عالم أعمال نسائي كامل بعيد عن أعين طالبان

أفغانيات يتحدين القيود ويواصلن العمل رغم تراجع المداخيل.
الأحد 2023/08/20
لا مجال للتوقف

تتحدى العديد من النساء الأفغانيات خاصة اللواتي يفتقدن إلى من يعيلهن وأسرهن القيود التي تفرضها حركة طالبان الإسلامية، التي منعت عمل المرأة منذ وصولها إلى السلطة قبل سنتين، وأنشأن مشاريعهن الخاصة بعيدا عن أعين السلطة.

لندن - افتتحت سيدة الأعمال الأفغانية ليلى حيدري مركزا سريا للحرف اليدوية بعد خمسة أشهر على تحطيم أنصار طالبان لمطعمها، حيث تكسب النساء دخلا ضئيلا من خياطة الفساتين وصنع الحلي من أغلفة الرصاص الذائبة. وتندرج ورشتها ضمن مجموعة من الأعمال السرية التي تديرها النساء منذ أن فقدن وظائفهن بعد أن استولت طالبان على السلطة في 2021. وتتراوح مشاريعهن من الصالات الرياضية إلى صالونات التجميل ومدارس الفتيات.

وقالت حيدري "افتتحت هذا المركز لتوفير فرص عمل للنساء اللاتي يحتجنه. إنّه لا يشكّل حلا دائما، لكنه سيساعدهن على الأقل على وضع الطعام على موائدهن". ومنعت إدارة طالبان، التي احتفلت بمرور عامين على استيلائها على السلطة في الخامس عشر من أغسطس، النساء من شغل معظم الوظائف، ومنعت الفتيات من التعليم الثانوي والعالي، وفرضت قيودا صارمة على حريتهن في التنقل.

لكن الآلاف من النساء يواصلن إدارة المشاريع الصغيرة من منازلهن، وهو أمر يسمح به المسؤولون على نطاق واسع، بينما تشرف أخريات مثل حيدري على المزيد من الأعمال السرية. وكانت حيدري، البالغة من العمر 44 عاما، تمتلك مطعما يعج بالزبائن في كابول. وكان معروفا بأمسياته الموسيقية والشعرية وكان يحظى بشعبية بين المثقفين والكتّاب والصحافيين والأجانب. وكانت تتبرع بالأرباح إلى مركز لإعادة التأهيل من المخدرات أنشأته في مكان قريب.

ودمّر مسلحون وسكان محليون مركز إعادة التأهيل وطردوا مرضاه كما دمروا مطعمها ونهبوا الأثاث بعد أيام قليلة على سيطرة طالبان على البلاد، على حد قول حيدري. ويتجسّد مشروع الحرف اليدوية الذي أسسته في مدرسة تحت الأرض توفر دروسا في الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية لـ200 فتاة. وتتابع بعض النساء الدروس حضوريا بينما تدرس أخريات عبر الإنترنت.

وقالت “لا أريد أن تنسى الفتيات الأفغانيات ما تعلمنه وأن نشهد جيلا جديدا من الأميين في غضون سنوات قليلة”. وكانت موجة الأمية السابقة نتيجة لحرمان النساء والفتيات من التعليم خلال حكم طالبان الأخير من 1996 إلى 2001. ويجمع المركز، الذي يصنع أيضا ملابس الرجال والسجاد وأدوات الديكور المنزلي، حوالي 50 امرأة يكسبن 58 دولارا في الشهر. وقالت "إذا حاولت طالبان إيقافي، فسأخبرهم أن عليهم أن يدفعوا لي وأن يدفعوا أجور هؤلاء النساء. وإلا فكيف سنأكل؟".

مسألة المحرم

 

وتصعب قواعد طالبان بشأن المحرم على النساء شراء المواد الخام، ومقابلة أشخاص لمواصلة الأعمال التجارية
◙ قواعد طالبان بشأن المحرم تحرم على النساء شراء المواد الخام ومقابلة أشخاص لمواصلة الأعمال التجارية

تعاكس عودة طالبان إلى السلطة بسرعة عقدين من الجهود المدعومة دوليا لتعزيز الفرص الاقتصادية للمرأة التي شهدت ضخ المانحين عدة مليارات من الدولارات في برامج التمكين. وكانت معظم الأعمال التي أنشأتها النساء قبل 2021 تنشط في مجال صناعات منزلية غير رسمية مثل المخابز، لكنها حققت نجاحا متزايدا في القطاعات الرجالية التقليدية مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات الإعلامية والصادرات ووكالات السفر وحتى البناء.

وكانت أخريات، مثل حيدري، يدرن المقاهي والمطاعم، وهو ما يعتبر أيضا مجالا للرجال في أفغانستان، نظرا للمحرمات المرتبطة بتفاعل الإناث مع الذكور خارج المنزل. وتواصل أعداد قليلة من الأفغانيات إدارة مشاريع كبيرة من الخارج في قطاعات تشمل التعدين واللوجستيات والاستيراد والتصدير. لكن كثيرات أغلقن أعمالهن وسط الأزمة الاقتصادية الحادة في أفغانستان. وسرّع استيلاء طالبان على السلطة الانهيار بعد أن قطعت الحكومات الأجنبية التمويل وجمدت أصول البنوك في البلاد.

