صراع تجاري أم بداية حرب: الرئيس الصيني يدعو إلى الاكتفاء الذاتي في تطوير الذكاء الاصطناعي

بكين – لطالما كانت الصين رمزًا للقوة والقدرة على صناعة المستحيل، حتى قيل “المستحيل ليس صينيا”. وهو ما يعكسه الاعتقاد الشائع بن سور الصين العظيم هو البناء الوحيد الذي يمكن رؤيته من سطح القمر.
ورغم أن هذا الاعتقاد غير صحيح، علميًا، حيث أكد رواد الفضاء أن أي بناء بشري، بما في ذلك سور الصين العظيم، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة من القمر بسبب المسافة الهائلة، إلا أن هذا الاعتقاد يعكس المكانة التي تحتلها الصين في أذهان الناس كقوة صناعية وتكنولوجية عظمى.
ويحرص الرئيس الصيني شي جينبينغ على أن تتبوأ بلاده مكانا على رأس قائمة الدول الصناعية والتكنولوجية، وهو ما حرص على تأكيده في جلسة دراسية جماعية للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، قال خلالها أن الذكاء الاصطناعي يمثل تقنية إستراتيجية قادرة على إحداث ثورة تكنولوجية وتحول صناعي شامل. وأوضح أن هذه التقنية يمكن أن تُغير جذريًا طريقة حياة الناس، مما يجعلها أولوية وطنية للصين.
شي جينبينغ: تعزيز الاعتماد على الذات في هذا المجال ضروري
وشدد شي على ضرورة تعبئة الموارد الوطنية من خلال إدخال “نظام وطني شامل جديد” لتجاوز النواقص والثغرات في النظريات الأساسية والتقنيات الرئيسية. وأشار إلى أهمية تطوير الرقائق المتطورة والبرمجيات الأساسية لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي مستقلة وقابلة للتحكم. كما أكد أن تعزيز الاعتماد على الذات في هذا المجال ضروري، مشيرًا إلى أهمية الدعم السياسي لتحقيق ذلك من خلال سياسات مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، وتقديم حوافز ضريبية، وإتاحة البنية التحتية لدعم الابتكار.
وفي ظل الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يرى المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت أن هذه الحرب قد تكون مقدمة لصراعات أوسع. في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، أشار وايكيرت إلى أن الصين تتمتع بتفوق حاسم في قطاع التصنيع، إلى جانب قطاع تكنولوجي متقدم ينافس الغرب في مجالات رئيسية.
وأضاف أن الصين تستغل هذا التفوق لتعزيز مكانتها العالمية، مما يثير مخاوف من أن الحروب التجارية قد تتحول إلى صراعات حقيقية. وقد زادت هذه المخاوف مع دعوة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس رؤية إستراتيجية تهدف إلى تعزيز استقلالية الصين التكنولوجية.
في ظل الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يرى المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت أن هذه الحرب قد تكون مقدمة لصراعات أوسع
وتعد الصين ثاني أكبر دولة مستثمرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي من الجيل التالي، مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLM)بعد الولايات المتحدة. وقد دفعت القيود الأميركية على استيراد الرقائق عالية التقنية الصين إلى تعزيز قدراتها المحلية في هذا المجال، حيث تُعد هذه الرقائق عنصرًا أساسيًا في صناعة المعالجات والخوادم الإلكترونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
في بداية العام الجاري، أطلقت شركة “ديب سيك” (DeepSeek) الصينية نماذج ذكاء اصطناعي أحدثت صدمة في عالم التكنولوجيا، حيث تفوقت على نظيراتها الأميركية بميزانية أقل بكثير. وقد شُبِّهت هذه الانطلاقة بإطلاق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي “سبوتنيك” عام 1957، الذي أشعل سباق الفضاء بينه وبين الولايات المتحدة. ويرى مراقبون أن ديب سيك قد تشعل سباقًا جديدًا في مجال الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة.
ورغم التقدم الكبير، أقر الرئيس الصيني بوجود ثغرات في الصناعة الصينية، خاصة في تطوير الرقائق المتقدمة والبرمجيات الأساسية. وأكد أن التغلب على هذه التحديات يتطلب جهودًا مكثفة في البحث العلمي والتطوير الصناعي، إلى جانب تنظيم أنظمة الإدارة في هذا المجال.
وبينما تسعى الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتطوير التقنيات الأساسية. ومع ذلك، فإن إستراتيجيتها الطموحة تعكس تصميمها على أن تكون رائدة عالميًا في هذا المجال، مما يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في سباق تكنولوجي قد يعيد تشكيل موازين القوى العالمية. الصين لا ترى الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية، بل أداة إستراتيجية لتحقيق تحول شامل في الاقتصاد والمجتمع، مع طموح واضح لتضييق الفجوة التكنولوجية.