صفقات السلاح الضخمة تحدد سقف الضغط الأوروبي على السعودية

إسبانيا تؤكد أن صادرات الأسلحة إلى السعودية ستستمر، وأن وقف برلين للعقود المبرمة مع الرياض يشكل ضغطا على يوروفايتر.
الخميس 2018/10/25
صادرات السلاح الألمانية تمثل نسبة اثنين بالمئة من واردات السلاح السعودية

أندريا شلال وسابين سيبولد

برلين – بدأت فورة التصريحات التي تسببت فيها التسريبات التركية حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتطالب بتجميد العلاقات مع المملكة العربية السعودية، تهدأ مقابل صعود تصريحات وتقارير تغلّب المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، مع السعودية، خصوصا فيما يتعلق بصفقات الأسلحة.

وأعلنت عدة حكومات أن موقفها المتشدد تجاه معاقبة المسؤولين في قضية مقتل الصحافي السعودي، لا يعني بالضرورة قطع العلاقات مع الرياض أو تجميد الصفقات بينهما.

 وعبر عن هذا الموقف رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، بقوله إن بلاده “لن توقف صادرات الأسلحة إلى السعودية بعد مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي". وأضاف سانشيز، في كلمة أمام البرلمان، أنه يجب أن “يحمي مصالح إسبانيا".

فيما بدت إسبانيا -وهي رابعة أكبر الدول المصدرة للسعودية، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا- واضحة في موقفها، ما زال الجدل قائما في دول أخرى مثل ألمانيا حيث تراجع برلين مبيعات سلاح بقيمة 400 يورو وافقت عليها بالفعل للسعودية.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر وضوحا من كبار مصدري السلاح مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشأن وقف المبيعات للسعودية حتى تتضح ملابسات قضية خاشقجي وهو موقف قال حليف محافظ بارز إنه قد يؤثر على طلبيات سابقة جرت الموافقة عليها.

ويهدد موقف ألمانيا المتشدد بوقف بيع السلاح للسعودية بسبب مقتل خاشقجي طلبية ضخمة تلقتها شركة يوروفايتر، التي تقودها بريطانيا من الرياض، وقد تضر بفرص العمل في حوض سفن في شمال شرق ألمانيا.

وتراجع برلين حاليا كل المبيعات للسعودية بما فيها عقود أقرت في سبتمبر للمزيد من زوارق الدوريات التي تنتجها شركة لورسن الخاصة وأربعة نظم رادارات مضادة للصواريخ من طراز كوبرا تنتجها مجموعة شركات تضم تاليس الفرنسية وإيرباص ولوكهيد مارتن الأميركية.

وأقرت السلطات الألمانية عقود سلاح للسعودية تزيد قيمتها على 400 مليون يورو في الأشهر التسعة الأولى من 2018 لكنها لم تحدد قيمة المعدات التي لم تسلم بعد. وتمثل صادرات السلاح الألمانية نسبة اثنين بالمئة من إجمالي واردات السلاح السعودية وهي نسبة ضئيلة مقارنةً بالصادرات الأميركية والبريطانية، لكنها تصنع مكونات لعقود صادرات دول أخرى.

وقالت مصادر من قطاع صناعة السلاح إن التأثير الأكبر ربما يكون على اتفاق بقيمة عشرة مليارات جنيه إسترليني (12.99 مليار دولار) أبرمته السعودية لشراء 48 طائرة تايفون جديدة من إنتاج يوروفايتر من بريطانيا نظرا إلى أن ثلث مكونات هذه الطائرات يأتي من ألمانيا.

وقف ألمانيا العمل على عقود حيوية لشركائها يثير الشكوك بشأن جدارتها كشريك يعتمد عليه في مشروعات مستقبلية

وتضمن الطلبية السعودية من يوروفايتر، التي يجري الإعداد لها منذ أربع سنوات، الآلاف من الوظائف في “بي.أي.إي سيستمز″ كما تساعد في تمديد إنتاج الطائرات المقاتلة الأوروبية لحين بدء إنتاج الجيل الجديد منها المقرر أن يستكمل تصميمه في غضون السنوات القليلة المقبلة.

كما أصبحت السعودية إحدى الأسواق التصديرية القليلة المتبقية ليوروفايتر نظرا إلى خسارتها عقودا لصالح شراء طائرات أف-35 التي تنتجها لوكهيد الأميركية في عطاءات أخرى منها قرار متوقع من بلجيكا قريبا.

