صيد ثمين.. أمير داعش باليمن في شراك قوات التحالف

لا يفصل ظهور أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في أواخر شهر أبريل الماضي عن عملية القبض على أمير داعش باليمن أبوأسامة المهاجر من قبل القوات الخاصة السعودية ونظيرتها اليمنية قوات التحالف العربي بتاريخ 3 يونيو، سوى شهر واحد وبضعة أيام معدودات. وتكتسي هذه العملية النوعية المعلن عنها الأربعاء من طرف قوات التحالف العربي، أهمية بالغة من حيث التوقيت والتخطيط، فاعتقال إرهابي بهذه الخطورة هو بمثابة صيد ثمين، أولا لما يمكن أن يدلي به من معلومات حول استراتيجيات التنظيم مستقبلا، وثانيا لما يمثله الحدث من عملية قصّ لأجنحة التطرف وخاصة أذرع الدعم المالي، باعتبار أنه تم القبض أيضا على المسؤول المالي للتنظيم الإرهابي في اليمن.
الرياض- عشر دقائق فقط كانت كافية للقوات الخاصة السعودية ونظيرتها اليمنية يوم 3 يونيو الجاري لإلقاء القبض على أمير تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن أبوأسامة المهاجر والمسؤول المالي للتنظيم برفقة أعضاء من التنظيم المرافقين له، وكان من بينهم نساء وأطفال خلال عملية استباقية نوعية بالغة الأهمية.
لم يعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن، والذي تقوده السعودية والإمارات بصفة رسمية، عن هذه العملية إلا الأربعاء، بتأكيده نجاح العملية دون وقوع أي خسائر مادية أو بشرية خلال تنفيذ قوات خاصة سعودية ويمنية للعملية.
عملية هامة وفارقة تزداد قيمتها حتما، بعد الغوص والنبش في هوية هذا الإرهابي الخطير، فالمُكنّى بأبوأسامة المهاجر هو أبوسلمان العدني وهو من مواليد
عام 1988، ويحمل الجنسيتين الأردنية واليمنية، لكن يظل مكان ولادته غير معروف وفق ما توفر من معطيات أفادت بها في وقت سابق وزارة الخارجية الأميركية نقلا عن أجهزة الاستخبارات.
كما يعتبر أمير تنظيم داعش في اليمن أحد أهم الأذرع الهامة بالنسبة للتنظيم المتطرف بصفة عامة وأيضا بالنسبة لزعيم داعش أبوبكر البغدادي بصفة خاصة، فالبغدادي هو الذي رشّح أبوأسامة المهاجر وزكّاه بنفسه عام 2013، ليكون قائد تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، ما جعل من ستّ دول خليجية ومنها السعودية والإمارات وكذلك الولايات المتحدة تصنّف أبوأسامة المهاجر بالعنصر الإرهابي الخطير منذ عام 2017.
ولم يكن أبوأسامة المهاجر معروفا من قبل، إلا أن قوات التحالف العربي، التي بدأت عمليات “عاصفة الحزم” بطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مارس عام 2015 لاستعادة الشرعية في البلاد التي تعاني من إرهاب أذرع إيران الحوثية منذ الإطاحة بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أعلنت أنها عازمة على التخلص من جميع التنظيمات الإرهابية في اليمن بداية من القاعدة وداعش والإخوان وصولا إلى ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
وتعتبر خطوة القبض على أمير داعش هامة جدا، فهي بمثابة التأكيد الجديد على مُضي السعودية في مقاومة التطرف وتجفيف منابعه، وهو ما أكّده فعلا وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير في تعليقه على العملية بقوله “العلمية النوعية التي أدت إلى القبض على زعيم تنظيم داعش في اليمن هي استمرار لنجاحات المملكة وجهودها في مكافحة الإرهاب”.
إن ما يزيد في أهمية القبض على أبوأسامة المهاجر، لا يكمن فحسب في كون قوات التحالف العربي وتحديدا القوات الخاصة السعودية واليمنية نفذّت العملية دون أن تلحقها أي خسائر مادية أو بشرية، بل إن توقيت العملية في حدّ ذاته هو حمّال لرسائل بالجملة، يبقى أهمها أن الإطاحة بأمير داعش في اليمن يأتي بعد شهر فقط من الظهور المسجّل والمثير للجدل لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي.
من ناحية التوقيت، فإن الربط بين ظهور البغدادي والقبض على أبوأسامة المهاجر، يُعد في حد ذاته انتصارا وإسفينا جديدا يدق في نعش التنظيم المتطرف. فبالرجوع قليلا إلى الجدل الذي أثارته إطلالة أبوبكر البغدادي في موفى شهر أبريل الماضي، يتبيّن أن الأخير لفت الأنظار آنذاك لدى تطرقه لكل الملفات والرسائل التي أراد إبراقها لما تبقى من تنظيمه المهزوم، حين كان يمسك بين يديه بملفات زرقاء مكتوب عليها أسماء الولايات الداعشية وتحديدا ملف كُتب عليه “ولاية اليمن”.
