صناعة النسيج في سلطنة عمان تحيا بأنامل شيوخ الكار

العديد من الحرفيين في سلطنة عمان يحاولون تطوير مهنة النسيج والحفاظ عليها كما فعل من سبقهم بل يسعون لتقديمها في صورة معاصرة.
الجمعة 2021/04/30
حراس الحرفة

النسيج من الحرف التقليدية التي امتهنها العمانيون على مر العصور حيث كانت ومازالت مصدر دخل ثابت للعديد من العائلات العمانية في المدينة والبادية. ويعود الفضل في استمرار هذه الحرفة التي بدأت تشهد أفولا في دول أخرى إلى شيوخ الكار الذين لم يستسلموا للتقاعد من أجل الحفاظ عليها في زمن التكنولوجيا وعزوف الشباب عنها.

مسقط- يمارس العديد من الحرفيين مهنة النسيج في مختلف محافظات سلطنة عمان، وينتجون الملابس المختلفة من الصوف والمفارش والسجّاد والخيام والميداليات ويصنعون من شعر الماعز الحبال والأثاث المنزلي ومن وبر الإبل صناعات أخرى مثل المناسيل والبشوت والحقائب والأحزمة.

ولا زالت هذه الحرفة تعود على الحرفيين بالنفع، حيث تجد العديد من منتجاتها في المعارض وغيرها من المناسبات التي أتاحت للحرفي الدعم والتعريف بصناعته.

ويعود الفضل في تواصل حرفة النسيج إلى شيوخ الكار الذين مازالوا على قيد الحياة، ويرفضون التقاعد لقناعتهم بأن الحرفة تحتاجهم ليستفيد منهم الجيل الجديد المغرم بالنسيج والذي تدعمه الحكومة من خلال مراكز التكوين التي افتتحتها في مختلف المحافظات.

ويعتز الجيل الجديد بما تركه لهم أجدادهم، وهم يحاولون اليوم تطويرها والحفاظ عليها كما فعل من سبقهم بل يسعون لتقديمها في صورة معاصرة كما يفعل سالم بن عبدالله العبري وبدرالعبري.

ومن بين هؤلاء الشيوخ عدوم البدوي، أحد البارزين والمهتمين بهذا الكار قائلا، “بدأت العمل في مجال صناعة النسيج منذ عام 1951، وكان عمري حينئذ 15 عاما توارثتها أبا عن جد حيث كان أجدادي يمارسون هذه المهنة منذ أكثر من مئتي عام”.

منتوجات قديمة لديكور جديد

وأضاف، “لم يكن سهلا أبدا تعلُّم هذه المهنة حيث كانت تحتاج إلى الوقت والصبر والإمكانيات، وقديما لم تكن الأدوات اللازمة متوفرة كما في وقتنا الحاضر، ولكن على الرغم من ذلك واصلنا في هذا المجال، ويوجد لدي حاليا مصنع خاص لهذا العمل كله في ولاية المضيبي تتوفر به الأدوات التقليدية القديمة في مجال صناعة النسيج”.

وأوضح، أن آلة صناعة النسيج المُسمّاة الكارجو تُصنع من شجرتي السدر أو القرط وهذه الأشجار تتوفر بكثرة في ولاية المضيبي خاصة في قرية الروضة، كما تتكوَّن الكارجو من عدة قطع من أهمها الدفف والدرج والعمدان والمنسجة ومساعد المنسجة والملازيم وغيرها من الأدوات التي تشكّل جميعها عمل الكارجو.

مراحل العمل تبدأ بشد الخيوط الصوفية على آلة النسيج التي تتكون من أجزاء تسمى الحف والحافة والنيرة والمسداف، ويتم العمل على هذه الآلة حتى الانتهاء من القطع التي يريدها النساج. وبيّن البدوي، أن المنسوجات التي يقوم بصناعتها تأتي في مقدمتها العمامة البوسعيدية والعمائم المختلفة والسباعيات والوزرة والرداء.

ويختلف سعر كل واحدة من هذه المصنوعات عن الأخرى، حيث إن المصنوع منها بالبريسم يصل إلى 100 ريال (حوالي 26. 5 دولار أميركي)، فيما يصل قيمة الوزار إلى 25 ريالا، وتحدد قيمة هذه المصنوعات الحجم ومادة الخيوط المصنوعة منها وكذلك الألوان وتشكيلاتها، وتلقى هذه الأعمال طلبا كبيرا.

