صوماليون يعودون إلى مقديشو لبعث مشاريع استثمارية

مغتربون صوماليون يقومون بمشاريع استثمارية في العاصمة مقديشو رغم تردّي الأوضاع في البلاد.
الاثنين 2018/08/06
الصوماليون بدأوا يستسيغون حليب البقر

مقديشو - في أي مكان من العالم لا يبدو صنع مشتقات الحليب أمرا شاقا، لكنه في مقديشو مهمّة شبه مستحيلة في ظلّ السيارات المفخّخة وانقطاع التيار الكهربائي.

أمضى عبدالقادر محمد سلاد معظم حياته لاجئا في إنكلترا حيث عمل في مصنع لمنتجات الحليب، لكنه اقتنع بأن العمل في هذا المجال ببلده يمكن أن يكون ذا جدوى كبيرة، بسبب وجود أعداد كبيرة من الماشية، وإقبال السكان على الحليب الذي يُستورد من الخارج.

وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن نحو 55 بالمئة من سكان المناطق الريفية بالصومال يمتهنون أساسا تربية المواشي، وتقدر بـ40 مليون رأس من الإبل والبقر والغنم.

يقول هذا الرجل ذو الأربعين عاما بمصنعه المتواضع في مقديشو، إنه “من الصعب الاستثمار في مكان مضطرب مثل الصومال، كما أن الناس العاملين في هذا القطاع لا يعرفون بعضهم بعضا”.

وأدت ممارسات لا تراعي القواعد الصحيّة اعتمدها صنّاع منتجات الحليب في السابق إلى جعل الصوماليين يعتبرون أن حليب البقر مضرّ وأصبحوا يفضّلون عليه حليب النياق أو الحليب المستورد من الخارج.

غادر عبدالقادر بلده بُعيد سقوط نظام الرئيس سياد بري في العام 1991 وغرق البلاد في حرب أهلية وفوضى عارمة أطاحت بالاقتصاد والمؤسسات العامة. وعمل سائقا في إنكلترا ثم في مصنع لمنتجات الحليب هناك.

عبدالقادر يعرف جيدا أن بلده الذي يضمّ أعدادا كبيرة من الماشية يعاني من غياب صارخ لمصانع منتجات الحليب، فقرر أن يبدأ عمله هناك في العام 2017، وأطلق على مؤسسته اسم “عمران ديري”، ويقول “الماشية من المصادر الاقتصادية للصومال، لكن أطنان الحليب تستورد من الخارج سنويا، أما مواردنا الداخلية فتُهدر ولا أحد يستفيد منها”.

تربية الماشية في الصومال تعاني أيضا من التحديات والعراقيل، منها هجرة سكان الريف إلى المدينة، إذ بدأت الأيدي العاملة في العزوف عن تربية المواشي والهجرة إلى المدن، وقد نبهت الوكالة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في الشهر الماضي إلى أن الجفاف في الصومال دفع ما لا يقل عن 800 ألف صومالي إلى النزوح عن مناطقهم بحثا عن الطعام.

أقام عبدالقادر مصنعه في جنوب مقديشو، في ظلّ اضطرابات ومشكلات أمنية تصعّب الإنتاج والتوزيع. فالمدينة مسرح لعمليات انتحارية تشنّها حركة الشباب المجاهدين المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تحاول السيطرة على الحكم منذ عشر سنوات.

وفي هذا الواقع الصعب، تعود شاحنة عبدالقادر أدراجها في بعض الأحيان دون أن توزّع شيئا، بسبب إقفال الطرقات أو وقوع هجوم، ويقول “أحيانا لا نفتح المصنع بسبب الوضع الأمني في المدينة، هذا يؤثر على عملنا نظرا لأننا مضطرون لدفع الرواتب والمصاريف الإدارية”.

يمكن لمصنع “عمران ديري” أن ينتج يوميا 10 آلاف لتر من الحليب، لكن إنتاجه حاليا يقتصر على ألفي لتر، بسبب العوائق الكثيرة وضعف السوق.

وأراد الشركاء أكثر من مرّة أن يستسلموا ويقفلوا أبواب المصنع، وخصوصا بسبب ما يتكبّدونه من نفقات عالية لتأمين التيار الكهربائي. لكن هذه المشكلة تحديدا وجدت حلّا مقنعا، فقد اعتُمدت الألواح الشمسية لتوليد التيّار الكهربائي، بفضل تمويل من منظمة أميركية.

ويقول عبدالقادر “نحن محظوظون بهذا النظام الكهربائي، لولاه لكنا أقفلنا المصنع لأن الكهرباء هنا مشكلة كبيرة”.

ويوزّع “عمران ديري” الحليب على عدد من المتاجر، لكن عددا من المستهلكين ما زالوا يظنّون أن الحليب المجفّف المستورد من الخارج أفضل من حليب البقر.

ويقول عبدالرحمن علي في أحد متاجر العاصمة، “بعض الأشخاص في عائلتي يظنّون أن حليب البقر سيء، ويفضّلون عليه المجفّف المستورد، لكن في الأشهر الأخيرة اعتمدت حليب عمران ديري وأحببته كثيرا، والآن صارت العائلة كلها تشربه”.

ويعرب سيد علي، وهو مالك متجر في مقديشو، عن سعادته لأن الحليب المحلّي الصنع صار يلقى إقبالا. ويقول، “اعتدنا في الماضي على بيع الحليب المنتج في الخارج، أما اليوم فصرنا نبيع أيضا الحليب الصومالي، وصار عدد المقبلين عليه أكبر”.

وعلى غرار مصنع الحليب، تظهر في مقديشو في السنوات الماضية مشاريع يقوم بها سكان أو مغتربون، رغم تردّي الأوضاع في بلدهم.

ويقول السياسي الصومالي عمر حامد “ينبغي على الحكومة أن تشجّع الاستثمارات الوطنية، عائلتي اليوم تشرب حليبا صوماليا أعرف أن مصدره الأبقار المحلية”.

20