صراع في الأفق بين سكان الجزر الإسبانية والسياح

"الذعر من السياحة" ظاهرة لا تقتصر على برشلونة وحدها، بل تمتد إلى مناطق أخرى في إسبانيا، مثل جزر الكناري ومايوركا وغاليسيا.
الثلاثاء 2023/10/03
طفح الكيل

برشلونة (إسبانيا) – صاحت امرأة في الثمانينات من عمرها مزمجرة، وقد اكتسى وجهها بعلامات الغضب “يجب أن تصدر إليهم أوامر بحزم أمتعتهم ومغادرة البلاد، وبعد ذلك يتم إغلاق الحدود في وجوههم”، وجاءت هذه العبارات المعبرة عن شدة الاستياء من المرأة وهي عائدة إلى منزلها أمام متنزه جويل الشهير في برشلونة.

وواصلت المرأة تذمرها، قائلة بعد أن رفضت مجموعة من السياح الشباب إفساح الطريق على الرصيف الضيق لكي تستطيع المرور “البريطانيون والألمان هم الأسوأ، لأنهم حولوا حياتنا إلى جحيم”. ولقيت الإهانات التي وجهتها المرأة للسائحين الأجانب تصفيقا وعبارات التأييد من جانب مجموعة من الرجال المسنين الجالسين في مقهى مجاور.

وثبت أنه من المتعذر العثور على أحد السكان في برشلونة خلال موسم الصيف الحالي لم يضق ذرعا بالعدد المتزايد للسائحين الذين يهبطون على المدينة كل عام.

وتشكلت ظاهرة جديدة يطلق عليها اسم “الذعر من السياحة”، وهي لا تقتصر على برشلونة وحدها، بل تمتد إلى مناطق أخرى في إسبانيا، التي تعد من المقاصد الأولى للكثير من الأوروبيين الراغبين في قضاء العطلات، وتشمل هذه المناطق جزر الكناري ومايوركا وغاليسيا، وكلها تشهد مشاعر متزايدة من الاستياء تجاه السياحة المكثفة، كما تزايد باطراد عدد السكان الذين يعبرون عن غضبهم علنا وأحيانا بعنف.

وفي الكثير من الأماكن ينظم السكان مسيرات احتجاجية، غير أن آخرين منهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، مثل مجموعة من الناشطين أطلقت على نفسها اسم “كاترفا” في جزيرة مايوركا، التي تلقى إقبالا بشكل خاص من جانب السياح الألمان والبريطانيين، وحاولت المجموعة أن تخيف السياح لإبعادهم عن الشواطئ الكائنة على الساحل الشرقي للجزيرة في أغسطس الماضي، حيث وضعت لافتات خادعة مدون عليها كلمات بالإنجليزية تعلن عن حظر السباحة في هذه الأماكن، وتحذر من وجود “قناديل البحر الخطرة” أو من احتمال انهيار الصخور.

حح

وبررت المجموعة في وقت لاحق عملها هذا بالقول إنها تريد محاربة “مصادرة” السياح للشواطئ.

كما يعاني السكان الذين يقطنون بالقرب من متنزه جويل، بالرغم من فرض رسوم عالية للدخول تبلغ عشرة يورو للفرد، من تدفق الزوار الذي لا ينتهي والذي يغرق حيهم.

وتعبر كارينا التي تقيم مع ابنها على بعد عدة مبان من المتنزه عن استياء السكان، فتقول “الفوضى تزداد سوءا باستمرار”.

وتضيف “أصبحت الضوضاء والقمامة تحيطان بنا من كل جانب، وليس ذلك هنا فقط، ولم أشهد من قبل حجم القذارة هذا الذي وصلت إليه المدينة”. وتشير كارينا التي تعمل في مجال الرعاية الصحية، إلى مسألة أخرى تثير الحنق، وهي سوء سلوكيات السائحين.

وتوضح كارينا قائلة، وهي تضع على رأسها خوذة استعدادا لركوب دراجتها النارية للتوجه إلى المستشفى الذي تعمل به “هناك دائما أشخاص يجلسون أمام باب منزلنا، مما يسد طريقنا في الدخول والخروج”.

ومع أن ساندرا وهي مصممة مجوهرات شابة لا تزال تأمل في إمكانية حل مشكلة السياحة في برشلونة بطريقة أو بأخرى، فإنها رفعت الراية البيضاء، وقررت بيع منزلها والانتقال مع شريكها إلى منطقة أخرى بعيدة، تقول عنها “ربما شاطئ يسوده الهدوء”. وتضيف إن “المدينة بكاملها صارت تعاني من السياحة المكثفة”.

وربما يبدو ذلك أكثر وضوحا في أزقة حي الفنون فيلا دي غراسيا، حيث أصبحت الجدران وأبواب مرائب السيارات ولوحات الإعلانات بل النصب التذكارية، مغطاة برسومات الغرافيتي التي تعبر عن شعار “أيها السياح عودوا إلى بلادكم”، إلى جانب عبارات أخرى مناهضة للسائحين مدونة على ملصقات صفراء ولافتات كبيرة.

حح

غير أن ما يعبر عن هذه الاحتجاجات ليس مجموعة صغيرة متطرفة تمثل أقلية، كما تقول إيستر من رابطة حي فيردي ديل ميج، وتضيف “نحن جميعا مشتركون في هذا التفكير”. بينما تقول امرأة شابة إن الكثير من السياح يتناولون المشروبات الكحولية حتى الثمالة ثم يبدأون في مضايقة السكان.

ولكن من برشلونة إلى سانتياغو دي كومبوستيلا، يلاحظ تنامي الشكاوى في المقصد السياحي “طريق القديس جيمس” الكائن في المنطقة الشمالية الغربية من إسبانيا، حيث يشكو السكان من الزوار الصاخبين، الذين لا يكتفون فقط بالتجول في الشوارع وهم سكارى، وإنما أيضا ينامون ويتغوطون في العراء. وأدركت الحكومة والقائمون على صناعة السياحة منذ فترة طويلة أن السكان طفح بهم الكيل، ومع ذلك لم تصدر استجابة للشكاوى أو أي خطوات لحل المشكلة.

ومع ذلك يقول بيدرو مارين رئيس رابطة الفنادق في بلايا دي بالما في مايوركا، إنه لحل هذه المشكلة تحاول فنادق مايوركا اجتذاب “السياح المهذبين”، ولكن هناك حاجة إلى تواجد أكبر للشرطة و”ليد حازمة”.

وعلينا أن نرى كيف سيمنع مارين وأصحاب الفنادق الآخرين السياح الذين يتطلعون إلى الاستمتاع بحفلات تستمر طوال الليل من العودة إلى مايوركا المحبوبة، خاصة أن الجزيرة تعتمد إلى حد كبير على إيرادات السياحة.

وقد يكون وضع قيود على تدفق السائحين وتحركاتهم أمرا صعبا للغاية، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن إسبانيا ستسجل رقما قياسيا جديدا في أعداد السائحين هذا العام، حيث من المتوقع أن يصل عدد السياح الذين يزورونها خلال 2023 إلى 85 مليونا، مما يمثل زيادة مقدارها 1.3 مليون سائح عن الأرقام المسجلة عام 2019 قبل تفشي جائحة كورونا.

Thumbnail
16