صراع "البقاء على اتصال".. عزل 6 ملايين إثيوبي عن العالم

الحكومة الإثيوبية تقول باستمرار إن الإغلاق ضروري للحد من العنف لكن منتقدين يتهمون السلطات باستخدام الإنترنت كسلاح حرب.
السبت 2022/10/01
حجب الهاتف والإنترنت في إثيوبيا أصبح سلاحا للسيطرة على المعلومات

نصف سكان منطقة تيغراي البالغ عددهم ستة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والمال، ولكن يبدو أن الحكومة الإثيوبية تستخدم إغلاق شبكة الإنترنت لقطع الاتصالات من جهة، وتمزيق شبكة الطرق لإعاقة تسليم المساعدات الإنسانية، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

تيغراي - لم ينج سوى عدد قليل من آثار انقطاع الإنترنت والهاتف لمدة عامين تقريبا في منطقة تيغراي الشمالية بإثيوبيا، منذ اندلاع القتال بين متمردي تيغراي والقوات الحكومية في نوفمبر 2020. وقد استؤنف الصراع خلال أغسطس الماضي، بعد هدنة إنسانية استمرت شهورا، محطما الآمال في استعادة الاتصالات.

اللاعبة الإثيوبية غوتايتوم جبريسيلاسي التي حصدت الميدالية الذهبية في منافسات الماراثون ببطولة العالم لألعاب القوى 2022 انهارت بالبكاء عندما سُئلت عما إذا كانت عائلتها تحتفل بفوزها في بلادها في تيغراي. وقالت وهي تمسح دموعها أثناء حديثها في مؤتمر صحافي خلال بطولة العالم لألعاب القوى في يوجين بولاية أوريغون شمال غرب الولايات المتحدة “لم أتحدث إلى والديّ منذ شهور. أتمنى أن يحتفل أبي وأمي بإنجازي كما هو الحال مع الإثيوبيين الآخرين”.

الإنترنت والإغاثة

أما رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي ينحدر من تيغراي نفسها، فيقول إنه لم يتمكن من الوصول إلى أقاربه في الوطن أو إرسال الأموال إليهم. وأضاف في مؤتمر صحافي عقد مؤخرا في لندن قائلاً “لا أعرف حتى من مات أو من هو على قيد الحياة“.

تيدروس أدهانوم غيبريسوس: لا يمكنني الوصول إلى أقاربي.. لا أعرف حتى من مات أو من هو على قيد الحياة

ومع استمرار القتال في تيغراي وأماكن أخرى في إثيوبيا، يبين زكريا زلالم في مؤسسة تومسون رويترز أن حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد تقول باستمرار إن الإغلاق ضروري للحد من العنف، لكن منتقدين يتهمون السلطات باستخدام الإنترنت كسلاح حرب.

المحلل السياسي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي غويتوم غيبريلويل يرى أن الحكومة الإثيوبية تستخدم بشكل صريح الوصول إلى الاتصالات والخدمات الأساسية الأخرى، والأهم من ذلك المساعدة الإنسانية ورقة مساومة ضد تيغراي والمجتمع الدولي.

وفقا لمجموعة الحقوق الرقمية أكسس ناو، أصبح قطع الإنترنت في جميع أنحاء العالم أكثر تعقيدا واستمر لفترة أطول، مما يضر بالناس والاقتصاد ويستهدف الفئات الضعيفة في جميع أنحاء العالم.

وذكرت المجموعة أن استخدام قطع الإنترنت في إثيوبيا وحجب الهاتف أصبح “سلاحا للسيطرة والرقابة على المعلومات”، مما يصعب على الصحافيين والنشطاء توثيق جرائم حقوق الإنسان وتقديم المساعدة.

أصبحت الحلول الطارئة مثل هواتف الأقمار الصناعية في عاصمة تيغراي الإقليمية ميكيلي أداة حيوية لعمليات وكالات الإغاثة.

كما تحتفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخدمة الهاتف عبر الأقمار الصناعية للسكان المحليين مما يمنحهم وسيلة لتوصيل أصواتهم إلى أحبائهم.

المتحدثة باسم اللجنة أليونا سينينكو تقول إن اللجنة الدولية سهلت خلال هذا العام حتى الآن نحو 116 ألف مكالمة هاتفية ورسائل شفوية “بين أفراد العائلات الذين شتّتَتْهم النزاعات والعنف”.

ومع كون ما يقرب من نصف سكان المنطقة البالغ عددهم ستة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء، فإن إغلاق الشبكة والطرق أعاق تسليم المساعدات الإنسانية، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية في تصريحات عبر البريد الإلكتروني إن الافتقار إلى شبكات الهاتف المحمول “شلّ أنظمة الطوارئ والمراقبة الصحية المنتظمة”.

الطريقة الوحيدة للتواصل أصبحت عبر التقارير الورقية التي يجب تسليمها يدويا. كما يجب عقد جميع الاجتماعات شخصيا.

