ظاهرة انتشار الكتاب السيئ

ينتشر الكتاب السيئ بطريقة واضحة في العراق حتى ليكاد يطغى على ما سواه. وللكتاب السيئ أنصار ومريدون وقرّاء ومطابع ودور نشر وحفلات توقيع وإعلام وفضائيات وموزعون في أنحاء البلاد. وهذا أصبح من حقيقة الأمور في الوسط الثقافي وأصبحت بعض الأسماء الجديدة من النساء والرجال ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها، وصار الكتاب السيئ بضاعة الناشرين وكنزهم على حساب كتب أخرى فيها من الجودة والفن والجمال ما يجب أن نفخر به ونشيعه وننوّه عنه ونكتب فيه ونتداوله ونُحرّض على شرائه واقتنائه.
ما هو الكتاب السيئ؟ ما هي مواصفاته؟ ولماذا ينتشر بطريقة غريبة ويُعاد طبعه عدداً من المرات في أقل من سنة؟ هل هو رواية؟ هل هو مجموعة قصصية؟ هل هو شعر؟
الكتاب السيئ كما هو متعارف عليه هو الكتاب الذي يخلو من مواصفاته الفنية والجمالية ويفتقد إلى القيمة الإبداعية ولا يقدّم منظوراً جديداً في جنسه أو وجهة نظر راقية أو خروجاً عن السائد من الكتابات بشكله أو مضمونه أو أفكاره بما يعزز من القيمة الجمالية والإنسانية بشكل عام في المجتمعات. بمعنى أن الكتاب السيئ في العادة يكون كتاباً لا معنى له سوى حشو سطور وورق سواء أكان رواية أم قصة أم شعراً. ومن الطبيعي أن يكون تلفيقاً اتخذ نوعاً من الجنس الأدبي إشارة مرور لقرّاء معينين يستهويهم بعد عمليات “تخدير” مبرمجة تساهم فيها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات والكثير من الإخوانيات المنتشرة في الحياة العامة لدوافع بعضها شخصي والآخر اجتماعي وغيره يشكل نوعاً من “الاقتحام” العصبي الشاذ لكسر صورة الثابت من الإبداع المتفق عليها في التلقي الأدبي العام والتطاول عليه، ما دامت بعض دور النشر “تسترزق” من هذه الكتب وترى فيها “إقبالا” واسعاً من قرّاء لهم محدودية التقييم أو لم يقرأوا سابقاً أو اِنصاعوا إلى دعوات مشبوهة وغير معروفة، ثبت أن كثيراً من هؤلاء الكتّاب الجدد وراء هذا “التصعيد” والدعوات الغامضة وإشاعة الإقبال غير الموجود أساساً.
ناشرون جدّيون يرون أنّ موجة النشر المسعورة عبارة عن فقاعات هوائية تخدع الشباب وطلبة الجامعات في كتب غزل وخواطر وإنشاء لا تُطبع منها سوى أعداد قليلة بطريقة “الريزو” التي تتحدد فيها الكميات الطباعية كأن تكون 100 نسخة فقط غير أن المضاربات تبلغ أوجّها عندما تنفتح أبواب الفيسبوك والتويتر وغيرهما من هذه المواقع لتشيع بأن 1000 نسخة قد نفدت خلال أقل من أسبوع عن هذه الرواية أو تلك الخواطر الرومانسية. عندها يكون المؤلف، أو المؤلفة، قد اتفق مع المطبعة بـ”طبعة ثانية” ستكون ممهورة على الغلاف وبالأجر ذاته. وهذا التلفيق هو السائد الآن على حساب الجماليات الأدبية الأخرى في القصيدة والرواية والقصة القصيرة.
هذا الكتاب السيئ عادة هو رواية تكتبها شابة جديدة يجيّش لها الأصدقاء حملة إلكترونية مسبقة. أو هو مجموعة خواطر تُنشر أولاً على صفحات الفيسبوك ثم تُجمع في كتاب وتنشر بالطريقة ذاتها، وقيل إن إحداهنّ كانت تكتب خواطر غرام بسيطة على دفتر مدرسي فعثرت عليه بعد سنوات من التخرج، فأقنعها أحد الناشرين بطبعه وتعهّد بالترويج له، وقد وصل الآن إلى الطبعة الرابعة في ظرف بضعة أشهر؛ وهكذا ينزوي إلى حد ما الكتاب الجيد أمام هذه الموجة الضارية التي تحاول أن تستولي على أسواق التوزيع، يساهم بها تجار المكتبات الذين يجدون أرباحهم في هذا الغزو السيئ للحياة الثقافية.
مع نشاط الثقافة العراقية الصاعد في مختلف الأجناس لا سيما الرواية التي أكدت حضورها العربي بشكل جيد.. إلا أننا نعيش عصر الكتاب السيئ بصراحة في مفارقة مؤلمة من نوعها.