طريق الحرير الصيني يخترق التحفظات لقيادة الاقتصاد العالمي

مراقبون يرون أن صورة مبادرة الحزام والطريق بدأت تكرس زعامة الصين المتسارعة للاقتصاد العالمي، بعد ظهور شرخ كبير في التحفظات التي تقودها الولايات المتحدة.
الأربعاء 2019/05/01
انحسار العقبات أمام طريق الحرير

اكتسبت مبادرة طريق الحرير الصينية زخما كبيرا خلال منتدى الحزام والطريق، لكنها لا تزال تواجه تحفظات كبيرة من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، التي تحذر من فخ الديون، الذي يمكن أن تقع فيه الدول التي تفتح أبوابها لمشاريع بكين الاستراتيجية.

لندن - يؤكد المراقبون أن صورة مبادرة الحزام والطريق شهدت انقلابات كبرى خلال الأشهر الأخيرة، وأنها بدأت تكرس زعامة الصين المتسارعة للاقتصاد العالمي، بعد ظهور شرخ كبير في التحفظات التي تقودها الولايات المتحدة.

وتحذر واشنطن من فخ الديون الذي يمكن أن تقع فيه الدول التي تغريها الصين بمشاريع عملاقة للبنية التحتية تتنوع بين تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديد وتمتد إلى 165 بلدا في جميع أنحاء العالم من آسيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وتقود بكين مشاريع بالمئات من مليارات الدولارات في الكثير من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، إضافة إلى معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي بدأت تتنافس على جذب الاستثمارات الصينية.

وتمكنت بكين من جذب دول آسيوية كثيرة كانت قريبة من النفوذ الأميركي، وهي تقود مشاريع عملاقة في دول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى باكستان حيث تستثمر نحو 94 مليار دولار في “الممر الصيني” الذي يمنحها نافذة على بحر العرب.

وحدث الاختراق الأكبر لمقاومة واشنطن بنجاح الصين في إغراء أقرب حلفائها في أوروبا بعد انضمام البرتغال وإيطاليا واليونان التي لم تتمكن من مقاومة إغراءات بكين بفتح أبواب تمويل المشاريع لفتح آفاق اقتصادية كبيرة.

كما تمكنت الصين قبل ذلك من كسب معظم دول أوروبا الشرقية التي أصبحت تميل إلى نموذج التنمية الصيني بعد معاناة طويلة من الأزمات الاقتصادية العميقة.

وبلغت النجاحات الصينية ذروتها بالنجاح في تبديد تحفظات القوى الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، التي خففت تحفظاتها في الأشهر الأخيرة، بعد استجابة بكين لبعض مطالبها بإجراء إصلاحات اقتصادية تخفف الضغوط على نشاط شركاتها في الصين.

ويبدو أن نجاح الصين في امتصاص المناوشات التجارية الأميركية ضدها وفرض رسوم على صادراتها إلى الولايات المتحدة، أجبر واشنطن على الدخول في مفاوضات جدية مع بكين، والتي بذلت أمس شوطا متقدما من المحادثات للتوصل إلى اتفاق تجاري.

مهاتير محمد: ماليزيا لا تنظر للمبادرة على أنها خطة صينية للهيمنة على البلدان
مهاتير محمد: ماليزيا لا تنظر للمبادرة على أنها خطة صينية للهيمنة على البلدان

ويرى العديد من المحللين أن الصعود الصاروخي لنفوذ بكين في الاقتصاد العالمي هو الذي يقف خلف التحفظات والانتقادات وخاصة من الولايات المتحدة لمبادرة الحزام والطريق التي تسعى لإحياء طريق الحرير التاريخي.

ومن المرجح أن يصبح طريقها سالكا أكثر من أي وقت مضى، إذا تم التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة.

وكانت المبادرة قد اكتسبت زخما جديدا خلال المنتدى السنوي الذي عقد في بكين نهاية الأسبوع الماضي خاصة، في ظل سباق دولي واسع للانضمام إليها، حتى من قبل أقرب حلفاء واشنطن.

وكشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن إبرام صفقات كبرى تصل قيمتها إلى 64 مليار دولار خلال المنتدى، الذي اختتم أعماله في العاصمة الصينية بكين يوم السبت.

واستغل شي هذا الحدث ليكرر دعوته للمزيد من الدول إلى الانضمام إليها بهدف تحسين مناخ التجارة والاستثمار في العالم. وذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أنه تم توقيع حزمة من الاتفاقيات الاستثمارية خلال قمة للرؤساء في العاصمة بكين.

وتمكن المنتدى الثاني لمبادرة الحزام والطريق من استقطاب ممثلي أكثر من 100 دولة لبحث المبادرة، بعد أكثر من خمس سنوات من إطلاقها من قبل الرئيس الصيني لإحداث ثورة في مشاريع البنية التحتية من الطرق والجسور وخطوط الأنابيب والموانئ لربط الصين بمعظم أنحاء العالم.

واستغل شي خطابه الختامي أمام المنتدى ليؤكد أن مشروع البنية التحتية الهائل سيركّز على “تنمية مفتوحة ونظيفة وصديقة للبيئة” مع الأطراف المختلفة التي تجري “مشاورات على قدم المساواة”.

