صعود واضمحلال دور قبيلة طي في سوريا

المصالح ترسم حالة تغيّر الاصطفاف القبلي في الصراعات.
السبت 2024/03/23
تبدل المواقع مع احتدام الصراع

حالة انقسام المجتمع القبلي والعشائري في سوريا، تحكمها اعتبارات عدة، كان لها دور مهم في رسم حالة اصطفاف جزء من هذه العشائر إلى جانب كل طرف من أطراف الصراع.

دمشق - تروي قصة صعود قبيلة طي واضمحلالها الكثير عن القتال والسياسة المجزأة في شمال شرق سوريا.

ولقبيلة طي ماض طويل وبارز فقد تولت في مطلع القرن السابع حكم الحيرة عوض اللخميين (في محافظة النجف الحالية في العراق) وانضموا إلى الفتح العربي لبلاد فارس مع وصول الإسلام وينتمي حاتم الطائي إلى القبيلة، وهو الشاعر المشهور في الأدب العربي بفروسيته وكرمه.

وينتشر أبناؤها اليوم في القامشلي وضواحيها ويسترزقون من الزراعة وتربية الماشية، فيما يتمتع شيوخها بامتيازات خلال حكم عائلة الأسد ومُنحوا الأراضي والقروض من البنوك التي تديرها الدولة، ومقاعد في اتحاد الفلاحين ومجلس الشعب (البرلمان).

ويقول مالك العبدة وهو محلل ومستشار في شؤون الشرق الأوسط ومتخصص في الشأن السوري في تقرير نشرته عرب دايجست إن ذلك يندرج ضمن السياسة التي يتبعها حزب البعث فيها يتعلق باستمالة النخب القبلية.

مساعدو الأسد

عناصر قبيلة طي يشكلون أصولا مفيدة لإيران في مواجهة قسد وأي توغل تركي إذا تقرر الانسحاب الأميركي

تحسنت حظوظ قبيلة طي مع “الانتفاضة الكردية” خلال مارس 2004 في القامشلي. وتطورت أعمال شغب كرة القدم بين عرب من دير الزور رددوا شعارات مؤيدة للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في الملعب والمشجعين الأكراد إلى ثورة واسعة النطاق.

وأحرِق مقر حزب البعث المحلي وهُدم تمثال الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، مثلما حدث لتمثال صدام في بغداد قبل سنة من ذلك.

وكان رد فعل النظام السوري سريعا بإرسال أفراد من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد لتتولى مسؤولية الرد الأمني.

وتقرر تجنيد قبيلة طي في كتائب البعث شبه العسكرية حيث خدموا ضمن القوات المساعدة. وخلّفت حملة القمع ما لا يقل عن 30 قتيلا كرديا و160 جريحا.

وتنفي قبيلة طي تورطها في القتل، مؤكدة أن دورها اقتصر على ضرب الأكراد ونهب متاجرهم.

وذكرت أن القناصة الأكراد قتلوا في المقابل عددا من ضباط الشرطة والجيش بالرصاص. لكن ما هو مؤكد هو مكافأة القبيلة بمنحها مقعدا إضافيا في انتخابات مجلس الشعب خلال 2008.

وكانت الشخصيتان اللتان مثلتاها على المستوى الوطني هما البرلماني المخضرم محمد الفارس والوافد الجديد حسين الحجي. وهذا ما يعني شبكتين من شبكات المحسوبية بدلا من واحدة.

وكانت مرحلة جيدة لقبيلة طي حتى قلبت انتفاضة 2011 السورية ديناميكيات السلطة في الشمال الشرقي.

وبعد أن شعر نظام الأسد بالضغط من الجيش السوري الحر في معاقله الغربية، سلّم أجزاء كبيرة من محافظة الحسكة (بما في ذلك القامشلي ذات الأغلبية الكردية) سنة 2012 إلى ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية مقابل عدم الانضمام إلى الجيش السوري الحر.

وشعر أفراد طي بالخطر بسبب دورهم في حملة القمع التي شهدتها سنة 2004. واحتشدوا ضمن قوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا موالية للنظام تأسست حديثا وشكلوا أغلبيتها.

قواعد موسكو

لم تساعد علاقات قبيلة طي مع موسكو الروابط السرية التي جمعت قوات الدفاع الوطني مع طهران

انقسمت مدينة القامشلي بين قوات الدفاع الوطني ووحدات حماية الشعب، لكن التعايش بينهما لم يكن سهلا.

ويعني ميل قوات الدفاع الوطني إلى سياسات أمراء الحرب أن خطف المدنيين والاتجار بالمخدرات كانا مقبولين، وكان استهداف نقاط تفتيش الأمن الكردية طريقة ذكية للحفاظ على أهميتها مع دمشق.

وتغير كل شيء خلال 2015 حين شكلت وحدات حماية الشعب نواة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

وانضمت روسيا إلى الحرب وأسست وجودها في مطار القامشلي. وواجهت قوات الدفاع الوطني ضربة مزدوجة تشكلت من الدعم الأميركي العلني لقوات سوريا الديمقراطية والدعم الروسي السري لوحدات حماية الشعب.

وكان النفوذ الروسي في شمال شرق سوريا ضارا لقبيلة طي خاصة، حيث حافظت وحدات حماية الشعب من جهتها على تنسيق وثيق مع الجيش الروسي رغم كونها جزءا من قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

وساعد ذلك جزئيا على حمايتها (وقوات سوريا الديمقراطية) من هجمات النظام وتركيا، مع تقريب الأكراد من المدار الروسي.

