طريق غرف العمليات في ألمانيا لا يزال حافلا بالعقبات أمام النساء

فرانكفورت (ألمانيا) - لا يشعر الكثير من المرضى في أنحاء مختلفة من العالم بالثقة في أداء الطبيبات، عندما يتعلق الأمر بإجراء عملية جراحية لهم، إذ يفضلون أن يسلموا أنفسهم لأيدي جراحين رجال. وفي ألمانيا لا يختلف الأمر كثيرا، إذ تعاني الطبيبات الجراحات من هذه المشكلة.
وتتعدد الأمثلة على ذلك، فعلى سبيل المثال، رغم أن إحدى الطبيبات كانت تواظب يوميا وبانتظام على زيارة المريضة التي أجرت لها عملية جراحية في المستشفى، وترعاها بكل جد واهتمام وتفان، فإن المريضة دأبت على الشكوى من أنه “لم يمر عليها طبيب طوال أيام الأسبوع”. وتذكر كاتيا شلوسر، المديرة الطبية لمستشفى أجابلسيون ميتلهسن بألمانيا، ورئيسة رابطة الجراحات الألمانيات، الكثير من الأمثلة على المواقف التي تتعرض لها النساء القليلات اللاتي يعملن بمهنة الجراحة أثناء عملهن.
وكانت شلوسر طوال حياتها المهنية المرأة “الأولى” أو “الوحيدة”، في معظم المناصب التي تولتها. وتقول إن الجراحات الحوامل لا يسمح لهن بالدخول إلى غرفة العمليات، ويمكنهن فقط أن يعملن بوظائف إدارية.
وتضيف أن “الطريق إلى أعلى المراتب حيث يمكن للطبيبة الجراحة أن تعمل وتتخذ قرارات بشكل مستقل، لا يزال حافلا بالعقبات أمام النساء، حيث إن مهنة الجراحة لا يزال يغلب عليها الطابع الذكوري”.
النساء بارعات في إنشاء شبكات تواصل في ما يتعلق بحياتهن الخاصة، غير أنهن لا يظهرن مثل هذه البراعة في ما يخص مجال العمل
وتشير بيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني إلى أن ما نسبته نحو 70 في المئة من جميع الطلاب المسجلين في كليات الطب البشري من النساء، ومع ذلك فإن قرابة 20 في المئة فقط منهن هن اللاتي يردن التخصص في الجراحة، وفقا لما تقوله الجمعية الطبية الألمانية.
وأسست مجموعة من النساء قبل ثلاثة أعوام، رابطة للطبيبات الجراحات ببلدة ماربورغ التي تبعد بنحو 80 كيلومترا شمالي فرانكفورت، بهدف العمل على تغيير هذا الوضع الذي يهيمن عليه الرجال.
وحضرت أول اجتماع عقدته الرابطة، وكان عن طريق منصة “زووم” 20 طبيبة، ثم اتسعت الدائرة بسرعة عن طريق الاتصالات الشفهية بين الطبيبات. وسرعان ما اشترك عدد كبير منهن في مجموعة تم تأسيسها على تطبيق واتساب، وصار عدد أعضاء الرابطة حاليا حوالي 2000 طبيبة جراحة.
وتستضيف الرابطة ندوات حيث يمكن للجراحات تبادل الأفكار وطلب المشورة وتقديم النصائح والتواصل، ويوجد أيضا برنامج للرعاية والإرشاد كما يتم تقديم بعض المنح الدراسية.
وهناك فريق عمل مخصص لحل المشكلات، وآخر للرد على الاستفسارات أثناء نوبات العمل الليلية، وتقول شلوسر “لم أكن أتوقع أبدا أن تنطلق أنشطة الجمعية بهذا الاتساع”.
وتضيف أن الهدف من شبكة التواصل هذه، هو “تشجيع النساء على الإقدام على اغتنام الفرص”، وتوضح أن خلاصة تجربتها في العمل هي أن “الفائدة لا تأتي من تراكم المزيد من الخبرات فحسب، إنما على الجراحة أن تعمل على تطوير مهاراتها والترويج لخبراتها وقدراتها”. وتعتقد شلوسر بأن السبب في قلة أعداد النساء اللاتي يصعدن إلى المراتب العليا يرجع إلى أن هناك عددا قليلا منهن يشكلن المثل الأعلى للجراحات الذي يمكن الاحتذاء به.
وتعرب عن اقتناعها بأن النساء بارعات في إنشاء شبكات تواصل في ما يتعلق بحياتهن الخاصة، غير أنهن لا يظهرن مثل هذه البراعة في ما يخص مجال العمل، قائلة إن النساء يمكنهن عن طريق الرابطة الالتقاء بأخريات ذوات مسار حياة متشابه.
وتتابع أن الرابطة تهدف أيضا إلى تشجيع المزيد من النساء على مزاولة مهنة الجراحة، وتحفيزهن على التمسك بها حتى أثناء الأزمات أو عندما يصبح لديهن أطفال.
وتوضح أن أحيانا يؤدي ذلك إلى عقد صداقات لمدى الحياة، مثل الجراحتين المشتركتين في مجموعة الرابطة عبر الشبكة إحداهما كمرشدة والثانية كمتدربة، ثم التقيتا للمرة الأولى في غرفة للولادة.
وحقيقة أن النساء يجدن التواصل عبر الشبكات المتاحة ليست بالجديدة، وتحتفل هذا العام الرابطة الطبية النسائية الألمانية بالذكرى المئوية لتأسيسها، وتقول الرابطة إن منذ ذلك الحين طرأت تغيرات كثيرة بالنسبة إلى النساء بوجه عام وبالنسبة إلى الطبيبات بشكل خاص في ألمانيا.
وعلى سبيل المثال تشير هذه الرابطة إلى أنه يتم حاليا الاعتراف بالعمل لبعض الوقت في إطار التدريب الرسمي، غير أن الكثير من المسائل لا تزال في انتظار الحل. وفي سياسة الرعاية الصحية تدعو الرابطة إلى تهيئة الظروف للعمل بشكل صديق للأسرة في المستشفيات والعيادات الخاصة.
كما تدعو أيضا إلى زيادة عدد النساء اللاتي يشغلن المناصب العليا، وتشير دراسة للرابطة الطبية النسائية الألمانية إلى أن واحدا فقط من بين كل عشرة مناصب إدارية في كليات الطب الجامعية تشغله امرأة. وتؤكد أعضاء رابطة الطبيبات الجراحات أنهن لا يزعمن أن النساء أفضل من الرجال في مهنة الجراحة.
وفي هذا الصدد، تشير شلوسر إلى أن “النساء يستطعن إجراء العمليات الجراحية بنفس القدر من المهارة مثل الرجال، وأنه لا يجب على أي مريض أن يخشى من أن يضع نفسه بين أيدي طبيبة جراحة”، مضيفة أن الزملاء الجراحين الرجال ليسوا وحدهم من لديهم ثقة أقل في الطبيبات، بل إن بعض المرضى يراودهم ذات الشعور.
ولمواجهة هذه المعتقدات توزع الجمعية شارات مدونا عليها “أنا أقوم بجولات طبية بالمستشفى”. وهذه الشارات التي تعد رمزا للكفاءة والإدماج، تلقى إقبالا إلى درجة أنه يتم طلبها باستمرار.