير”.

وتعتبر الموضة واحدة من أكثر الصناعات المضرة بالكوكب، حيث تنتج من 2 إلى 8 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، وتمتص المياه الشحيحة وتتسبب في كميات هائلة من التلوث والنفايات. وحددت الصناعة في 2018 هدف خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030 والوصول إلى صافي الصفر بحلول 2050. لكن التقدم يبدو بطيئا.

وينتج قطاع الأزياء شهريا في بريطانيا وحدها نفس البصمة الكربونية التي تنتجها 900 رحلة جوية حول العالم، وفقا لمنظمة أوكسفام الخيرية. وحددت أن رحلة بالسيارة لمسافة 35 ميلا تسبب نفس الضرر البيئي الذي يحدثه صنع قميص قطني واحد.

الدفع مقابل الطموحات

◙ الشهية العالمية للأزياء السريعة تتزايد
◙ الشهية العالمية للأزياء السريعة تتزايد 

وتزداد الإحصائيات سوءا مع تزايد الشهية العالمية للأزياء السريعة، حيث يطارد المزيد من المستهلكين أحدث اتجاهات الموضة. وتعلم الصناعة أيضا أن عليها أن تمتثل لتشريعات الاتحاد الأوروبي اعتبارا من العام المقبل. وتجبر القواعد الشركات على الإبلاغ عن الانبعاثات في سلاسل التوريد التي تعتمدها ومعالجتها، حيث يتحمل التصنيع حوالي 80 في المئة من جميع الانبعاثات في قطاع الملابس.

ومع تعهّد العلامات التجارية العالمية للأزياء بخفض الانبعاثات والطاقة نحو هدف صافي الصفر بحلول 2050، يطالب مصنعو المنسوجات والملابس بأن تتقاسم العلامات التجارية العبء المالي الذي يتطلّبه الاستثمار في التكنولوجيا والعمليات المنخفضة الكربون. وأصدرت مؤسسة ترانسفورمرز البحثية بنيويورك خلال الشهر الماضي تقريرا يحث على المزيد من العمل الجماعي لتحقيق التحول المناخي.

◙ رحلة بالسيارة لمسافة 35 ميلا تسبب نفس الضرر البيئي الذي يحدثه صنع قميص قطني واحد
◙ رحلة بالسيارة لمسافة 35 ميلا تسبب نفس الضرر البيئي الذي يحدثه صنع قميص قطني واحد

وقالت كيم فان دير ويرد، وهي مديرة الاستخبارات في مؤسسة ترانسفورمرز، إن قطاع الملابس نادرا ما يسأل عن "الذي سيدفع" ثمن التحول الكبير، مفترضا أن المزوّدين الذين يجب أن تتغير منشآتهم هم الذين سيدفعون الفاتورة. وأضافت في حديثها لمؤسسة تومسون رويترز إن "هذا الأمر غير عملي وغير عادل"، نظرا لأن أموال المزوّدين تبقى أقل بكثير من العلامات التجارية الكبرى.

وقال الخبراء إن حل مسألة الدافع الشائكة الرئيسية يمكن أن يساعد في كسر الجمود، مما يجعل المزودين مسؤولين عن التغييرات التي يجب إجراؤها وضمان أن تستثمر العلامات التجارية كما يجب في هذا الإصلاح الشامل. ويريد صانعو المنسوجات رؤية مجموعة من خيارات التمويل تطرحها العلامات التجارية التي يغذونها لتمويل خط إنتاج جديد أنظف.

وقال محيي الدين روبل، وهو مدير جمعية مصنعي ومصدري الملابس البنغلاديشية، إن ماركات الأزياء يمكنها دعم المزودين بالمنح والقروض منخفضة الفائدة والاستثمارات المباشرة. ويرى أن ذلك سيساعدهم على التحول نحو الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الموفرة للطاقة، وسيمكّنهم من تجنّب تسريح العمال. وأصبحت بعض المبادرات قيد التنفيذ بالفعل.

وعمل معهد أباريل إمباكت، وهو مركز أبحاث أميركي يشجع الاستثمارات المستدامة، على تشكيل صندوق مناخ الموضة خلال العام الماضي، وجمع 250 مليون دولار بهدف إطلاق ملياري دولار من التمويل وخفض 150 مليون طن من الكربون الناتج عن الموضة على مدى العقود الثلاثة المقبلة.

وقال كيرت كيبكا، وهو كبير مسؤولي التأثير في المعهد، إن الصندوق يمكن أن يساعد في تسريع التخفيضات لأن القطاع أصبح جاهزا لفرص الإصلاح السريع. وتعدّ استعادة الحرارة من المياه المستخدمة في الإنتاج أو تحسين كفاءة العملية من بين المكاسب السهلة والسريعة المقترحة.

وقال صانعو الملابس إن جعل التمويل المناخي متاحا وسهل المنال وبأسعار معقولة للمزودين يعدّ ضروريا لمستقبل منخفض الكربون في القطاع. لكن المبالغ المطلوبة كبيرة. وذكر تقرير المعهد أن على الصناعة أن تسجّل أكثر من تريليون دولار من الاستثمارات إذا أرادت تحقيق صافي صفر كربون بحلول 2050.

أهمية الحلول المتناسبة

◙ صناعة تواجه عقبة التمويل
◙ صناعة تواجه أزمة تمويل  

تواجه الصناعة عقبة كبيرة أخرى غير النقص في التمويل بينما تحاول إزالة الكربون بسرعة. ويقوّضها التنوع الهائل في الأولويات والمشاكل التي يواجهها مزودوها المتعددون. ويجد المزودون في بنغلاديش ذات الكثافة السكانية العالية صعوبة في توليد ما يكفي من الطاقة الشمسية، حيث تتوسع معظم مباني المصانع عموديا وليس أفقيا، مما يحد من مساحة الأسطح، حسبما أكّده صانعو الملابس خلال مؤتمر المناخ الذي عقد في دكا في أكتوبر.

ولا تستطيع المصانع في باكستان إبرام صفقات مع أطراف ثالثة توفّر الطاقة المتجددة لمساعدتها على خفض الانبعاثات. ويجب عليها بدلا من ذلك إجراء التخفيضات داخل الشركة، حسب تقرير مؤسسة ترانسفورمرز البحثية. وبعبارة أخرى، لن يناسب حل واحد الجميع. وقالت فان دير ويرد “سنفشل إذا كان نهجنا يكمن في تحقيق هدف اتفاقية باريس وتقسيمه بالتساوي بين الشركات دون أخذ الإمكانية العملية في الاعتبار".

وقال فيدهورا رالاباناوي إن احتياجات الشركات العملاقة ليست نفس احتياجات المزودين الصغار الذين يجب أن يسددوا القروض الكبيرة. وتتضخّم الحاجة إلى مزيج من الأدوات المالية لتلبية ما يحتاجه الطرفان. وقال كيرت كيبكا إن مساعدة المزودين على تخفيف بصمتهم الكربونية تتطلب مرونة من الممولين. وأكّد ضرورة التحرك حسب الاحتياجات المختلفة للمنشآت والمرافق الرائدة التي تتخذ أولى خطواتها في رحلة إزالة التلوّث.

16