صناعة الخيزران تضيء مستقبل شاب سوري كفيف

الشاب إياد خوندة يؤكد أن صناعة الخيزران ساعدته على التخلص من الاكتئاب والعجز ومنحته شعوراً بالقوة والثقة بالنفس والقدرة على التكيف مع شتى ظروف الحياة.
الجمعة 2021/04/30
أصابع تنير ظلمة الحياة

اللاذقية (سوريا)- رغم فقدانه البصر في عام 2002 رفض الشاب إياد خوندة (37 عاما) الاستسلام لمشاعر الإحباط واليأس ووجد في مهنته المفضلة “صناعة الخيزران” سبيلاً للخروج من حالة نفسية واجتماعية صعبة للغاية رافقته خلال الفترة الأولى من التأقلم مع نمط حياته الجديد.

محاطاً بالعديد من قطع الخيزران متقنة التصميم بأشكال وأحجام مختلفة يجلس خوندة في الغرفة الخاصة بالخيزران في مقر جمعية رعاية المكفوفين باللاذقية برفقة أصدقائه يتبادلون الأحاديث بينما تتنقل أنامله بخفة وإتقان تحيك القش المبروم حول عيدان الخيزران لصنع تشكيلة من صناديق الهدايا وسلال الغسيل والفواكه والمهملات وعلب المحارم وغيرها.

قال الشاب خوندة في حديثه لوكالة الأنباء السورية (سانا) “لقد تم تشخيصي بمرض التهاب الشبكية الصباغي الذي يكون مستقراً في بداية العمر وقد يتطور أو ينحسر، لكن تعرضت لإصابة في عيني تسببت بنزيف داخلي وفقدان كلي لحاسة البصر وذلك بعد إنهاء دراستي في الثانوية المهنية الصناعية”.

القائمون على الجمعية يأملون توسيع دائرة المستفيدين وهناك فكرة لإقامة مثل هذه الدورات في مناطق متفرقة من محافظة اللاذقية

ويتابع خوندة “لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لي ولمحيطي والمقربين حيث وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم وبدأ اليأس يتسلل إلى داخلي وأشعر بالكثير من الألم، إلا أن وجود والدتي في حياتي منحني القوة لتخطي محنتي ورافقتني في أصعب لحظاتي إلى أن تعرفت على جمعية رعاية المكفوفين عن طريق الشاب علي شكوحي الذي يقطن في حينا وتوالت زياراتي إليها حيث وجدت في زوارها من الشباب (طلاب مدارس وجامعيين) والكبار والمتطوعين فسحة أمل”.

وأضاف أنه بدأ تعلم صناعة الخيزران عن طريق مشروع تدريبي في الجمعية بإشراف ميشيل بريبهان وعلي الشكوحي وتكللت جهوده بالنجاح منذ انطلاقته في هذا العالم الذي كان يستهويه، وعلى مدى أربعة أعوام كان قادراً على تعلم أساسيات الحرفة وصقل مهاراته واكتساب ما يلزم لإتقان هذه الحرفة كالدقة والسرعة والصبر. يذكر أن حرفة الخيزران دخلت إلى دول شرق المتوسط عن طريق الاستعمار البريطاني الذي تعلّمها بدوره أثناء استعمار البلدان الآسيوية وخصوصا التي كان ينبت فيها قصب الخيزران.

وبدأت صناعة الأثاث من الخيزران في سوريا منذ حوالي 150 سنة، وكان بدايةً يستخدم لصناعة العكاكيز وقضبان نفض السجاد ثم السلال المدرسية للأطفال وسلال الفاكهة ومن ثم تطور لتبدأ صناعة الأثاث المنزلي من كراسٍ وطاولات وأسرّة أطفال ومكتبات منذ حوالي خمسة وسبعين عاماً.

وقد تعرضت الصناعة للتراجع بعد حقبة الثمانينات من القرن الماضي لارتفاع أسعار الخيزران مقابل انتشار المنتجات المنافسة المصنوعة من مواد أرخص، ثم عادت إلى الانتعاش في نهاية التسعينات بعد أن أضاف إليها الشباب تصميمات وابتكارات جديدة حتى أصبح أثاثها زينة وديكورات تؤثث بيوت السوريين.

