صراع بين الحكومة والمدارس الخاصة يهدد تعميم التعليم الرقمي في مصر

الحكومة تتراجع عن تغطية تكاليف توصيل شبكة الإنترنت للمدارس، واقتراب موعد الامتحانات الرقمية يربك المدارس.
الثلاثاء 2019/02/26
بوسع التعلم الرقمي أن ينهض بواقع التعليم المصري

أثار تراجع وزارة التعليم المصرية عن تغطية تكاليف توصيل الإنترنت إلى المدارس الخاصة أزمة بين الحكومة والمدارس، وفيما تضغط وزارة التربية على المدارس لتحمل مسؤوليتها والتحول سريعا إلى التعليم الرقمي، تعيق التكاليف المالية الباهظة هذه المدارس لبلوغ هذه الخطوة وتربكها مع اقتراب موعد الامتحانات الرقمية.

القاهرة - اتسعت الفجوة الحاصلة بين الحكومة المصرية والمدارس الخاصة، بسبب الخلاف على تكلفة توصيل شبكة الإنترنت إلى المدارس، قبل تعميم التعليم الرقمي على مستوى المؤسسة التعليمية في مرحلة الثانوية العامة (الباكالوريا)، حيث تبرأت وزارة التربية والتعليم من الأمر، واعتبرت المدارس الخاصة بجميع فروعها مسؤولة عن دفع كل التكاليف المادية المرتبطة بالنظام الجديد.

وبدأ طلاب المدارس الثانوية (حكومية وخاصة) استلام أجهزة الحاسب الآلي (التابلت) بداية فبراير الجاري، مجانا، ونشب خلاف جراء التكلفة المالية الخاصة بتوصيل الإنترنت إلى المدارس وإنشاء شبكات “واي فاي” داخلية تتناسب مع ضغط الاستخدام من جانب الطلاب في القاعات الدراسية على مدار اليوم.

وكان طارق شوقي وزير التربية والتعليم المصري قال في أغسطس الماضي، “إن الحكومة “معنية بتوصيل شبكات الإنترنت وما يستلزمه نظام التعليم الرقمي، إلى جميع المدارس، حكومية وخاصة، دون تحميلها أي تكاليف”، ثم تراجع في يناير الماضي مؤكدا أن المدارس الخاصة مسؤولة أمام طلابها ومعلميها والحكومة بالتحول إلى النظام الرقمي.

وأخفقت الوزارة وممثلو المدارس الخاصة خلال أربعة اجتماعات متلاحقة، في التوصل إلى حلول وسط تنهي الأزمة في ظل إصرار كل طرف على موقفه، برفض المشاركة ولو بجزء من التكلفة، وإلقاء المسؤولية على الآخر، ما استثمره رافضو نظام التعليم الجديد، واتخذوه ذريعة للتأكيد على صواب موقفهم الممانع لتطبيق نظام تعليمي غير واضح المعالم.

استمرار رفض المدارس الخاصة تحمل تكلفة نظام التعليم الرقمي يعرضها لخسائر فادحة، لأنه في هذه الحالة سيبدأ الطلاب بالانتقال إلى مدارس حكومية مجانية

وما زال نظام التعليم الرقمي يصطدم برفض يدعمه خبراء تربويون ومعلمون ومدراء مدارس ووسائل إعلام، بحجة أن البيئة المصرية غير مؤهلة ثقافيا وفكريا، للاستغناء عن الكتاب المدرسي والامتحانات الورقية والتصحيح الإلكتروني. كما أن هناك تجربة شبيهة في عام 2014، لم يُكتب لها النجاح، بعدما تم توزيع أجهزة تابلت على 6 محافظات فقط، ولم يقبل الطلاب الفكرة وسرعان ما تعطلت الأجهزة، وتكرر انقطاع الإنترنت، وتراجعت وزارة التعليم عن الخطوة في العام الدراسي نفسه وأعادت العمل بالنظام التقليدي.

وتكمن الأزمة الراهنة في أن وزارة التعليم قررت أن تبدأ الامتحانات الرقمية لطلاب الصف الأول الثانوي العام، نهاية شهر أبريل المقبل، ولا توجد مدرسة خاصـة واحدة حتى الآن متصلة بشبكة إنترنت تؤهلها للتعاطي مع النظام الجديد، بعكس المدارس الحكوميـة التي أصبحت مهيأة لذلك.

وما ضاعف من الصراع بين الطرفين أن المدارس الخاصة اقترحت زيادة المصروفات على الطلاب لجمع جزء من المبالغ المالية التي سوف تنفقها على توصيل شبكة الإنترنت، لكن وزارة التعليم رفضت الفكرة، وتوعدت بإحالة المدارس المخالفة إلى التحقيق، وإمكانية إلغاء الترخيص من الأساس.

