صراع على هوية شمال سوريا بين الأكراد والآشوريين والعرب

استقبل آشوريو سوريا الأول من أبريل الذي يحيون فيه عيد الأكيتو (بداية العام الآشوري الجديد 6764) بمشاعر الفرح والألم معا. وتعدّ هذه المناسبة أحد أبرز أعياد الآشوريين القومية المرتبط بتجدد دورة الحياة والخصوبة في الطبيعة والمتميز بطقوسه وتقاليده المستمدة من التراث الأكادي البابلي العريق، لما تنطوي عليه من دلالات ميثيولوجية وفلسفية عميقة، تركت بصماتها على معظم الفكر الديني في الشرق القديم.
وكان قد جاء في ملحمة التكوين البابلية (اينوما ايليش) أن الاحتفالات بعيد الأكيتو كانت تستمر 12 يوما، وتبلغ ذروتها مع تتويج (مردوخ) ملكا إلها على الكون بعد انتصاره على الموت، تماما كما يحتفل المسيحيون في شهر أبريل من كل عام بعيد الفصح (قيامة المسيح من القبر وانتصاره على الموت). فعيد الأكيتو بالنسبة إلى الآشوريين خصوصا هو بحق عيد الطبيعة والآلهة والإنسان، لكنه ليس كذلك في سوريا هذه الفترة، خاصة مع ما تمر به من مآسي وأحزان، وحرب طاحنة يشنها النظام بلا هوادة، دمّرت كل شيء بما فيها الاقتصاد والأمن كما دمّرت، أو أوشكت أن تدمر كل ما له صلة بالتراث والتقاليد وحتى الانتماء.
في هذا الصدد قرر آشوريو سوريا إلغاء الاحتفالات الشعبية والاقتصار على إلقاء كلمات وخطابات، ربما لن تساعدهم في تحسين الحال، لكنها ستسعى، وفقا لمصادر آشورية سياسية، إلى التنبيه إلى المخاطر المحدقة بسوريا عموما وبآشورييها خصوصا، والمستقبل المظلم الذي ينتظر الجميع فيما لو استمرت الحرب.
وقالت مصادر آشورية سورية لـ (العرب) “احتفالات الآشوريين بعيد الأكيتو هذا العام اقتصرت على إقامة مهرجانات خطابية وندوات سياسية يتحدث فيها الخطباء عن دلالات وقيم العيد، وتوقف المتحدثون في كلماتهم عند تطورات ومستجدات الأزمة السورية التي زادت تعقيدا مع تنامي دور المجموعات الإسلامية الجهادية المتطرفة المحلية والوافدة وتحولت إلى حرب مفتوحة بين السوريين وعلى السوريين، وباتت عبءا ثقيلا ببعديها الأمني والإنساني على دول الجوار والعالم أجمع". “في هذه المناسبة أكد المتحدثون ضرورة تمسك الآشوريين (سريانا وكلدانا) بأرضهم ووطنهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية مع شركائهم في إسقاط الدكتاتورية وبناء سوريا الجديدة”.
وحول هذه المناسبة السنوية الاستثنائية في سوريا، قال سليمان يوسف، الباحث السوري المهتم بقضايا الأقليات لـ (العرب) “يحل العام الآشوري الجديد (6764) وأوضاع الآشوريين السوريين تزداد قتامة، والمأساة السورية تزداد فصولها وتتعاظم، وتسبب فيها نظام قمعي عقابا لشعب انتفض وثار لأجل حريته وكرامته، حيال هكذا أوضاع آشورية ومأساة وطنية لم يعد لدى السوريين وقت ومكان للفرح والبهجة بل للألم والحزن وإحصاء شهدائهم”.
وأضاف يوسف “بهذه المناسبة يجدد الآشوريون السوريون مطالبتهم، ليس النظام الحالي المتهاوي، وإنما الحكم الجديد الآتي لسوريا الجديدة، بالاعتراف الدستوري بالآشوريين السوريين (سريانا/ كلدانا) كشعب سوري أصيل وحل القضية الآشورية حلا وطنيا ديمقراطيا عادلا، وإقرار عيد الأكيتو عيدا وطنيا سوريا لكل السوريين باعتباره جزءا من التراث الحضاري الوطني لسوريا التاريخية التي عن السريان أخذت أسمها”.
قضية اختطاف المطرانين
لاشك أنه إلى جانب القضية الوطنية العامة والمركزية (قضية الثورة)، ثمة قضايا آشورية ومسيحية ساخنة بالغة الحساسية والأهمية تشغل الرأي العام الآشوري والمسيحي، مثل قضية المطرانين (يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي) المخطوفين منذ عام كامل من قبل مجموعات مسلحة في ريف حلب ومازال مصيرهما مجهولا. وهي القضية التي باتت أحد ألغاز الأزمة السورية، إذ ما من جهة تبنت خطفهما حتى الآن ولا من مطالب مادية أو سياسية معلنة من قبل الخاطفين لقاء إطلاق سراحهما.
قضية المطرانين، تركت خيبة أمل كبيرة لدى الآشوريين والمسيحيين عامة من القوى الإقليمية والدولية النافذة في الأزمة السورية بسبب صمتها وسكوتها عن هذه القضية وعدم تحركها بشكل جدي وفاعل للكشف عن مصير المطرانين.
وفي سياق قضية المطرانين قال يوسف “إذا كانت ثمة علاقة بين خطف المطرانين وتعيين خليفة للبطريرك زكا عواص (بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية)، كما أوردت بعض التقارير، فمن المفترض أن يكشف عن مصير المطرانين ويطلق سراحهما بعد رحيل البطريرك زكا (توفي قبل أيام)، فالمطران (يوحنا إبراهيم) كان من أبرز المرشحين لخلافة زكا على كرسي البطريركية السريانية ومقره دمشق، ومن أكثر رجال الكنيسة السريانية قربا من النظام السوري.
آمال بتحرير البطريركية
يأمل الكثير من السريان أن يشكل رحيل البطريرك زكا فرصة لإنقاذ كنيستهم السريانية (كبرى الكنائس الآشورية) من حالة الشلل والتشرذم، وهنا تأكيد على أن ثمة حاجة وطنية سورية وآشورية اليوم، وفي هذه الظروف الصعبة جدا والمصيرية التي تعصف بالوطن السوري، إلى أن يشكل رحيل البطريرك زكا (عراقي الجنسية)، فرصة لاختيار بطريرك جديد سوري الهوية والانتماء والجنسية يكون ملتصقا بالشعب السوري ومعايشا لهمومه وقضيته ومناصرا لثورته.