غير أن ما يثير القلق على الفور هو ثلاثة زوارق دوريات تحت الإنشاء حاليا في حوض سفن فولغاست التابع لشركة لورسن في ولاية ميكلينبورغ فوربوميرن التي تعاني من نقص السيولة.

وقالت مجلة شتيرن إن 300 موظف يعملون في بنائها. وأضافت المجلة أن الطلبية تشمل 33 زورقا في المجمل منها 16 زورقا لم تجر الموافقة عليها بعد.

وقال شتيفن زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، إن مباحثات جارية الآن داخل الحكومة بشأن كيفية التعامل مع صادرات السلاح للسعودية والتي تمت الموافقة عليها لكن لم تسلم بعد. وأضاف ردا على سؤال الصحافيين “فيما يتعلق بمسألة كيفية التعامل مع التصاريح الممنوحة بالفعل أو البضائع التي لم تسلم بعد هناك مباحثات مكثفة داخل الحكومة في الوقت الراهن ويتعين علينا دراسة ذلك بعناية”.

واتخذت ألمانيا موقفا أكثر تشددا من الحلفاء مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فيما يتعلق بمبيعات السلاح للرياض بعد مقتل خاشقجي. وأبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قلقه من أن يدفع وقف بيع السلاح للسعودية، حليفته العربية الرئيسية في مواجهة إيران، الرياض إلى طلب السلاح من روسيا والصين.

ويقول تيم شتوختي، المدير التنفيذي لمعهد براندنبرغ للمجتمع والأمن، إن “ألمانيا تواجه معضلة صعبة فإما تتبع ميلها الأخلاقي وإما تنتهج جدول أعمال لبيع السلاح بدافع المصالح الاقتصادية”.

ويعتبر شتوختي أن اختلاف الآراء في أوروبا بشأن هذا الأمر يلقي الضوء كذلك على التحديات التي تواجه برنامجا فرنسيا ألمانيا طموحا لتطوير طائرات مقاتلة مستقبلية.

وأضاف “طالما لا توجد قواعد أوروبية موحدة لصادرات السلاح سنظل دائما نواجه هذه المشكلة. سيكون من الصعب موازنة سلوك فرنسا وبريطانيا بشأن السلاح مع الضرورات الأخلاقية الألمانية”.

ويرى يان تيشاو، الزميل بمركز دراسات صندوق مارشال الألماني، أن برلين إذا أوقفت العمل على طلبية الزوارق السعودية التي جرت الموافقة عليها بالفعل ربما تضطر إلى تعويض حوض السفن الذي استثمر بكثافة ليتمكن من تنفيذ العمل. وأضاف “في نهاية المطاف يظل السؤال هو كم ثمن السياسة الخارجية المبدئية؟” وتابع “إذا تم إلحاق أضرار بحوض السفن في فولغاست نتيجة تغيير السياسة فقد يكلف ذلك مالا. وهذا هو القرار الذي يتعين عليهم اتخاذه”.

ويثير منهج ألمانيا الحذر تجاه مبيعات السلاح، الذي يرجع على الأرجح إلى تاريخها النازي، وخطواتها السابقة لإبطاء الموافقات على الصادرات دهشة دول أوروبية أخرى. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين إن ذلك دفع فرنسا بالفعل إلى التسويق لأنواع معينة من الأسلحة باعتبارها “فرنسية مئة بالمئة”، أي غير عرضة لتعطيل موردين في دول أخرى.

ويقول خبراء في مجال صناعة السلاح يقولون إن وقف ألمانيا العمل على عقود حيوية لشركائها يثير الشكوك بشأن جدارتها كشريك يعتمد عليه في مشروعات مستقبلية. وقال تيشاو من صندوق مارشال “من الواضح… أن سلسلة الإمداد العالمية تتطلب اتفاقات بين الشركاء وأن تنسيق المواقف مطلوب على المستوى الأوروبي لكن ليس هذا هو الحال اليوم”.

وسبق أن شهدت ألمانيا، وبقية الدول الأوروبية،  جدلا مماثلا في علاقة بالحرب في اليمن. لكن، بعد توقّفها عن بيع السلاح للدول المشاركة في الحرب أعلنت ألمانيا أنها تعاود تزويد السعودية بالأسلحة.

7