وبدا أبوبكر البغدادي، وفق ما يظهره الفيديو المسجّل، وكأنه بصدد متابعة مستجدات التنظيم في اليمن وخاصة الهزائم الكبرى التي تلقاها في أكثر من منطقة يمنية.
وتساءل العديد من المراقبين والخبراء آنذاك عن فحوى الإيحاءات التي أقدم عليها البغدادي في ما يتعلق ببلد مزّقته الحرب وزعزعت أمنه ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، ليفسروا بعد ذلك تلك الرسائل المبطّنة بأنها بمثابة الإذن والدعوة لقيادات التنظيم هناك وعلى رأسها أبوأسامة المهاجر لمزيد تكثيف العمليات الإرهابية في اليمن، خاصة وأن داعش تلقى خسائر بالجملة، أولا من قبل تنظيم القاعدة المدعوم من جماعة الإخوان بمناطق البيضاء. وثانيا، بسبب الهزائم الكبرى التي مني بها التنظيم المتطرف على أيدي قوات التحالف العربي خاصة بمحافظة أبين.
أما من ناحية التخطيط، فإن الإيقاع بقيادي بمثل هذه الخطورة، يُعد أيضا مغنما استراتيجيا سيكون متبوعا بخطوات أخرى ستساهم بدرجة كبيرة في القضاء نهائيا على داعش وذلك لتوفّر عدة اعتبارات منطقية. فالإطاحة بأبوأسامة المهاجر لن تكون فقط مُهمة على مستوى ضيّق أي في ما يتعلق بانتشار التنظيم في اليمن فقط، بل ستكون لها تداعيات كبرى تنعكس على تنظيم الدولة الإسلامية برمّته.
المعروف منذ نشأة تنظيم الدولة الإسلامية بعد عام 2011، أنه في البناء الهيكلي والهرمي للتنظيم المتطرف، يكون القيادي والمسؤول الأول أو ما يسمّى بـ”أمير الولاية” مطّلعا على كل التفاصيل والمستجدات الدقيقة لا فقط التي تهم “ولايته” المنشودة بل أيضا مختلف الاستراتيجيات والخطط التي سيتّبعها التنظيم في مختلف
أصقاع العالم مع تبدّل التطورات وتغيّر نسقها.
الإيقاع بأمير داعش في اليمن يعد مغنما استراتيجيا سيمكن من دق إسفين جديد في نعش التنظيم المتطرف
وبالرجوع إلى أبوأسامة المهاجر، فان اضطلاعه بعدّة مهمات أوكلت له من قبل التنظيم المتطرف كمهمة تخزين الأسلحة أو من خلال القبض أيضا على المسؤول المالي لداعش في اليمن، يتبيّن أن العملية تكتسي أهمية قصوى، يمكن أن تؤدي إلى نتائج عملية تنتهي بسحق التطرف، أولا لما تكتنزه من دور فعال في تجفيف منابع الدعم المالي والكشف عن الجهات الداعمة، وثانيا المساهمة في قطع أجنحة السند اللوجيستي أي الأسلحة والذخيرة وخاصة إمكانية إدلاء هذه القيادات الخطيرة بمعلومات هامة عند التحقيق معها بشأن أماكن تخزين الأسلحة.
وقد أبرزت في وقت سابق العديد من العمليات المماثلة التي تمت فيها الإطاحة بالقيادات الخطيرة لداعش، مدى أهمية المعلومات التي يمكن الخروج بها. فعلى سبيل المثال، فقد مكّن قبض قوات الأمن التونسية على الإرهابي الخطير عادل الغندري في عام 2016، المتورط في أحداث 7 مارس من نفس العام بمدينة بنقردان جنوب شرق تونس، السلطات الأمنية من الخروج بمعطيات خطيرة تمحور جلها حول الأماكن التي يتم فيها تخزين الأسلحة، وذلك لأن الغندري كان هو المسؤول الداعشي رقم واحد عن عمليات تخزين الأسلحة في تونس.
كما يرجّح أن يمكّن استنطاق أبوأسامة المهاجر، من معرفة معطيات هامة حول المخططات الداعشية الساعية إلى زعزعة أمن واستقرار عدة بلدان في المنطقة، علاوة على إمكانية الخروج بمعلومات أهم حول أماكن تواجد قيادات الصف الأول الداعشية وفي مقدّمتها أبوبكر البغدادي.