وتقرر إنشاء غرفة اتصال دائمة في مطار القامشلي للتحكيم في النزاعات ضمن جهود التنسيق التي ترعاها روسيا بين النظام ووحدات حماية الشعب، لكن الجنرالات الروس كانوا يميلون دائما إلى الحكم لصالح وحدات حماية الشعب بدلا من الدفاع عن مصلحة النظام. وقوّض ذلك النظام وأظهر فصيلا داخل وحدات حماية الشعب مواليا لروسيا ومناهضا لقوات الدفاع الوطني.

ولم تساعد علاقات قبيلة طي مع موسكو الروابط السرية التي جمعت قوات الدفاع الوطني مع طهران.

وكان يشتبه منذ فترة طويلة في أن أفراد طي كانوا يتعمدون التحريض ضد وحدات حماية الشعب في القامشلي بناء على أوامر من الحرس الثوري الإيراني لتأجيج الصدام بين الولايات المتحدة وروسيا.

وكانت قوات الدفاع الوطني قوة شبه عسكرية سيئة السمعة، وبذلك أصبحت التضحية بها مفيدة في مسرحيات القوة الروسية في الشمال الشرقي.

وتلقت وحدات حماية الشعب الضوء الأخضر في أبريل 2021للتحرك ضد قوات الدفاع الوطني. وتوسطت الشرطة العسكرية الروسية بعد خمسة أيام من الاشتباكات في هدنة شهدت إخلاء قوات الدفاع الوطني للمدينة نهائيا ما أدى إلى خسارة قبيلة طي معركتها مع الأكراد وأصبحت في وضع خطير.

الحضن الإيراني

اختيار إيران لمقاتلي طي يستند أيديولوجيا إلى دعم القبيلة بقوة لعلي ضد الأمويين في الحرب الأهلية الإسلامية الأولى 656-661

اضطر النظام إلى التضحية بقوات الدفاع الوطني، وتصالح معظم أبناء طي العاديين مع الوضع الراهن في ظل الإدارة الذاتية. وقبلت بعض الشخصيات الموالية للمعارضة داخل القبيلة عرض ضمانات أمنية أميركية للعودة إلى القامشلي في 2023 بعد قرار نفيها الصادر عن النظام ووحدات حماية الشعب.

وبقيت النخبة القديمة (الزعيم ودائرته الداخلية) مؤيدة للنظام بشدة لكنها لم تكن متأثرة بأية أوهام.

وقالت إحدى شخصياتها إن “الحكومة السورية أصبحت اليوم مجرد بيدق تحركه روسيا وإيران”. وقرر أفراد مهمون الانضمام إلى الجانب الإيراني بسبب غياب البدائل.

وتوجد على بعد عشرة كيلومترات جنوب شرق القامشلي على طول الطريق السريع إم 4 قاعدة مترامية الأطراف لحزب الله تشمل حوالي ألف مقاتل من أبناء طي، وقد كان جلهم من قوات الدفاع الوطني في الماضي.

وتواصل الجماعة اللبنانية وسرايا الخراساني من قوات الحشد الشعبي العراقية تدريبهم وتسليحهم.

وتبقى القاعدة واحدة من عدة قواعد يديرها حزب الله في شمال شرق البلاد تمر قربها دوريات القوات الخاصة الأميركية روتينيا عدة مرات في الأسبوع.

ويعدّ التسامح مع الوجود الإيراني في الشمال الشرقي ثمنا يتوجب على الولايات المتحدة أن تدفعه للحفاظ على الهدوء في المنطقة.

وترى روسيا في وجود قوات مدعومة من إيران ومعادية للولايات المتحدة أمرا مريحا، طالما كان العنف يحدث بعيدا عن القامشلي.

وفي نفس الوقت، تحولت منطقة عمليات مقاتلي طي العسكرية نحو الجنوب إلى محافظة دير الزور، حيث يواجه الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة/قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة الإسلامية. ولم تختر طي أبدا القتال بعيدا عن معاقلها، لكن الأوقات الصعبة تتطلب حلا وسطا.

وخضعت قيادة القبيلة إلى تغييرات. وخلف داري، في 2021، والده محمد الفارس الموالي لإيران.

وشكل مع زعماء آخرين، مثل محمود الحسناوي (أحد وجهاء قبيلة الجبور)، مجلسا قبليا مناهضا لقوات سوريا الديمقراطية للتواصل مع القبائل عبر الحدود في العراق.

ويمكن الهدف في العمل على فتح طريق لوجستي شمالي بين البلدين لتخفيف الضغط على معبر البوكمال الحدودي الذي تسيطر عليه إيران جنوبا، والذي شهد غارات جوية أميركية وإسرائيلية متكررة على شحنات أسلحة الحرس الثوري الإيراني. كما ترى إيران أن أفراد طي سيشكلون أصولا مفيدة لمواجهة وحدات حماية الشعب/قوات سوريا الديمقراطية وأي توغل تركي محتمل إذا تقرر الانسحاب العسكري الأميركي من شمال شرق سوريا.

ويقال إن اختيار إيران لمقاتلي طي يستند أيديولوجيا إلى دعم القبيلة بقوة لعلي ضد الأمويين في الحرب الأهلية الإسلامية الأولى 656-661.

وتشير إحدى شخصيات طي إلى أن الواقع قد يكون أكثر بساطة ويقتصر على “راتب شهري قدره 1.8 مليون ليرة سورية (140 دولارا)، يمكّن الشاب من شراء دراجة نارية وهاتف ومخدرات”.

7