صناع المحتوى يستثمرون بطء الإعلام التقليدي لجذب الجمهور

15 مليون مشاهدة للدحيح عن حلقة فلسطين قبل ترجمتها إلى العبرية.
الثلاثاء 2023/11/28
سد فجوات

انجذاب الجمهور إلى المحتوى الترفيهي – الثقافي على منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الأخيرة يؤكد أن ما يتم تقديمه في الإعلام التقليدي لا يلبي رغبات الجمهور العربي.

القاهرة - استفاد صناع المحتوى الرقمي من تصدر الأحداث الجارية في قطاع غزة للترند في غالبية مواقع التواصل الاجتماعي، ما انعكس على زيادة معدلات المواد المنشور عن فلسطين، وجذب مشاهدين كثرا من شباب يرتبطون بقنوات تقدم محتويات ترفيهية، قدمت مؤخرا مزيجا من الترفيه والتثقيف.

يمكن القياس على حلقة قدمها صانع المحتوى الرقمي المصري أحمد الغندور على قناته “الدحيح”، حملت عنوان “فلسطين.. حكاية الأرض”، حققت أكثر من 15 مليون مشاهدة منذ عرضها منتصف الشهر الحالي، ولاقت انتشارا على المنصات الرقمية، وأقدمت مدارس مصرية على إعادة بث الحلقة على الطلاب في مراحل تعليمية مختلفة لتعريفهم بتاريخ القضية الفلسطينية.

قدم الغندور قصة إعلامية مشوقة ممزوجة بمصادر تاريخية وصور وخرائط قديمة، وأخرى التقطتها أقمار اصطناعية حديثة، ليحكي القصة الأصلية للقضية الفلسطينية، واعتمد على أسلوب يتماشى مع طبيعة العصر الذي يبحث فيه الشباب عن كل ما هو مرتبط بالإيقاع السريع.

محمد عبدالرحمن: الحرب على غزة عززت التحديات التي يواجهها الإعلام التقليدي
محمد عبدالرحمن: الحرب على غزة عززت التحديات التي يواجهها الإعلام التقليدي

وعلى الرغم من أن الحلقة استمرت ساعة كاملة، غير أن فريق القناة قدم محتوى جذابا، ولعب على وتر غياب المعرفة بشأن الوقائع الحالية، وحاجة الجمهور إلى المعرفة، ما أسهم في تشكيل رأي بشأن الأحداث الراهنة، كما أن حديثه جاء عبر خلفية طغت عليها المؤثرات والمصطلحات التي جعلتها تصل إلى شريحة كبيرة من الجمهور.

وأعلن الغندور ترجمة حلقة “فلسطين حكاية الأرض” إلى اللغة العبرية بعد أن أصبحت مشاهدة بكثافة على موقع إكس لأيام متتالية، ما يشير إلى قدرة صناع المحتوى على تقديم خطاب إعلامي يمكن أن يحقق تأثيرا عالميا.

تزامن هذا النجاح مع تراجع ملحوظ في قدرة الإعلام التقليدي على تقديم محتوى مشابه يمكن من خلاله سد الفجوات المعرفية بفعل مؤثرات مختلفة، بسبب اتجاه وسائل الإعلام للترفيه والمنوعات كأحد أبرز الاهتمامات في السنوات الماضية، مع التضييق الذي أصحاب المضمون ذا البصمة السياسية.

يبرهن انجذاب الجمهور إلى المحتوى الترفيهي – الثقافي على منصات التواصل الاجتماعي على أن ما يتم تقديمه في الإعلام لا يرضي طموحات الجمهورالعربي، وأن أرقام خبراء الإعلام الرقمي تشير إلى زيادة قدرها 300 في المئة بحجم المحتوى المعروض عن فلسطين، وما يدور من حرب في غزة.

يشير سمير محمود، يعمل مصورا لعدد من صناع المحتوى الرقمي على يوتيوب، إلى أن الاتجاه العام في ما يتم تقديمه يرتبط بما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وأن صناع المحتوى يهدفون إلى تقديم ألوان متعددة من الفيديوهات والبرامج التي تتماشى مع المنصات المختلفة، ويتم تصوير فيديوهات طويلة لمنصة يوتيوب وأخرى قصيرة قابلة للنشر على إنستغرام وفيسبوك وتيك توك.

وأضاف لـ”العرب” أن عددا من البرامج الترفيهية التي خصصت محتوياتها للمنوعات وحققت معدل مشاهدة أكبر على المنصات الرقمية أدخلت تعديلات على المحتويات التي تقدمها، وباتت أكثر اهتماما بالمعرفة ذات الطابع السياسي والتاريخي، بما يتماشى مع ترندات مواقع التواصل الفترة الماضية، وقد تصبح المرحلة المقبلة شاهدة على تقديم محتوى أكثر احترافية، حال استمرت حرب غزة في صدارة الأحداث.

