صناعة التعدين في تقاطع نيران الأزمة السودانية

تزايدت ضغوط الأوساط الاقتصادية على السلطات السودانية لإنقاذ صناعة التعدين، التي تشتد حاجة الخرطوم إلى عوائدها بسبب الشلل والفوضى، اللذين يعمّان الاقتصاد بعد عقود من السياسات المتخبطة.
الخرطوم - انتقد خبراء اقتصاد سودانيون استمرار عدم اكتراث السلطات بصناعة التعدين الاستراتيجية، التي تتيح فرصا كبيرة لجذب استثمارات أجنبية من أجل تصحيح الاختلالات المالية العميقة.
ويمتلك السودان ثروات هائلة من المعادن، لكن الحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد عام 1963 لم تتمكن من استغلالها في إنعاش الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة السودانيين.
ويؤكد الخبراء تفاقم أزمات إدارة الاقتصاد وخاصة قطاع التعدين بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير. وحذروا من أن يؤدي الارتباك السياسي إلى انهيار القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية.
ويرى كمال عيسى عميد كلية بحري الأهلية أن الدولة مطالبة الآن بتسريع وتيرة الدخول في شراكات استثمارية مع القطاع الخاص الوطني والأجنبي لإحداث النمو المستهدف في قطاع الثروة المعدنية باعتباره عصب الاقتصاد السوداني.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية لعيسى قوله إن “الدولة في أعلى مستوياتها عليها دعم وزارة المعادن ماديا وفنيا لتنفيذ سياسة تطوير هذا المجال بغرض رفع قدرته التنافسية في الأسواق العالمية وخاصة إنتاج الذهب”.
ويعاني السودان من تهريب الذهب عبر الحدود ما أثر على احتياطات النقد الأجنبي، والتي تعد من بين الأضعف بين الدول العربية بواقع مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي.
ولذلك شدّد الخبير السوداني على ضرورة تضافر كافة الجهود للقضاء على ظاهرة تهريب المعادن والسلع والمواد البترولية إلى دول الجوار.
وتنتشر أماكن التعدين التقليدي للذهب في أكثر من 800 موقع بمعظم ولايات السودان الشمالية والغربية، التي يبدو أنها لم تستغل بالشكل المطوب.
ووفق إحصائيات حكومية، بلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي حوالي 105 أطنان، شكل التعدين المحلي منه حوالي 80 بالمئة.
وذكرت الوكالة السودانية أن الخرطوم تستهدف رفع إنتاجها من الذهب إلى 110 أطنان خلال المرحلة المقبلة لتحتل المركز التاسع عالميا والثانية أفريقيا بعد دولة جنوب أفريقيا.
ومنذ 2015، قفز عدد الشركات العاملة في مجال المعادن بالبلاد إلى 120 شركة محلية وأجنبية، في ظل اهتمام الدولة بهذا القطاع بعد خسارة عوائد النفط إثر انفصال الجنوب في 2011.
ورغم هذا العدد من الشركات، فإن عدد التي وصلت إلى مرحلة الإنتاج لا يتجاوز عشر شركات فقط باحتياطات تجاوز 940 طنا من الذهب.
وتؤكد عدة مؤشرات أن الجزء الأكبر من هذه الشركات لا تزال في مرحلة الاستكشاف وربما قد تكون توقفت بشكل مؤقت بسبب الظروف التي تمر بها البلاد حاليا.
وكان وزير النفط والمعادن السابق أزهري عبدالقادر قد أعلن في يناير الماضي عن اكتشاف منجم ذهب وصفه بـ”الضخم”، بطاقة إنتاجية متوقعة تصل إلى 7 أطنان سنويا.
وتزخر البلاد بأنواع مختلفة من الخامات المعدنية، التي يمكن أن تدخل في الصناعات الثقيلة مثل الحديد والمانغنيز والكروم وما يترتب على هذه الصناعة من سبائك نحاس ورصاص وزنك، فضلا عن الفضة والبلاتين والبايرايت.
وكشف السودان في مارس من العام الماضي عن خطط للاستثمار في احتياطات اليورانيوم بهدف الاستفادة منه في الطاقة النووية وبالتالي استغلالها لإنتاج الطاقة البديلة، وسط تباين الآراء حول نجاح الحكومة في مساعيها.
وشكك خبراء في إمكانية نجاح الخرطوم في مساعيها خاصة أن استخراج اليورانيوم ليس بالسهولة المعلن عنها خاصة وأن ارتباط هذا المعدن لا يقتصر على الأوضاع السياسية والاقتصادية فقط، بل لديه تأثير كبير على البيئة.
ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع، لكن الخرطوم عجزت عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة.
في المقابل، هناك مشكلات تمويلية تواجه المستثمرين لأن القطاع يحتاج إلى طول نفس فهو يبدأ بعملية البحث والاستكشاف والتقييم وتطبيق طرق البحث الجيولوجية وعمليات التحليل المخبري ثم تأتي عملية الإنتاج في المرحلة التالية.
كما أن الاستثمار في قطاع التعدين فيه الكثير من المخاطرة، لأن عمليات الاستكشاف الباهظة قد لا تحقق العوائد المرجوة.
ويبرر البعض عدم قدرة السودان على استغلال موارده، إلى عدم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم تخفيف الولايات المتحدة الحظر الاقتصادي عنه في أكتوبر 2017.
ويشكل إيقاف التحويلات المصرفية الخارجية بسبب امتناع البنوك العالمية عن التعامل مع الخرطوم وعدم قدرة الشركات على الدخول في الاستثمار لاستغلال الموارد الطبيعية، صداعا مزمنا في رأس الدولة.