طمأنة الحلفاء العرب مفتاح فريق بايدن لردع إيران

الإدارة الأميركية مطالبة بإجراءات عملية لبناء الثقة مع دول المنطقة وتقليل الصراع السياسي.
الجمعة 2021/01/29
تضييق الخناق على إيران يبدأ من برنامجها النووي

تشكل أي محاولة من طرف الرئيس الأميركي جو بايدن لإعادة النظر في الإجراءات التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب في الشرق الأوسط تحديّا جديا بالنسبة إلى إدارته. فالمنطقة مليئة بالقضايا الاستراتيجية بدءا بالاتفاق النووي المثير للجدل ودور طهران العدائي تجاه جيرانها، مرورا بمآلات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في أعقاب “اتفاقيات أبراهام”، وصولا إلى ملفات سوريا والعراق واليمن. ومن المؤكد بحسب معظم المحللين أن دول المنطقة لا تريد أي مفاجآت من فريق بايدن المطالب ببعث رسائل طمأنة مفادها أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة لن تزيد من تعقيد تلك الأزمات على حساب أمنها.

واشنطن - عندما فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2008 كان الشرق الأوسط يغمره الأمل من أن الوضع سيتجه إلى الهدوء، لكن بعد 12 عاما، ومع دخول جو بايدن البيت الأبيض، لا يكاد يكون هناك أي توقع بأنه سيعكس تماما نهج سلفه السابق دونالد ترامب تجاه المنطقة المليئة بالمشاكل.

ويواجه بايدن مجموعة من القضايا الملحة، وتبدو القضية التي ستأخذ الحيز الأكبر من المناقشات هي كيفية تعامل إدارته مع إيران ودورها في المنطقة، كما أن السياسة التي ستتبعها في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بعد الوساطة التي قامت بها إدارة ترامب من أجل عقد “اتفاقيات أبراهام”، ستكون تحت دائرة المجهر.

ويحيط الرئيس الأميركي نفسه بشخصيات سياسية لطالما تعاطت مع أزمات الشرق الأوسط خلال فترة حكم أوباما، ولديها فكرة شاملة حول الأوضاع، وهي تعود اليوم بتوجهات جديدة لإعادة النظر في القضايا القديمة، وقد عمل معظم هؤلاء بشكل وثيق في وزارة الخارجية والبيت الأبيض ولديهم علاقات وثيقة مع بايدن تعود إلى سنوات خلت.

لكن التحدي الأكبر أمام “فريق الأحلام”، بحسب بلال صعب، زميل أول ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط، يتمثل في إشارات التطمين التي يمكن أن يبعث بها هذا الفريق إلى الدول العربية في المنطقة قبل الحديث عن إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والذي بمعالجته يمكن السعي إلى تسوية باقي القضايا ذات الصلة.

فريق بايدن الدبلوماسي

بلال صعب: المنطقة في أمسّ الحاجة لعقد حوار أمني موسّع مع واشنطن
بلال صعب: المنطقة في أمسّ الحاجة لعقد حوار أمني موسّع مع واشنطن

معظم الفريق القيادي للسياسية الخارجية، الذي عيّنه بايدن، وفي مقدمتهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومساعدته ويندي شيرمان، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ومنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، لديهم رؤية مستفيضة عن أزمات الشرق الأوسط، فبايدن يهدف من خياراته إلى التشديد على القطيعة مع الماضي بهدف العودة خط تعددي حازم.

ويعتبر التركيز على إعادة التواصل مع الحلفاء التقليديين على رأس نقاط الحديث للفريق الجديد، وقد شدد بلينكن، الذي عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ثم نائبا لوزير الخارجية الأسبق جون كيري خلال فترة ولاية أوباما على أنه من المهمّ التواصل مع حلفاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج لحل القضايا التي تتمحور أساسا حول التهديدات الإيرانية.

ولا شك أن مساعدة بلينكن، وهي دبلوماسية مخضرمة، وكانت قد شغلت منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية في إدارة أوباما ستعطي دفعا جديدا للاتفاق النووي، وفق بعض المراقبين، خاصة وأنها قادت الفريق الأميركي المفاوض في 2015 بشأن الاتفاق النووي الإيراني.