ومن الجيل الذي ورث حرفة النسيج عن آبائهم، سالم بن عبدالله العبري الذي تعلم الحرفة من والده، وأضاف عليها تدريبا ناله عبر التحاقه بأحد المراكز التدريبية التابعة للهيئة العامة للصناعات الحرفية.

يعود الفضل في تواصل حرفة النسيج إلى شيوخ الكار الذين مازالوا على قيد الحياة

يقول العبري، “أحاول أن أنوّع التصاميم من حيث الشكل واللون لتخرج بصورة فنية جميلة” مضيفا، أن “هناك صناعة نسيجية صناعية ولكن يبقى العمل الطبيعي واليدوي هو الأفضل ويتمتع بإقبال كبير من الناس الذين يدركون قيمته والمجهود الكبير الذي يُبذل لإنتاجه”.

ويعتز بدر العبري وهو أحد حرفيي النسيج في ولاية الحمراء بهذه الحرفة كونها من الإرث الذي تركه الأجداد، قائلا، أذكر أنني بدأت بصناعة النسيج الصوفي عندما كان عمري 12 سنة وما دفعني لها هو جمالها وحبي لها حيث بدأتها كهواية مع والدي. وعندما كبرت تحولت نظرتي إليها على أنها من الممكن أن تكون عملاً مفيداً لي باعتبار أن المنسوجات الصوفية اليدوية تلاقي إقبالاً كبيراً في السوق من السياح والعمانيين على حد سواء.

وعن التغيير الذي طرأ على حرفة النسيج، يقول بدر العبري “تعد حرفة النسيج من الحرف التي طرأ عليها تغيير كبير مثلها مثل غيرها، لكن ذلك التغيير لم يؤذها، بل حافظ على القيمة

التاريخية لها وأرى من واقع خبرتي الطويلة أن الفروق كبيرة، بخاصة من الناحية الجمالية للمنسوجات ومن ناحية النقوش التي تعددت والألوان الجديدة التي

دخلت على المنسوجات مثل الأصفر والأحمر وغيرها وهذه لم تكن موجودة، إذ كانت معظم المنسوجات تحمل اللونين الأبيض والأسود”.

وفي حين تواجه الكثير من الحرف التقليدية خطر اندثارها يزداد الإقبال على بعضها الآخر، لكن ما يجمع كل الحرف اليوم أنها تواكب العصر بروح جديدة حافظت على القديم وتزينت بالجديد. ونجح الحرفيون العمانيون في صون التراث من خلال ابتكار منتوجات تراثية تجمع بين القديم والحديث.

حرفيون ينتجون المفارش والسجّاد والخيام والميداليات ويصنعون من شعر الماعز الحبال ومن وبر الإبل المناسيل والبشوت

وقال شيخ الكار الذي، أصبح من القلائل في عمره ممن يزاولون المهنة، نشارك بهذه المصنوعات في الكثير من المعارض التي تُقام للحرفيين حيث أُتيحت لي العديد من المشاركات في السلطنة ودول الخليج وطُلبت للمشاركة في بعض الدول الأوروبية كذلك، مضيفا أن هذه المشاركات حققت له العديد من الاستفادة في الترويج للصناعات التي يقوم بها ونال الكثير من التشجيع والإعجاب والدعم.

واختتم حديثه قائلا “إن الدعم الذي قدَّمته الحكومة يتمثل في توفير الأدوات بالمجان وأتاحت المشاركة في المعارض المحلية والدولية وعرض المنتجات النسيجية وبيعها”.

ورغم ذلك يتفق حرفيو النسيج على أن هناك بعض الصعوبات المتمثلة في القدرة على التسويق خاصة مع بداية جائحة كورونا وغياب السياحة وإيجاد منافذ بيع إلى جانب التحدي الذي يكمن في السرعة في الإنتاج ورغم ذلك تبقى القيمة المعنوية والاقتصادية من مزاولتها عالية جداً مؤكدين على إصرارهم وعزيمتهم لمتابعة إحياء الحرفة التي يعتز بها العمانيون.

20