ظاهرة الإرهاب وثنائية الضحية والجلاد: لا أحد يجرؤ على إدانة نفسه

السبت 2016/07/23
مواجهة غير متكافئة

يعدّ “نقد الذات” وطرح سؤال من قبيل “لماذا يكرهوننا؟” من قبل جميع أطراف الأزمة خطوة جوهرية في تفكيك ودحض عقيدة “صراع الثقافات” التي تنطلق منها وتتغذى عليها السرديات الأصولية.

لكن الذي يحصل بعد كل حادث إرهابي هو تبادل الاتهامات بين الشرق والغرب، فبينما تشير أصابع اتهام غربية إلى مسؤولية الإسلام عن الإرهاب، يؤكد عرب ومسلمون أن السياسات الغربية في التعاطي مع شؤون الشرق الأوسط أو المسلمين في الغرب هي المسؤولة عن تخليق التطرف وتوليد الأحقاد والضغائن وتنشيط الإرهاب.

والحال أن لا أحد يجرؤ على إدانة ذاته سياسيا أو ثقافيا. وليس مطلوبا الانتقال من تبرئة الذات إلى جَلدها، فهذا المسلك أيضا لن يوصلنا إلى مآل ذي قيمة على صعيد التصدي لطوفان الكراهية والتوحّش والتطهير الأيديولوجي الذي يجتاح العالم.

المطلوب عقلنة الخطاب وجعله أكثر موضوعية وإنسانية عبر تكثيف الجرعة الأخلاقية والتضامنية في منطق شجب واستنكار العمليات الإرهابية الموجّهة ضد الآخر الغربي، فالإدانة المؤدلجة أو المشروطة سياسيا تتسم بالخواء والتهافت السياسي إلى جانب ما فيها من هشاشة أخلاقية وعوار قيمي؛ إذ تأتي بنتائج عكسية وتتسبب في المزيد من الضرر للدول والمجتمعات وللأمن العالمي.

ويعتقد الأكاديمي العراقي ياسين سعد البكري أن الإدانة الدولية للإرهاب غير المقترنة بمساءلة المواقف والمسؤوليات السياسية للحكومات الغربية هي إدانة فارغة وستقود إلى استمرار الإرهاب.

ويقول البكري، في مداخلة له على فيسبوك تعليقا على اعتداء مدينة نيس الفرنسية، إن الأعمال الإرهابية مدانة بكل مقياس وفي كل مكان؛ غير أن مجرّد الإدانة لن يمنع عمليات أخرى يسقط فيها أبرياء جدد، مضيفا أن العمليات الإرهابية في فرنسا وأميركا وتركيا تطرح التساؤلات حول مسؤولية تلك الدول عن تنامي ظاهرة الإرهاب، وعن مسؤوليتها في مكافحته.

ويرى البكري، وهو أستاذ علم السياسة بجامعة النهرين في بغداد، أن المجتمع الدولي ليس جادا في التصدي لخطر الإرهاب وليست لديه الرغبة الحقيقية لإنهائه رغم امتلاكه القدرة على ذلك.

بريطانيون: خطة مواجهة الإرهاب تزيد الوضع سوءا
لندن- حذرت مجموعة من نواب البرلمان البريطاني من أحزاب متعددة من أن سياسة الحكومة البريطانية بشأن مكافحة التطرف الاسلامي "ربما تأتي بنتائج عكسية" بل ويمكن أن تنفر شرائح من المجتمع.

وقالت النائبة عن حزب العمال هاريت هارمان الرئيس المشترك للجنة إن "أهم شيء في الحرب ضد الإرهاب هو العلاقة بين السلطات والطوائف المسلمة في هذا البلد". وأضافت هارمان في بيان "يجب أن نتصدى لأي تقويض في العلاقة بين السلطات والطوائف الاسلامية، والذي سيجعل الحرب ضد الارهاب أكثر صعوبة".

