طالبان تختار معاداة الممرضات والقابلات

الحركة تمنع النساء من الالتحاق بالجامعة وجل الوظائف، وفرضت قيودا صارمة حصرتهن بشكل متزايد في منازلهن.
الثلاثاء 2024/12/17
يحرمن من مهنتهن

بهار جويا

لندن – أغلقت طالبان فجأة مدارس التمريض والقبالة في أفغانستان خلال الشهر الحالي، لكن عددا قليلا من الطالبات في مدينة مزار شريف بشمال البلاد خلعن ميدعاتهن البيضاء وأضرمن النار فيها احتجاجا.

وقالت الممرضة المتدربة معري محيبيان، وهي تتذكر مشاهدة صديقاتها يحرقن ميدعاتهن، “رأيت كل أحلامي تحترق بالنيران.”

وأكدت طالبات غاضبات أن الإغلاقات تركت فجأة الآلاف من الفتيات دون مستقبل، وأنها ستترتب عليها تداعيات خطيرة على الرعاية الصحية للنساء في بلد يعاني من بعض أعلى معدلات وفيات الأمهات والرضع في العالم.

وأشارت مع أكثر من 15 طالبة في معاهد التمريض والقبالة الخاصة المختلفة إلى أن العديد من المتدربات كن على بعد يوم أو يومين فقط من امتحاناتهن النهائية وأنفقن حوالي 75 ألف أفغاني (1073 دولارا) على دراستهن.

ومنعت طالبان، منذ استيلائها على السلطة سنة 2021، النساء من الالتحاق بالجامعة وجل الوظائف. وفرضت قيودا صارمة على حياتهن، وحصرتهن بشكل متزايد في منازلهن.

واعتبرت دورات التمريض والقبالة من المجالات القليلة المتبقية لمواصلة المرأة تعليمها وكسبها لقمة العيش. وكانت محيبيان، البالغة من العمر 24 عاما، تعتمد على عملها في التمريض لدعم أسرتها أثناء معاناتها لتلبية نفقاتها.

حخح

وقالت لمؤسسة تومسون رويترز “كان أملي الوحيد هو إنهاء دراستي وشغل وظيفة. لا أعرف إلى متى يمكننا البقاء على قيد الحياة.” وتكلف دورات التمريض والقبالة حوالي 20 ألف أفغاني سنويا. لكن يبدأ راتب الخريجين الجدد بـ10 آلاف أفغاني شهريا. ويرتفع المبلغ إلى 15 ألفا مع اكتسابهم الخبرة. ويعد هذا المبلغ أعلى من متوسط الأجور.

وقالت جل الطالبات إنهن استخدمن مدخراتهن أو مدخرات أسرهن لدفع تكاليف دوراتهن. وباعت البعض مجوهراتهن الذهبية، وهي طريقة شائعة لاحتفاظ النساء بالثروة وتوريثها في أفغانستان.

وقالت إحدى الطالبات إن صديقتها (أرملة وأم لطفلين) باعت كل ذهبها لدفع تكاليف دورة التمريض حتى تتمكن من ضمان مستقبل آمن. وقطعت معصميها نتيجة يأسها حين أغلق معهدها أبوابه.

وتعتبر الصديقة، التي حجبنا اسمها لحماية المرأتين، أن “هذا يدل على مدى تأثير هذا القرار المدمر على حياتنا.”

ولم تعلن طالبان رسميا عن عمليات الإغلاق أو تفسر ذلك. لكن المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد أكد أن المعاهد قد أغلقت. وقالت طالبات إن أفرادا من شرطة الأخلاق التابعة لطالبان، التي فرضت الإغلاق منذ الثاني من ديسمبر، أخبروهم أن المدارس تمكن النساء اللاتي يجب أن يكن في المنزل وأن بعضهن لا يرتدين الحجاب بشكل صحيح.

وكانت القابلة المتدربة برديس محمدي على وشك إجراء امتحاناتها النهائية في إقليم بغلان الشمالي حين أغلقت طالبان معهدها. وكانت قد تقدمت لعيادة بالفعل حيث تلقت عرض عمل يعتمد على نتائج امتحاناتها.