وسيطرت حالة من القلق على صناع المحتوى الرقمي حيال الغوص في قضايا سياسية شائكة نتيجة مراجعات من قبل الشبكات الاجتماعية التي وضعت بنودا لمعايير المجتمع التي تحظر المحتوى العنيف أو المسيء، بجانب مراجعة داخل المنصات.

محمد عادل عجمي: الحرب أحدثت تحولات عديدة في خطط صناع المحتوى
محمد عادل عجمي: الحرب أحدثت تحولات عديدة في خطط صناع المحتوى

وتعتمد المراجعات الداخلية على إخفاء وجهة نظر معينة في الأحداث العالمية، وفقا لسياسة المنصة، بذريعة مخالفة معايير المجتمع، علاوة على المتابعة الحكومية لما يتم تقديمه من محتوى سياسي أو معرفي لا يتعارض مع التوجهات الرسمية.

قال محمد عادل عجمي، صحافي بجريدة “الوفد” المصرية وصاحب قناة “صباح البنوك” على يوتيوب، إن حرب غزة أحدثت تحولات عديدة في خطط صناع المحتوى وأضحت أكثر دفعا نحو تقديم ألوان إعلامية تتسم بالجدية نتيجة للطلب الواسع على محتويات ترتبط بما يدور على الأرض، مع قناعة جمهور المنصات بأن الإعلام مكبل بسياسات ورقابة، ولا يقدم مضمونا موضوعيا عن الحرب.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الجرائم المرتكبة بحق الأطفال وتسليط منصات التواصل التي يشاهدها أطفال لساعات هذه الانتهاكات يوجدان أجيالا لديها رغبة في التعرف على الأسباب التي تقود إلى ذلك، وحدث تحول في الثقافة لهؤلاء دون أن يتمكن الإعلام من ترجمة التحولات في شكل برامج تخاطب عقولهم.

يؤكد متابعون أن الإعلام المصري يواجه مشكلات منذ نحو عشر سنوات، لكنه لم يختف من الساحة ما يشي بوجود قطاعات من الجمهور تملك رغبة في متابعة ما يعرضه من محتوى، واستخدام وسائل الإعلام التقليدية للمنصات الرقمية في التواصل مع الجمهور يساعد على البقاء، لكنها بحاجة إلى تطوير خططها لتبقى متماشية مع احتياجات الجمهور الواسع على مواقع التواصل.

أكد رئيس تحرير موقع “إعلام دوت كوم” محمد عبدالرحمن أن الحرب على غزة عززت التحديات التي يواجهها الإعلام التقليدي، فيما عدا القنوات الإخبارية الكبيرة التي لديها شبكة مراسلين، وعانت القنوات العامة من انفضاض المتابعين حولها، وقد اعتمدت بعض القنوات على أدوات البث الرقمي لتحقيق انتشار واسع عبر البث المباشر وقنواتها عبر يوتيوب والصفحات التي تدشنها عبر المنصات المختلفة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن البرامج الحوارية تراجعت أمام رغبة الجمهور في معرفة ما يحدث بشكل مختلف وروح جديدة خاصة أن الأجيال الصاعدة تفتقر للمعلومات العميقة عن القضية الفلسطينية، واستطاع مؤثرون ومقدمو محتوى ملء هذا الفراغ، فأحمد الغندور مثلا لم يقدم من قبلُ أيا من حلقاته في مدة زمنية أكثر من نصف ساعة، لكن حلقته عن فلسطين استمرت ساعة وصنعها بجودة عالية.

وذكر عبدالرحمن أن تطورات المشهد على المنصات أثناء حرب غزة يجب أن تكون حاضرة على طاولة صناعة الميديا كي يدرك الإعلاميون طبيعة المستقبل الذي يجب أن يواكبوه، وإلا سوف يستمرون في تفويت الفرص للتطوير مع اندلاع أحداث كبيرة.

ووظفت المنصات الرقمية الانتشار العربي للمحتويات المرتبطة بفلسطين وما يدور في غزة لتقديم المزيد من المغريات لجذب صناع المحتوى إليها، خاصة “تيك توك” الصينية التي أعلنت عن تغيير إستراتيجية الدعم المالي لصُناع المحتوى بما يوفر لهم المزيد من المكاسب المادية.

خصصت “تيك توك”، وهي المنصة الأكبر تحميلا حول العالم، 200 مليون دولار لإطلاق صندوق في 2020 بغرض دعم صُناع المحتوى وتشجيعهم على التفاعل والنشر وتحقيق المشاهدات قبل أن تعلن في العام التالي أن الدعم المالي للصندوق ارتفع إلى مليار دولار داخل الولايات المتحدة، ويستمر لثلاث سنوات تالية.

وحسب ما نشرته قناة “سي.بي.أس نيوز” الأميركية، فإن “تيك توك” سوف تعلن إلغاء النموذج الربحي المتبع بدءا من ديسمبر المقبل في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ويسمح الصندوق الجديد لأصحاب المحتوى بكسب ما يصل إلى 20 مرة أكثر، مقارنة بالنموذج السابق.

5