وجاء التحذير في تقرير من اللجنة المشتركة البرلمانية حول حقوق الانسان، قال أيضا إن مقترحات الحكومة "تكمن في الافتراض بأن هناك مصعدا يبدأ بالانتماء إلى التيار المحافظ الديني وينتهي بدعم الحركات الجهادية العنيفة وبالتالي فإن هذا العنف يتم التعامل معه بشكل أفضل من خلال تضييق الخناق أو وضع قيود على التيار المحافظ الديني".

وأضاف "لكن ليس هناك ما يثبت بأي حال من الأحوال أن التيار المحافظ الديني في حد ذاته يرتبط بدعم الحركات الجهادية العنيفة". ويتعين أن يكون الهدف هو التعامل مع التطرف الذي يؤدي إلى العنف وليس قمع آراء ترفضها الحكومة".

ويعترض البكري على خطاب الاختزال والتبسيط في تناول الإرهاب، موجّها الانتقاد للأصوات التي تتحدث عن “إسلامية الإرهاب”. كما بيّن البكري أن المعالجة الأمنية وحدها لن تنفع في تفكيك الإرهاب، ولا بدّ من تحديد المسؤوليات الدولية بدقة، وأن يتحمّل كل طرف مسؤوليته ويقوم بدوره في معالجة الظاهرة.

وتتفق الأكاديمية العراقية بسمة خليل الأوقاتي مع ياسين البكري في القول بإمكانية المواءمة الأخلاقية بين إدانة الأعمال الإرهابية التي تقع في الغرب، وبين تأشير حجم مسؤولية الحكومات الغربية عن الظاهرة.

وتوضح الأوقاتي، في حديثها لـ”العرب”، أن “إدانتنا للأعمال الإرهابية الموجهة ضد المدنيين الأبرياء في الغرب، هي نفس الإدانة لأعمل العنف الموجهة ضد أيّ مدني بريء في أي زمان أو مكان في العالم، مثلما هي إدانة للأعمال الإرهابية في المنطقة العربية”. وتؤكد أن الإدانة الشاملة للإرهاب هي تنديد بممارسات كل من يتورط فيه من الجماعات أو الحكومات.

وتدعو أستاذة العلاقات الدولية بجامعة بغداد إلى تحرّي الدقة والموضوعية في توزيع المسؤوليات، مشيرة إلى أن “تحميلنا الدول الغربية المسؤولية باعتبارها داعمة للفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، ينبغي أن يقتصر على مجموعة صناع القرار والساسة في الحكومات الغربية، وأن لا يشمل المجتمعات والمواطنين المدنيين في تلك الدول، والذين يعترض قسم كبير منهم على السياسات التي تتبناها حكوماتهم تجاه منطقتنا”. وتشدد الأوقاتي على أن المسؤولية السياسية والأخلاقية عن القرارات والسياسات تقع على عاتق الإدارات السياسية لا الشعوب.

إن الإدانة الدولية للإرهاب ضرورية في بناء اصطفاف عالمي مضاد له، لكنها لا تغني عن “مراجعة الذات” وتحمّل مسؤولية الأخطاء الواقعة ومسؤولية تصحيحها، وهذا المفهوم يفترض أن ينطبق على جميع المعنيين بالقضية، مسلمين وغربيين؛ فالإدانة الأخلاقية الصريحة للجريمة الإرهابية دون قيد أو شرط ينبغي أن تنجدل عربيا وإسلاميا مع إدانة الفكر الديني المتطرف وتياراته التي تتكلم باسمنا، بما يعزز مصداقية خطابنا.

وفي الوقت نفسه ينبغي أن يدين خطاب الغرب السياسات الخاطئة التي تنتهجها حكوماته فتؤدي إلى تفريخ التطرف والإرهاب، وأن تكون الخطوة الأولى في مواجهة الإرهاب غربيا هي مراجعة الاتجاهات والسياسات التي أنشأت في المجتمعات الغربية “القابلية” لإنتاج إرهابيين وجعلتها هدفا للإرهاب، وهذا يشمل ما تقوم به الحكومات من أفعال وما تتقاعس عن القيام به. ولا يمكن مواجهة الأصولية بالأصولية، ولن تنجح مكافحة الإرهاب الخشن الدموي لداعش بالإرهاب السياسي الناعم لليمين المتطرف في الغرب.

7