وقالت محمدي “منحتني ميدعتي البيضاء الثقة. كان الناس يحترمونني واستطعت أن أرى كيف كانت وظيفتي تنقذ حياة الأمهات والأطفال”، لكنها أصبحت عالقة في المنزل دون مؤهل.

وأضافت “أذهب أحيانا إلى سطح منزلي وأريد القفز منه. لا أرى أي مستقبل أمامي.”

وأدانت وكالات الإغاثة وجماعات حقوق الإنسان عمليات الإغلاق قائلة إن احتياجات أفغانستان الطبية هائلة وتعاني بالفعل من نقص حاد في العاملين الصحيين.

وقالت إن هذه الخطوة ستخلف عواقب وخيمة على مستقبل رعاية المرأة الصحية، خاصة مع منع الأطباء الرجال من الكشف عن النساء في جل المناطق.

وأكد تقرير وكالة الصحة الإنجابية التابعة للأمم المتحدة في 2021 أن أفغانستان تحتاج إلى 18 ألف قابلة إضافية. لكن المتحدث باسم وزارة الصحة شرافت زمان عمار نفى أي نقص، قائلا إن للبلاد 100 ألف ممرضة وقابلة ومساعدة رعاية صحية.

لكن محمدي قالت إن النساء غالبا ما يسافرن أميالا لتلقي الخدمات الصحية، حيث أغلقت العديد من العيادات الريفية أبوابها بعد نضوب التمويل الدولي إثر استيلاء طالبان على السلطة.

وتعتبر محمدي هذه المرة هي الثانية التي تسحق فيها طالبان تطلعاتها. وكانت قد التحقت بكلية الطب عندما استولت الجماعة على السلطة في 2021، مما حطم آمالها في أن تصبح طبيبة نساء.

وضخت والدتها الخياطة مدخراتها لدفع تكاليف دورة القبالة التي استمرت عامين، على أمل أن يكون مستقبل ابنتها مختلفا عنها.

حح

وقالت محمدي إن الطالبات تحدين شرطة الأخلاق أثناء إغلاق معهدها. وتابعت “سألتهم إحدى زميلاتي ‘أليست لديكم زوجات أو بنات؟ إلى أين ستأخذوهن إذا لم تجدوا قابلات في البلاد؟’ فقالوا ‘يمكننا أن نعيش من دونك. وظيفتك في المنزل وليس خارجه’…”

وقالت الممرضة ويدا رستما في العاصمة كابول إنها التحقت بدورة تمريض لتجنب الزواج القسري. وتعرضت، مثل العديد من الفتيات المحرومات من التعليم، لضغوط متزايدة من عائلتها للزواج “لأنه لم يتبق لي شيء آخر.”

وقالت الشابة البالغة من العمر 22 عاما إن شرطة الأخلاق أخبرت الطالبات الأسبوع الماضي أن النساء لا يرتدين الحجاب المناسب وأنهن “يشكلن خطرا على المجتمع.”

وطلبت منهم الإشارة إلى امرأة واحدة لم تكن مغطاة من الرأس إلى أصابع القدمين، فـ”أصبحوا عدوانيين”. وكانت الممرضة الطالبة مروة عظيمي تستعد، مثل محمدي، لامتحاناتها النهائية عندما أغلقت طالبان معهدها في مقاطعة بدخشان في الشمال الشرقي.

وأرادت عظيمي، التي تعمل والدتها طبيبة نساء، أن تصبح طبيبة. لكنها اختارت التمريض عندما أغلقت طالبان الجامعات في وجوه النساء. وقالت “أشعر اليوم أنني أهدرت أموالي وطاقتي ووقتي.” وترى منزلها “وكأنه زنزانة سجن”.

لكن عظيمي (البالغة من العمر 19 عاما) تبقى مصممة على عدم السماح لطالبان بإملاء مستقبلها وتأمل في الحصول على منحة دراسية لدراسة الطب في الخارج. وقالت “لن أستسلم لمجرد أنهم يغلقون الأبواب هنا. سأسعى إلى تحقيق أحلامي.”

16