ضعف أداء الوزارات الخدمية يعمق ارتباك مجلس الوزراء المصري

الحكومة تعاني من ارتباك في التعامل مع شكاوى المواطنين وتصر على أن اللجوء إليها مباشرة لتلبية مطالبهم إنجاز يُحسب لها.
الأحد 2023/04/09
البيروقراطية تكبل تحسين الخدمات

القاهرة- أظهر حجم الشكاوى الجماهيرية المقدمة لمجلس الوزراء المصري خلال الأيام الماضية ارتفاع معدل امتعاض المواطنين من أداء بعض من الوزارات، وسط اتهامات للقائمين عليها بالبطء في تلبية مطالب الناس وتعطيل مشروعات تنموية مهمة.

وأعلنت الحكومة الجمعة استقبالها 120 ألف شكوى واستغاثة من مواطنين وأسر، نحو 67 في المئة منها ضد وزارات خدمية، في مؤشر يعكس الاعتراف الرسمي بالإخفاق في ترضية المواطنين بشكل يدفعهم إلى اللجوء لرئاسة مجلس الوزراء، ما يعبر عن الضجر من عدم تحسن الأوضاع والحصول على خدمات مرضية.

وتمتلك الحكومة المصرية منظومة شكاوى موحدة تابعة لرئاستها مباشرة، لكن الأرقام المعلنة من جانبها تعكس إلى أيّ درجة وصل الترهل الإداري في أداء بعض الحقائب بشكل أثر بشكل سلبي على صورتها في الشارع وضاعف من الحواجز النفسية بين السلطات والمواطنين لعجزهم عن الحصول على أبسط حقوقهم بسهولة.

وتعتقد دوائر سياسية أن لجوء عشرات الآلاف من المصريين إلى رئاسة الحكومة للشكوى من سوء أداء الوزارات، رغم أنه يعكس تهاوي صورتها، يشير أيضا من زاوية أخرى إلى الثقة في رئاسة مجلس الوزراء والقدرة على الحل ومعالجة السلبيات التي باتت تضرب بعض هياكل الجهاز الإداري في الدولة.

عبدالحميد زيد: بيروقراطية الجهاز الإداري وعدم التدخل لتصحيح الإجراءات سوف يعرقل بناء جسور الثقة بين المواطنين والنظام
عبدالحميد زيد: بيروقراطية الجهاز الإداري وعدم التدخل لتصحيح الإجراءات سوف يعرقل بناء جسور الثقة بين المواطنين والنظام

وتعاني الحكومة من ارتباك غير مبرر في التعامل مع شكاوى المواطنين وتصر على أن اللجوء إليها مباشرة لتلبية مطالبهم إنجاز يُحسب لها، لأن المركزية في محو السلبيات المتراكمة تضع على الدولة أعباء مضاعفة في التقارب مع الناس، مع أن الظرف السياسي بالغ الحساسية، وثمة احتقان يقترب من الانفجار.

ويشعر الشارع المصري بحالة إحباط من طريقة إدارة الوزارات الخدمية لعلاقتها مع الناس، فالقائمون عليها يسعون لتحقيق العديد من الإيجابيات، لكنهم لا يستطيعون التقدم خطوة جادة إلى الأمام واختزال الأزمات في الظروف الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية.

ومن النادر أن تعلن الحكومة أنها قررت محاسبة مسؤول كبير لتعطيله مصالح الناس، وكل مرة تتعامل مع الشكاوى بمنطق التباهي والتفاخر من كونها تستجيب للمطالب.

ويرى مراقبون أن الإعلان المتكرر من قبل الحكومة عن تلقيها عشرات الآلاف من الشكاوى والمظالم ضد وزارات وهيئات رسمية يكرس خيبة أمل الشارع في إمكانية تغيير الأمور إلى الأفضل، طالما أن نظامها يعاني من خلل وتسيطر عليه العشوائية ويغيب عنه الحسم والإنجاز، ما يوحي أن شعارات الجمهورية الجديدة الدالة على التقدم والعصرنة ليست موجودة على أرض الواقع.

وقال عبدالحميد زيد أستاذ علم الاجتماع السياسي لـ”العرب” إن تدخل الحكومة لحل المشكلات خطوة إيجابية، لكنها منقوصة لأنها تُبقي على إهمال المؤسسات المتلاحمة مع الشارع، وهو ضد مصالح الدولة، فلا يمكن أن يظل رئيس الوزراء الملاذ الوحيد لقضاء مطالب الناس والاستجابة لأبسط حقوقهم دون أن تكون هناك محاسبة صارمة ووسائل عقاب تطبق على الهيئات المقصرة في توفير الخدمات بشكل متحضر.

