صفقة رافال تدعم استراتيجية تنويع الشركاء في الخليج

الإمارات تسعى إلى إثبات موقعها كقوة إقليمية من خلال تنويع شراكاتها العسكرية من أجل امتلاك ترسانة خاصة تكون قادرة على حماية أمنها ومصالحها.
الأحد 2021/12/05
شراكة استراتيجية

باريس- تشير الصفقة القياسية التي عقدتها الإمارات لشراء 80 مقاتلة فرنسية من طراز رافال إلى تبدل ميزان القوى في الخليج بحثا عن شركاء جدد، بمواجهة خفض الولايات المتحدة مدى انخراطها في المنطقة.

وأوضحت نائبة رئيس معهد المتوسط والشرق الأوسط للبحوث والدراسات أنياس لوفالوا في باريس أن “دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، تدرك أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على الأميركيين كما كان الأمر سابقا”، ولاسيما منذ وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021.

فالولايات المتحدة التي أصبحت أول دولة منتجة للمحروقات في العالم بفضل احتياطها من الغاز الصخري، خفضت إلى حد كبير اعتمادها على الخليج كمصدر للطاقة، وانعكس ذلك على انخراطها العسكري في المنطقة.

وقالت لوفالوا “رغم أن دول الخليج تملك الكثير من المعدات، إلا أنها تشعر أنها في موقع ضعف، فتقضي وقتها تشتري ضمانات من شركاء يمكنهم طمأنتها وطمأنة الذين يستثمرون فيها أيضا”.

◄ دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، تدرك أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على الأميركيين كما كان الأمر سابقا

ووقّعت الإمارات العربية المتحدة الجمعة اتفاقا بقيمة إجمالية قدرها 16 مليار يورو لشراء 80 طائرة رافال من الجيل الجديد، ما يجعل منها أكبر زبون في الخارج لشركة داسو للطيران الفرنسية، متقدمة على قطر والهند ومصر.

وتهدف الصفقة إلى استبدال 60 طائرة من طراز “ميراج 2000 – 9” حصلت عليها الإمارات في عام 1998.

وأشار فرنسوا هايسبور المستشار الخاص لدى معهد البحث الاستراتيجي في باريس “يريدون أن يكونوا الأفضل تجهيزا في المنطقة، مع طائرة إف – 35 من الجانب الأميركي، واختيار رافال من الجانب الأوروبي”.

ومقابل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في سبتمبر 2020، حصلت أبوظبي على اتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لشراء 50 طائرة إف – 35 لاستبدال أسطولها من طائرات إف – 16 الأميركية.

غير أن المفاوضات مع واشنطن حول هذا العقد الضخم بقيمة 23 مليار دولار الذي يشمل أيضا طائرات مسيّرة من طراز “ريبر” لم تفض إلى عقد بعد، ما يثير استياء أبوظبي.

وأصبحت المصداقية الأميركية في منطقة الخليج على المحك بعد إعلان واشنطن وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات بسبب الحرب في اليمن، وقرارها البدء بمراجعة وجودها العسكري بعد سحب سلاح الدفاع الصاروخي الأميركي الأكثر تقدما (نظام ثاد) وبطاريات باتريوت من السعودية، وهو ما زاد من شكوك الخليجيين في إمكانية الاعتماد على مظلة أمنية أميركية في المرحلة القادمة.

ولفت هايسبور إلى أن “شراء طائرات رافال الـ80 يندرج في سياق سياسة النفوذ والقوة الإقليمية التي تعتمدها الإمارات”، فهي مصممة على إثبات موقعها كقوة إقليمية من جميع الجوانب اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا.

وأشار مراقبون إلى أن الإمارات باتت تعتمد سياسة جديدة تقوم على تنويع الشراكات العسكرية من أجل امتلاك ترسانة خاصة تكون قادرة على حماية أمنها ومصالحها، وأنها تجاوزت مرحلة الاعتماد الكلي على الشركاء التاريخيين في تأمين أمن الخليج ككل، لافتين إلى أن هذه السياسة لا تتعارض مع أيّ تفاهمات قديمة أو جديدة قد توفر ضمانة أكبر لأمن المنطقة، لكنها لن تكون بديلا عن الاعتماد على الذات.

ويعتقد المراقبون أن سياسة الاعتماد على الذات في المجال العسكري، من خلال تأمين الأمن القومي بصفقات ذات قيمة، هي جزء من سياسة أوسع تعمل من خلالها الإمارات على أن تتحول إلى فاعل إقليمي ودولي من خلال اعتماد سياسة خارجية تعتمد على المصالح وتتجاوز تعقيدات الماضي، وتعطي الأولوية للاستثمارات الكبرى.

واعتمدت الإمارات على استراتيجية تصفير المشاكل إقليميا من خلال فتح قنوات تواصل مع تركيا توجت بزيارة لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإعلان عن استثمارات بما قيمته 10 مليارات دولار.

أنور قرقاش: علينا أن نغير نموذج المواجهة المفتوحة

كما تدعو أبوظبي إلى اعتماد سياسة تقوم على خفض التوتر في المنطقة، بما في ذلك حيال إيران.

وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان “علينا أن نغير نموذج المواجهة المفتوحة” الذي كان سائدا في العقود الماضية، مقرا بأن الولايات المتحدة “لن تحافظ على الالتزام ذاته في المنطقة” إلى ما لا نهاية.

واعتبرت إيما سوبرييه الخبيرة في معهد الدراسات للشرق الأوسط في واشنطن أن “عقد طائرات رافال يؤكد أيضا على العنصر الجوي الطاغي للقوة العسكرية الإماراتية”.

وشاركت الإمارات من خلال طيرانها في التحالف الدولي الذي حارب تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب الغربيين في ليبيا عام 2011، وقد قدمت في ذلك الحين دعما عسكريا للرجل القوي في الشرق الليبي المشير خليفة حفتر.

وباختيارها طائرات رافال تؤكد أبوظبي أيضا شراكتها الاستراتيجية قديمة العهد مع فرنسا التي تملك ثلاث قواعد عسكرية في هذا البلد.

وقالت سوبرييه إن “هذا يؤشر إلى منعطف جديد محتمل، يترسخ بشكل حازم في علاقة مع فرنسا”.

ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه نقاط التوتر بين أبوظبي وواشنطن، حول صفقة طائرات إف – 35، وكذلك تقارب الإمارات مع الصين الخصم الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة.

وقالت الخبيرة العاملة في واشنطن إن “الصين شريك تجاري هام للإمارات العربية المتحدة.. وبدأ شق دفاعي يتعزز” بين البلدين.

ولفتت إلى أن الإمارات زودت قواتها بطائرات مسيّرة مسلحة صينية من طراز وينغ لونغ، كما “يجري البحث عن بناء قاعدة صينية، ما يشكل خطا أحمر حقيقيا” لواشنطن.

6