إياد خوندة يؤكد أن التعاون والدعم الذي تلقاه من زملائه في الجمعية شكلا سبباً حقيقياً في نجاح مشروعه

وتمارس حرفة كراسي الخيزران في ورشات خاصة تنتشر في الأسواق القديمة في دمشق وحلب واللاذقية وحماة، وانتشرت بعض المصانع الكبيرة بعد تطور الحرفة والإقبال على المفروشات المصنوعة من الخيزران.

وبيّن الشاب إياد أنه لا كلمات تصف شعور السعادة الذي يغمره مع كل قطعة ينجزها حيث تختلف المدة الزمنية التي يستغرقها الإنجاز من قطعة إلى أخرى حسب الحجم وتوافر المادة الأولية والقوالب، وقد تصل المدة إلى عدة أيام.

وأكد خوندة أن صناعة الخيزران ساعدته على التخلص من الاكتئاب والعجز ومنحته شعوراً بالقوة والثقة بالنفس والقدرة على التكيف مع شتى ظروف الحياة.

وأشار إلى أن التعاون والدعم الذي تلقاه من زملائه في الجمعية شكلا سبباً حقيقياً في نجاح مشروعه، إلى جانب المنحة التي حصل عليها من الأمانة السورية للتنمية وهي توفير المعدات اللازمة لقص عيدان الخيزران وتطويعها وشدها. إلا أنه يعاني صعوبة كبيرة في عملية التسويق حيث لا يتوافر مكان دائم لعرض منتجاته ويعتمد بشكل أساسي على مشاركة الجمعية في المعارض والفعاليات الخيرية لبيع ما يمكن بيعه.

وتقدم جمعية رعاية المكفوفين في اللاذقية دورات تدريبية مختلفة كتعلم الاشتغال على الكمبيوتر وصناعة الإكسسوارات وصناعة أثاث الخيزران.

وأشار علي الشكوحي، عضو مجلس إدارة في الجمعية ومدرب ورشة الدعم المهني للخيزران، إلى أهمية الدورات التعليمية والتدريبية والمهنية التي تقيمها الجمعية في تأهيل المكفوفين ومحاولة دمجهم في المجتمع، إلا أنها تحتاج إلى دعم وتمويل وتشبيك أكثر مع الجهات العامة والجمعيات الأهلية الأخرى. وعبر عن فخره بما حققه إياد واندفاعه وإصراره على مواصلة حياته والاستمرار في تقديم كل ما لديه ضمن الإمكانيات المتاحة.

تعرضت الصناعة للتراجع بعد حقبة الثمانينات من القرن الماضي لارتفاع أسعار الخيزران مقابل انتشار المنتجات المنافسة المصنوعة من مواد أرخص

وبين رئيس الجمعية رامي قدسي أن عملية تسويق منتوجات الخيزران تتم من خلال المشاركة في الأسواق الخيرية أو الملتقيات الأهلية. وبين قدسي أن هذه الدورات ساهمت في خلق جو اجتماعي داعم للمكفوفين وفتحت أمامهم آفاقا واسعة ليوظفوا إمكاناتهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى محيطهم.

ولا يقتصر نشاط الجمعية في تدريب أعضائها على هذه الميادين، بل تسعى بشكل دائم لترشيح عدد لا بأس به من المتدربين للمشاركة في دورات الأمانة السورية للتنمية المتخصصة بتصنيع الإكسسوارات والشمع والصابون وغيرها من الحرف لتنويع المجالات قدر الإمكان.

ويأمل القائمون على الجمعية توسيع دائرة المستفيدين وهناك فكرة لإقامة مثل هذه الدورات في مناطق متفرقة من محافظة اللاذقية، بالإضافة إلى وجود مشاريع وأفكار مستقبلية تأمل إدارة الجمعية إيجاد الشريك المؤمن بأهدافها لإطلاقها وتأمين التمويل اللازم لها.

20