كما أن سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة بادين، لا يقل ثقلا بين بقية الفريق الدبلوماسي لبادين، فقد كانت المحطة الأهم في مسيرته السياسية والدبلوماسية عمله في عهد أوباما كمستشار كبير للمحادثات التي أدت في النهاية إلى ظهور الاتفاق النووي.

أما ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش المتطرف، والذي استقال احتجاجا على قرار ترامب في أواخر 2018 سحب القوات الأميركية من سوريا، فقد عمل مستشارا خاصا بالمجلس الأمن القومي وكبير مستشاري سفير الولايات المتحدة إلى العراق في عهد أوباما، ويتسلّح بسنوات من الدبلوماسية النشطة في المنطقة.

ورأى محللون في تعيين ماكغورك منسقا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الإدارة الأميركية الجديدة، رسالة من بايدن عن كون سياساته ستأتي مختلفة ولكن مع أسماء لها خبرة في قضايا المنطقة خاصة وأنه قاد مفاوضات سرّية مع إيران بين أكتوبر 2014 ويناير 2016، أدت إلى الإفراج عن أربعة أميركيين من سجن إيفين في طهران.

وبالتوازي مع الملف الإيراني تأخذ قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي حيّزا مهما لدى إدارة بايدن، فقد أكد المبعوث الأميركي للأمم المتحدة ريتشارد ميلز في وقت سابق هذا الأسبوع أن واشنطن ستعيد بناء العلاقات مع قيادة السلطة الفلسطينية إثر تعهد إدارة بايدن بالعودة إلى وضعية تقليدية أكثر لصالح حل الدولتين لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

إعادة الثقة في الحلفاء

----
أنتوني بلينكن وزير الخارجية
  • عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة كلينتون ثم نائبا لوزير الخارجية الأسبق جون كيري

----
جاك سوليفان مستشار الأمن القومي

  • المحطة الأهم في مسيرته عمله مع أوباما كمستشار للمحادثات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني

----
ويندي شيرمان نائب وزير الخارجية

  • تولت قيادة الفريق الأميركي المفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني والقوى الكبرى الأخرى

----
بريت ماكغورك منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  • مبعوث سابق للتحالف الدولي لقتال داعش ونائب لمساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران

سيحظى فريق بايدن وكذلك القادة العرب بالعديد من الفرص للتشاور حول التهديد الإيراني ككل. ويقول صعب إنه خلال هذه المحدثات من المؤكد أنه سيتم فتح ملف هجومات إيران على منشآت في السعودية وكيفية منع حدوث هجوم آخر مماثل، وسيظل الصدق من كلا الطرفين حول مدى التزام كليهما تجاه الآخر أمرا حتميا؟

ولكن إذا كان الاتجاه هو العمل معا والسعي إلى إيجاد أرضية مشتركة وتعزيز الشراكة، فلن تكون مجموعات العمل التي تشكلت عقب قمتي كامب ديفيد والرياض ونتائجها، كافية.

وكان للاتفاقية النووية مع إيران، والتي أبرمتها إدارة أوباما في 2015 مؤيدوها ومعارضوها في الأوساط الأميركية، ولكن اتفق الجميع على أن حلفاء واشنطن، وهم دول الخليج وإسرائيل، لم يرحبوا بهذه الاتفاقية لسبب وجيه، ذلك لأن الاتفاقية فشلت في معالجة قضايا الأمن الإقليمي الخاصة بهم، والتي تجاوزت قدرات إيران للتخصيب النووي.

ولم يعتقد مستشارو أوباما حينها أنه كان من الممكن الوصول إلى عقد اتفاق تفاهم، لأنهم شعروا بالقلق من أنه بمجرد أن يبدأوا بفتح ملف ترسانة صواريخ إيران وشبكة وكلائها الإقليميين، سينسحب الإيرانيون من الاتفاقية. ويبدو أن حدسهم كان صحيحا نوعا ما.

وبمجرد عقد الصفقة، حاول أوباما أن يقلل من الخسائر التي من الممكن أن تلحق بالشركاء العرب من خلال عقده لقمتين معهم، الأولى في كامب ديفيد في 2015 والثانية في الرياض في 2016 لمناقشة سبل تعزيز علاقاتهم الدفاعية والأمنية مع الولايات المتحدة. وتم إحراز بعض التقدم في مكافحة الإرهاب، والدفاع ضد الصواريخ الباليستية، والأمن السيبراني، والأمن البحري.

