صراع حياة ينتهي بمعركة مع الموت في شاحنة تبريد

لندن - نبشت حادثة العثور على عشرات المهاجرين وقد فارقوا الحياة الخميس داخل شاحنة تبريد بمنطقة صناعية شرق لندن، ذكريات مؤلمة بالنسبة للمهاجر السوري أحمد الرشيد الذي عايش تجربة مشابهة قبل أن يستقر به المطاف أخيرا في المملكة المتحدة.
وقال الرشيد “إن حادثة الأسبوع الماضي أعادت لي إحساس الرعب الذي عشته من خلال تجربتي الخاصة”.
ووصفت السلطات البريطانية الحادثة بأنها واحدة من أسوأ حالات تهريب البشر على الإطلاق في بريطانيا، حيث قضى فيها 39 شخصا نحبهم ومعظمهم فيتناميون.
وكانت إحدى الضحايا وتدعى فام تي ترا ماي (26 عاماً) من مدينة هاتان أرسلت رسالة نصية لوالدتها تقول فيها إنها لا تستطيع التنفس، في الوقت الذي كانت فيه الشاحنة في الطريق من بلجيكا إلى بريطانيا.
ومر أحمد الرشيد هو الآخر بلحظات مرعبة وهو في طريقه من فرنسا إلى بريطانيا مشحونا داخل حاوية مع مجموعة من المهاجرين وشحنة من الدجاج المبرد، ليجد نفسه بعد ذلك محاطا بالجثث.
أحمد الرشيد مر بلحظات مرعبة وهو في طريقه من فرنسا إلى بريطانيا مشحونا داخل حاوية مع مجموعة من المهاجرين وشحنة من الدجاج المبرد، ليجد نفسه بعد ذلك محاطا بالجثث
وتعود الحادثة إلى العام 2015، حيث شهدت سوريا في ذلك الوقت موجة نزوح غير مسبوقة نتيجة العمليات العسكرية الجارية آنذاك في حلب، والتي انتهت باستعادة النظام السوري المدينة بعد نحو ثلاث سنوات من سيطرة فصائل المعارضة عليها. ويقول الشاب البالغ من العمر 29 عاما، إن الرحلة التي تم التخطيط لها لتتجه عبر القناة الإنكليزية تحولت إلى كابوس. ذلك أن الشاحنة ظلت قابعة لساعات في ميناء كاليه الفرنسي ما أدى إلى اختناق من فيها.
ويعود الرشيد بذاكرته إلى تلك الساعات المريرة وهو يصارع الموت “عشت مع آخرين ساعات من الرعب. كنت أعرف يأس اللحظات الأخيرة. لكن جاء أحدهم لمساعدتي. أما بالنسبة للباقي، فقد ذهبت صيحاتهم (اللاجئين) سدى”.
وشكل ميناء كاليه في شمال فرنسا نقطة انطلاق للمئات من المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون إلى دخول بريطانيا مختبئين في شاحنات تبريد وسفن وقطارات.
وكان الرشيد قد فر من حلب عام 2013، معتقداً أنه سيعود إلى زوجته وطفليه في غضون بضعة أسابيع.
ذهب الشاب أولاً إلى شمال العراق، حيث درّس اللغة الإنكليزية للاجئين الآخرين. لكن إطلاق النار والقنابل لاحقه إلى هناك ليقرر أخيرًا دفع المال للمهربين لمساعدته في الوصول إلى أوروبا.
ونقلت الرحلة الرشيد من العراق إلى تركيا واليونان، حيث قال إن المهربين فتحوا حقيبة مليئة بجوازات السفر وأعطوه واحداً من بلغاريا. ومن اليونان، سافر الشاب السوري إلى مرسيليا في جنوب فرنسا، ثم إلى “ذا دجانغل”، وهو معسكر سيئ السمعة خارج مدينة كاليه حيث تجمع المهاجرون على أمل اللحاق بالرحلات المتجهة إلى بريطانيا حتى تم إغلاقه في عام 2016.
وشكلت محاولة عبوره القناة حافزا كبيرا في صراعه مع الموت داخل الحاوية المبردة حتى نجح أخيرًا في الوصول إلى الهدف المنشود ولكن هذه الواقعة خلفت ندوبا عميقة في داخله. وفي النهاية مُنح الرشيد حق اللجوء في بريطانيا، مما سمح له ببدء حياة جديدة وإحضار زوجته وأطفاله. والتقى الرشيد مع أفراد عائلته في مطار هيثرو وقادهم إلى شقته في مدينة دربي الإنكليزية.
وقال الرشيد “يمكنهم التنقل الآن بأمان وبكرامة. وهذا هو ما جعلني أقوم بهذه التجربة من أجل عائلتي”.
ويعمل اللاجئ السوري الآن مع آخرين في تقديم الدعم للمهاجرين الجدد في انطلاقتهم الجديدة. ووجّه الرشيد رسالة لأي شخص يفكر في السفر إلى أوروبا “لا تثق في المهربين. هم لا يرونك كإنسان. إنهم يرونك كبضاعة، كالمال، ككائن، أو كأي شيء. لا تثق بهم أبدًا. كنت مضطرا أن أضع ثقتي فيهم، وأنا الآن نادم على ذلك”.
وشدد الرشيد خلال عرضه لقصته في وكالة أسوشيتيد برس، على أن المهاجرين واللاجئين يجازفون بحياتهم في شاحنات مغلقة وسفن مثقوبة بسبب إغلاق الطرق الأكثر أمانًا أمامهم. وقال إنهم يخاطرون لأنهم يشعرون أنه ليس لديهم خيار آخر، “لا أحد يعرّض حياته للخطر دون سبب. الناس يفعلون ذلك بدافع اليأس”.