وسبق لمصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أن توعد بأنه لن يسمح بتقصير أو تخاذل في تلبية مطالب الناس، ويتابع شكواهم بشكل شخصي، لكن تهديداته لم تثمر عن نتائج إيجابية واستمرت الشكاوى تنهال على الحكومة ضد معظم الوزارات والهيئات، مع أن الكثير من المطالب الواردة على مجلس الوزراء لا تحتاج إلى معجزات لتحقيقها.

والأهم من التجاوب مع شكاوى الشارع ومطالبه من جانب الحكومة وجود أدوات ردع ضد المسؤولين المتخاذلين، فالإبقاء على نفس الوتيرة لن يجلب رضاء المواطنين، وسوف تظل حالة السخط مستمرة وربما تتفاقم مع الأزمات المعيشية الصعبة والغضب المتصاعد، وستجد الحكومة تحديات بالغة لإقناع الناس بأنها تمضي في التغيير نحو الأفضل، مهما فعلت من معجزات.

• سبق لمصطفى مدبولي أن توعد بأنه لن يسمح بتقصير أو تخاذل في تلبية مطالب الناس، ويتابع شكواهم بشكل شخصي
سبق لمصطفى مدبولي أن توعد بأنه لن يسمح بتقصير أو تخاذل في تلبية مطالب الناس، ويتابع شكواهم بشكل شخصي

ويعترف معارضون أن منظومة الشكاوى الموحدة بمجلس الوزراء أسهمت في تحسين الخدمات نسبيا، لكنها عكست بيروقراطية متجذرة، وكشفت أن بعض المسؤولين يسيرون في اتجاه مخالف لقيادة تبحث عن كل فرصة لنيل رضاء المواطنين في توقيت حرج، لأن الناس لا يعنيهم كمّ المشروعات التنموية وشكل الإعلام والدراما في الجمهورية الجديدة بقدر ما يهمهم أن تكون لهم قيمة في مؤسسات الدولة.

وثمة فريق ينظر إلى لجوء المواطنين لرئاسة الحكومة على أنه دليل ثقة في إجراءاتها ومؤشر على بصيص أمل لحصولهم على حقوقهم، لكن توجد شواهد تستدعي محاسبة أداء الجهات المتقاعسة والرقابة عليه، خاصة تلك المتقاطعة مع احتياجات الجمهور.

وأوضح عبدالحميد زيد لـ”العرب” أن بيروقراطية الجهاز الإداري للدولة وعدم التدخل العاجل والحاسم وتصحيح الإجراءات سوف يعرقل بناء جسور الثقة بين المواطنين والنظام برمته، فكل إنجازات تنموية لا تجعل الناس يشعرون بالإيجابيات وتجبرهم على التعايش مع الأوضاع المتردية تزيد الغضب من الحكومة.

ومن المهم التدخل لمحاسبة المقصرين لوقف إلحاق الضرر بشكل الجمهورية الجديدة، وهو ما يتطلب مشروعا لنظام إداري يجعل إرضاء الشارع غاية بعيدا عن المسكنات.

ولم تعد الشكاوى الواردة لرئاسة مجلس الوزراء قاصرة على قطاعات بعينها، وتشمل عددا كبيرا من الوزارات الخدمية غير الخدمية، مع أن هناك إدارات مسؤولة عن تلبية طلبات المواطنين في كل جهة رسمية، لكنها تتعامل مع الجمهور بعقلية المؤسسة الأمّ من حيث الروتين والتعقيدات وسوء المعاملة.

وما يبرهن على الإحباط من تغير الأوضاع إلى الأفضل أن مصطفى مدبولي رئيس الوزراء يداوم بشكل شخصي على لقاء المستثمرين المحليين والعرب والأجانب وأصحاب رؤوس الأعمال، وأيّ جهة تبحث عن إطلاق مشروعات تنموية، للتشاور معهم بشأن أعمالهم ومتابعة سير الإجراءات الخاصة بهم والاستماع إلى شكاواهم، رغم وجود جهات معنية بتذليل العقبات بتوجيه مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وأصبحت شريحة كبيرة من المصريين مقتنعة بأن حل مشكلة بسيطة أو معقدة يتطلب توجيه استغاثة إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، لأنهما الأكثر سرعة وحرصا على تحسين الصورة أمام الناس، ويرغبان في تقليل غضبهم، لكن لا يمكن لمؤسستين أن تتحركا لإرضاء الملايين من المواطنين، وتخططان لحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وكأن الدولة بلا مؤسسات أخرى، وهذا غير صحيح.

4