وتهدف السياسة الخارجية للرئيس الصيني إلى إحياء طريق الحرير القديم والربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا عبر استثمارات كبيرة تصل في المدى البعيد إلى تريليونات الدولارات التي توفر معظمها المصارف الصينية.

لكنّ منتقدي المبادرة الصينية يرون أن المشروع يهدف إلى تعزيز نفوذ الصين ويفتقد إلى الشفافية ويميل إلى تفضيل مصالح الشركات الصينية، ويغرق الدول في ديون ويسبب أضرارا للبيئة.

وتنظر الولايات المتحدة والهند وبعض الدول الأوروبية بشك إلى المشروع. ولم ترسل الولايات المتحدة أي ممثل لها إلى القمة.

وتنتقد الحكومة الأميركية مبادرة الحزام والطريق، وتقول إنها سوف تؤدي إلى إيقاع الدول النامية في ديون من توفير تمويل رخيص لا يمكنها تحمّله على المدى، لكن قائمة مؤيديها تتناقص يوما بعد يوم.

ويبدو أن كلمة الرئيس الصيني وكذلك تغطية وسائل الإعلام الصينية الدولية للفعالية، تمكنت إلى حد بعيد من تبديد تلك المخاوف.

وحقّقت الصين مؤخرا انتصارا كبيرا عندما أصبحت إيطاليا في وقت سابق من هذا الشهر، أول دولة من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي توقع رسميا على المبادرة، في وقت بعثت فيه سويسرا بإشارات إلى أنها سوف توقّع على المبادرة قريبا.

وأكد شي أن الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق بعثت رسالة واضحة إلى أن المزيد والمزيد من الأصدقاء والشركاء سينضمون إلى المبادرة.

ناديغي رولاند: الصين تسعى إلى إعادة ترتيب مبادرة الحزام والطريق
ناديغي رولاند: الصين تسعى إلى إعادة ترتيب مبادرة الحزام والطريق

وقال “لقد أشرت في الكثير من المناسبات إلى أن الصين أطلقت مبادرة الحزام والطريق لكن الفرص والنتائج سوف يتم تقاسمها من قبل دول العالم المشاركة في المبادرة”.

وتجمّع أمام بحيرة يانكي خارج بكين قادة من أوروبا وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لإعلان بيان مشترك، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.

وفي بيان صدر في ختام اللقاء، شجع القادة المشاركون المصارف الإنمائية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية على دعم المشاريع “بوسائل مستدامة ماليا” وتشغيل رأس المال الخاص بما يتوافق مع الحاجات الداخلية.

وجاء في البيان الختامي للمشاركين “نؤكد على أهمية الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والضريبية والمالية والبيئية لهذه المشاريع”. وذكر البيان أن المبادرة الحزام والطريق ترحب بمشاركة دول نامية ومستثمرين دوليين إلى المشاريع.

لكن المنتقدين يشيرون إلى نتائج عرضية قاسية على بعض الدول الأكثر فقرا والتي تنزلق في فخ الديون نتيجة عدم قدرتها على تسديد القروض للبنوك الصينية. وأشاروا على سبيل المثال إلى اضطرار سريلانكا للصين ميناء بحريا عميقا لمدة 99 سنة بعد إخفاقها في رد ديونها لبكين.

وواجهت بعض مشاريع المبادرة انتكاسات في بعض الدول، ففي ماليزيا، ألغى رئيس الوزراء مهاتير محمد بعض المشاريع المخطط لها، وأعاد التفاوض على مشروع سكة حديدية، مخفّضا كُلفة تلك المشاريع بنسبة 30 بالمئة.

لكن رئيس الوزراء الماليزي خفف مواقفه هذا الأسبوع بشأن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وقال إن بلاده لا تنظر إلى المبادرة على أنها خطة صينية للهيمنة على البلدان الأخرى.

وقالت ناديغي رولاند الباحثة في مركز المكتب القومي للأبحاث الآسيوية في الولايات المتحدة إن “الصين، التي تواجه مقاومة متصاعدة منذ عام ونصف العام وتتعايش مع صورتها كدائنة، تحاول أن تعيد ترتيب مبادرة الحزام والطريق وتوجيه رسالة مطمئنة”.

وأصدرت وزارة المالية الصينية الخميس الماضي توجيهات حول تقييم المخاطر المالية واستدامة الديون، للمساعدة في تقدّم المشاريع في دول “مبادرة الحزام والطريق”.

لكن الوثيقة توضح أن الدول التي تواجه أصلا مشكلات ديون أو هي في خضّم إعادة هيكلة مدفوعاتها، لا يمكن تلقائيا وضع ديونها ضمن قائمة لا يمكن تحملها مستقبليا.

ونشرت بكين السبت الماضي لائحة من 283 خدمة باتت تحمل اسم الحزام والطريق، تتضمن اتفاقات بين متاحف ومهرجانات فنية وتعاونا في مجال الفضاء، في مؤشر على أن المبادرة أداة قوة ناعمة أساسية بالنسبة للصين.

10