ويتهم المسؤولون الحكوميون المتمردين بإتلاف شبكات الاتصالات عمدا، بينما يقول ممثلو جبهة تحرير تيغراي الشعبية إن إدارة آبي أحمد لا تريد استعادة الخدمات التي قطعتها.

وقال متحدث باسم آبي إنه لم يكن هناك “زر تشغيل وإيقاف واحد أو مفتاح” لاستعادة الإنترنت. وصرّح للصحافيين الشهر الماضي بأن “الترتيبات الأمنية والإدارية داخل منطقة تيغراي تحتاج إلى موافقة… لتسهيل أعمال الإصلاح الفني”.

وعارض مستشار جبهة تحرير تيغراي الشعبية فيسيها تيسيما ذلك. وقال لمؤسسة تومسون رويترز إن “القضية سياسية تكمن في أن أديس أبابا لا تريد رفع الحصار واستعادة الخدمات”.

تركناها على الله

عندما قُتل المغني الشهير والناشط الأورومو هاتشالو هونديسا في يونيو 2020 في إحدى ضواحي العاصمة أديس أبابا، أوقفت الحكومة شبكة الإنترنت في البلاد بأكملها مع انتشار أعمال الشغب والقتل في أنحاء أوروميا وفي أديس أبابا.

فريهيوت تاميرو: الإغلاق كان ضروريا لمنع المجرمين من استخدام الإنترنت للقتل والتهجير، وخلق الفوضى وتدمير البلاد

وخلَّفت حملة الشرطة القمعية المئات من القتلى، وانقطعت الإنترنت لمدة 23 يوما، مما كلف الاقتصاد أكثر من 100 مليون دولار، وفقا لشركة نت بلوكس لمراقبة الإنترنت.

وقالت فريهيوت تاميرو، الرئيس التنفيذي لشركة إيثيو تيليكوم المملوكة للدولة، إن الإغلاق على مستوى البلاد كان ضروريا لمنع المجرمين من استخدام الإنترنت “للقتل والتهجير، وخلق الفوضى وتدمير البلاد”.

كما انتقدت جماعات حقوق الإنسان الحكومة الإثيوبية لإغلاقها وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل، بما في ذلك فيسبوك وواتساب في العام الماضي.

ولم تعلق السلطات الإثيوبية على عمليات الإغلاق هذه، لكنها قالت العام الماضي إنها تطور منصة تواصل اجتماعي محلية “لتعوض” فيسبوك وتويتر وواتساب.

وتحبط الاضطرابات المتكررة العديد من الإثيوبيين العاديين.

فمثل أي شاب يبلغ من العمر 15 عاما، كان توليسا يبحث عن نتائج كرة القدم عبر الإنترنت ويراسل أصدقاءه على هاتفه، إلى أن جعلت الانقطاعات المتكررة للإنترنت في مسقط رأسه في أوروميا ذلك شبه مستحيل.

ومع اشتداد الحرب بين القوات الإثيوبية ومتمردي جيش تحرير أورومو خلال سنتي 2019 و2020، استخدم السكان هواتفهم لتنبيه بعضهم البعض إلى اقتراب القتال قبل إغلاق النطاق العريض والإنترنت المحمول.

وقال توليسا، الذي طلب استخدام اسم مستعار لحماية هويته، “أصبح كل شيء الآن مقامرة. تركناها على الله“، بعد أن أرسلته عائلة للعيش مع أقاربه في أديس أبابا على بعد 300 كيلومتر خوفا على سلامته، وهو يواصل تعليمه أملاً في أن يصبح مهندسا، إلا أنه يشكو قائلاً “لا يمكنني الوصول إلا إلى بعض الأقارب عبر الهاتف، ومعظمهم لم يتصل بالإنترنت منذ شهور“.

تيغراي الصاخبة

أما إياسو جبرينينيا البالغ من العمر 24 عاما فقال إنه كان قادرا على الاتصال بالإنترنت مرة أو مرتين شهريا باستخدام الواي فاي في مكتب منظمة دولية غير ربحية حيث يعمل صديقه.

واعتادت المدينة أن تكون المركز التجاري الصاخب في المنطقة، لكن جبرينينيا قال إن المستشفيات والفنادق والمطاعم مغلقة، ويكافح الأشخاص الذين كانوا يمتلكون في السابق أعمالا مزدهرة الآن لإطعام عائلاتهم. وأضاف “يبدو الأمر كما لو أنهم أعادوا عقارب الساعة إلى الوراء 30 عاما. إن الناس يعانون لكنك قد لا تعرف شيئا عن ذلك لأننا منعزلون عن العالم. إنه أمر محبط للغاية“.

في إثيوبيا ومناطق عديدة من العالم، يبدو أن الصراع أصبح اليوم صراعاً ”للبقاء على اتصال” من أجل النجاة.

6