لكن في عهد ترامب بات سلوك إيران مستفزا أكثر، فقد هاجمت منشآت نفطية سعودية في العام 2019، وهذا الوضع غيّر مسار الأمور لأنه دمّر ثقة الدول العربية ككل في الولايات المتحدة كشريك أمني يمكن الاعتماد عليه كما تسبب هذا الهجوم في تدمير عقيدة “كارتر”، التي بموجبها يتم وقف أو الرد الفوري على مثل هذا الهجوم.

ومن المرجح أن تقترح إدارة بايدن أفكارها الخاصة بها بشأن كيفية تجديد المفاوضات والعمليات ذات الصلة، ربما من خلال إجراء بعض التعديلات على الصيغة القديمة للاتفاقية النووية، كما يمكن أن تسعى إلى اتباع نهج أوسع من خلال عقد حوار أمني إقليمي، بالتوازي مع مفاوضات الاتفاقية الإيرانية، فمثل هذا الحوار سيضع معايير جديدة للسلوك، وسينشئ جسور بناء الثقة، وسيقلل من الاحتدام السياسي.

وبما أن المنطقة هي الوحيدة في العالم التي لا تمتلك عملية شاملة متعددة الأطراف لدعم الاستقرار، وبالنظر إلى مشاكلها التي لا يبدو أن هناك نهاية لها، فهي إذن في أمسّ الحاجة إلى عقد مثل هذا الحوار.

ولكنّ أيا من هذه الأفكار لن تعمل بشكل جيد إذا لم تصاحبها ثقة عميقة متبادلة بين الولايات المتحدة وشركائها العرب، والسبب الرئيسي وراء فشل قمتي كامب ديفيد والرياض، كان لأن إسرائيل والدول العربية فقدت الثقة في استعداد واشنطن للوقوف بجانبها في أوقات المخاطر.

ورغم ذلك لم تعرب الدول العربية صراحة عن مخاوفها بشأن فشل سياسات الردع الخاصة بالولايات المتحدة لتجنب خلق أزمة سياسية مع ترامب، ومن ثم تعطي الفرصة لإيران لكسب جولة ثانية، ولكن خلف الكواليس، كثرت الأسئلة حول الالتزام الأمني للولايات المتحدة في أماكن مثل الرياض وأبوظبي.

وما يتطلبه الأمر حقا هو وضع خطة أو خطط عسكرية عملياتية أميركية للتصدي للتهديد الإيراني. وهذا ما ستطلق عليه القيادة المركزية الأميركية “خطة عسكرية”، تكون مصممة خصيصا لحماية الأصول الحيوية في السعودية والإمارات والبحرين وأي مكان آخر في شبه الجزيرة العربية من الصواريخ الإيرانية وقذائفها الفتاكة.

وهذه الخطط مطلوبة بغض النظر عما يحدث على جبهة محادثات الاتفاقية النووية، لكن صياغتها ستوفر ضمانات وتطمينات أمنية للشركاء الإقليميين مما قد يعطي واشنطن المزيد من الحرية في مفاوضاتها مع إيران بشأن الصفقة النووية.

ويرجّح صعب أن يكون هذا الطرح موجودا بالفعل في كل دولة لكنها تفتقر إلى توجيهات استراتيجية أميركية واضحة من القيادة التنفيذية حول متى وأين يتم تنشيطها من عدمه، ويبدو أن كلا السيناريوهين مقلق لشركاء الخليج العرب.

وإذا لم تكن هذه الخطة موجودة، فمن الأفضل أن تركز المحادثات العربية – الأميركية رفيعة المستوى حول الأمن الإقليمي على معايير ما ستلتزم الولايات المتحدة بفعلها لحماية شركائها، والأهم من ذلك كيف يمكن للعرب أن يساهموا بأصولهم العسكرية في هذه الخطط. ولكي ينجح الأمر، يجب القيام بذلك في إطار شراكة، وعلى عكس عملية عاصفة الصحراء عام 1990، يمكن للعرب هذه المرة بالتأكيد المشاركة فيها.

6