وبدأ بعض أصحاب المدارس في الترويج لفكرة التمرد على وزارة التعليم، برفض تجهيز المدارس وفق نظام التعليم الرقمي، ووضعها أمام الأمر الواقع، حتى يحين موعد الامتحانات وتجد نفسها (أي الوزارة) في ورطة، ومن ثمة التنازل عن موقفها بتقبل زيادة المصروفات، أو تتولى مسؤولية التجهيز.

وقال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ”العرب”، “إن استمرار رفض المدارس الخاصة تحمل تكلفة نظام التعليم الرقمي يعرضها لخسائر فادحة، لأنه في هذه الحالة سيبدأ الطلاب في التحول إلى مدارس حكومية للاستفادة من خدماتها المجانية”.

وأوضح أن “الحكومة لن تقف صامتة أمام محاولة بعض أصحاب المدارس اللعب على وتر التجربة الجديدة في التعليم، وتصدير صورة سلبية بأن هناك تخبطا وارتباكا وعشوائية في تطبيق المنظومة الجديدة، وقد نلجأ إلى فتح باب التحويل إلى المدارس الحكومية على مصراعيه”.

وهناك شروط صارمة للتحويل من المدارس الخاصة إلى الحكومية في مرحلة التعليم الثانوي (التي يطبق فيها التعليم الإلكتروني)، بينها أن تكون أسرة الطالب تعيش أزمة مالية خانقة، ولم تعد تستطع دفع المصروفات، أو تغير مقر السكن لمحافظة أخرى، أو توفى ولي الأمر، وما دون ذلك ترفض وزارة التعليم تحويل الطالب، وقد تلجأ إلى إلغاء كل هذه القيود للضغط على المدارس الخاصة.

ولدى أصحاب المدارس الخاصة شعور بأن الحكومة تضع العراقيل أمامهم في ما يتعلق بمسايرة نظام التعليم الرقمي، للإيحاء بأن المدارس الحكومية تفوقت على نظيرتها الخاصة، وتمتلك مقومات تكنولوجية هائلة غير موجودة في مثيلاتها التي يدفع فيها الطالب عشرات الآلاف من الجنيهات، بحيث تستثمر ذلك في التسويق لنظام التعليم الجديد، خاصة أن وزير التعليم قال في سبتمبر الماضي، “تطوير التعليم يهدد مستقبل المدارس الخاصة، والحكومية ستكون في المقدمة”.

Thumbnail

وأشار بدوي علام رئيس جمعية المدارس الخاصة في مصر، إلى أن الأزمة تكمن في انخفاض أعداد طلاب المرحلة الثانوية بالمدارس الخاصة، وفي نفس الوقت، تصل تكلفة تجهيز المدرسة الواحدة وفق النظام الجديد إلى أرقام خيالية، تتخطى مليوني جنيه (نحو 120 ألف دولار)، وبالتالي فإن زيادة المصروفات نفسها لن تكفي، ولا بديل عن توزيع التكلفة على كل الطلاب، وهو ما ترفضه وزارة التعليم.

وهناك مدارس ثانوية عامة خاصة، لا يوجد فيها أكثر من مئتي طالب، سوف تتكلف نفس المبالغ التي تنفقها المدرسة التي لديها ألف طالب، ومن ثمة فإن المعضلة الكبرى تتعلق بعدد الطلاب الذين سيتم توزيع المبالغ المالية عليهم، وسوف يتعرض كثيرون للظلم، وربما يلجأون إلى التحول إلى مدارس حكومية.

وكشف علام لـ”العرب” أن هناك أزمة أخرى ترتبط بقرب موعد الامتحانات الرقمية، وعدم وضوح الرؤية بطريقة اختبار طلاب المدارس الخاصة، وهل يكون بشكل ورقي مثل كل عام، أم بشكل إلكتروني مثل المدارس الحكومية؟

وإذا أصرت وزارة التعليم على تعميم التجربة الإلكترونية، فإنه يستحيل تجهيز المدارس قبل الامتحانات، لأن الانتهاء من البنية التكنولوجية في المدارس الحكومية استغرق أكثر من عام.

وتصب أكثر التوقعات في خانة انتصار المدارس الخاصة في معركتها مع الحكومة، لأن الأخيرة ستجد نفسها في مواجهة غير محسوبة مع الطلاب وأولياء الأمور لاستمرار التراخي في حل الأزمة، وحينها تكون مضطرة إلى التراجع عن رفض زيادة المصروفات الدراسية، وهي النقطة التي يحارب أصحاب المدارس الخاصة من أجل الوصول إليها.

17