نُبذت النساء من معظم مجالات الحياة العامة، لكن طالبان لم تمنعهن من إدارة الأعمال التجارية
◙ قواعد طالبان تفرض تغيير طبيعة الشغل 

وأثرت الأزمة على جميع الشركات بشدة، لكن الصعوبات التي تواجه النساء تفاقمت بسبب القيود التي تفرضها طالبان على حركتهن بما في ذلك حظر السفر دون محرم. واعتادت الخياطة وجيهة سيخوات، البالغة من العمر 25 عاما، على سبيل المثال السفر إلى باكستان وإيران لشراء أقمشة لمشروع الخياطة الذي تديره في مدينة هرات الغربية، حيث تصمم أزياء للعملاء مستوحاة من منشورات المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي.

وانخفض دخلها بالفعل بسبب الأزمة الاقتصادية، ولا تستطيع تحمل تكاليف سفر المحرم معها. وعندما أرسلت أحد أفراد أسرتها إلى باكستان، اشترى أقمشة خاطئة. وانخفض دخل سيخوات الشهري من حوالي 600 دولار إلى 200 دولار أو أقل. وتراجع الطلب على فساتين الحفلات والأزياء بعد أن فقدت معظم النساء وظائفهن.

وتصعب قواعد طالبان بشأن المحرم على النساء شراء المواد الخام، ومقابلة أشخاص لمواصلة الأعمال التجارية أو بيع سلعهن. كما تصعب القيود وصول الزبونات إليهن. وقالت سيخوات “كنت أخوض رحلات عمل منتظمة إلى الخارج بنفسي، لكن لا يمكنني الآن حتى الخروج لتناول القهوة. إنه شعور خانق. أذهب إلى غرفتي في بعض الأيام وأصرخ”.

وتعدّ القيود التي تفرضها طالبان صعبة بشكل خاص على أرامل البلاد اللاتي يقدر عددهن بنحو مليونين، وكذلك النساء غير المتزوجات والمطلقات. وكانت بعضهن المعيلات الوحيدات لأسرهن، وليس للكثيرات منهن أي محرم. واعتمدت صدف بعد وفاة زوجها في 2015 على الدخل الذي تجنيه من صالون التجميل المزدحم في كابول لإعالة أطفالها الخمسة. وقدّمت خدمات تصفيف الشعر، والماكياج، والعناية بالأظافر وتجميل الأعراس لزبونات شملن العاملات في الحكومة ومقدمات البرامج التلفزيونية.

مشاريع صغيرة

◙ معظم الأعمال التي أنشأتها النساء قبل 2021 تنشط في مجال صناعات منزلية غير رسمية
◙ معظم الأعمال التي أنشأتها النساء قبل 2021 تنشط في مجال صناعات منزلية غير رسمية

وقررت صدف، البالغة من العمر 43 عاما، والتي طلبت استخدام اسم مستعار، إدارة أعمالها من المنزل بعد أن طلبت منها طالبان إغلاق صالونها. لكن معظم الزبونات فقدن وظائفهن وتوقف جلهن عن طلب خدماتها. وانخفض دخلها الشهري من حوالي 600 دولار إلى 200 دولار. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي، في أعقاب سيطرة طالبان على السلطة، بصور صالونات التجميل حيث طُليت وجوه النساء. لكن القواعد تباينت بين المناطق والعديد من المشاريع التي سُمح لها بمواصلة العمل على عكس صدف.

لكن السلطات أمرت الشهر الماضي بإغلاق جميع الصالونات، قائلة إنها تقدم خدمات تتعارض مع قيمها الإسلامية. ومن المحتمل أن تفقد أكثر من 60 ألف امرأة وظائفهن، وفقا لتقديرات الصناعة. وتخشى صدف أن تبدأ طالبان أيضا في استهداف نساء مثلها يعملن من منازلهن.

◙ وكالات الإغاثة تقول إنها روّجت للفوائد الاقتصادية المتأتية من السماح للمرأة بالعمل عند التفاوض مع سلطات طالبان

نُبذت النساء من معظم مجالات الحياة العامة، لكن طالبان لم تمنعهن من إدارة الأعمال التجارية، وتواصل بعض منظمات الإغاثة الإشراف على مشاريع التوظيف. وتدير منظمة كير الخيرية العالمية برنامجا كبيرا انطلق قبل تولي طالبان السلطة. وقالت ميليسا كورنيه، وهي مستشارة منظمة كير أفغانستان، “يوجد طلب كبير، فلا يريد أحد أن يعتمد على المساعدات الإنسانية. وتعدّ النساء في أمس الحاجة إلى الحصول على أي مصدر للقوت". لكن وكالات الإغاثة اضطرت إلى تكييف برامجها.

وأضافت كورنيه “كان علينا إعادة التركيز بشكل أكبر على تدريب النساء على الحرف التي يمكنهن القيام بها من المنزل كالخياطة أو التطريز أو صنع المواد الغذائية مثل البسكويت والمربى والمخللات وما إلى ذلك. وكانت بعض النساء يردن إنشاء متاجر صغيرة، لكن ذلك سيكون صعبا اليوم".

وعلى الرغم من أن مداخيل هذه المشاريع عادة ما تكون أقل من 100 دولار في الشهر، إلا أن كورنيه قالت إن هذا قد يغير حياة الأسر في وقت تنتشر فيه البطالة ويعيش خلاله 85 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وقالت وكالات الإغاثة إنها روّجت للفوائد الاقتصادية المتأتية من السماح للمرأة بالعمل عند التفاوض مع سلطات طالبان. وتابعت كورنيه “نقول لهم إنه إذا أنشأنا وظائف فهذا يعني أن هؤلاء النساء يمكنهن إطعام أسرهن، وهذا يعني أنهن يدفعن الضرائب. إننا نحاول اتباع نهج عملي وعادة ما يكون ناجحا للغاية، حيث إن طالبان حريصة جدا على الجانب الاقتصادي”.

15