صداقات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تعيش على وقت مستقطع

تغير أولويات الولايات المتحدة ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط يعيق مساعيها لفرض موقف دولي يتصدى للغزو الروسي لأوكرانيا، وبدل أن تتمكن من استمالة حلفائها اتخذ هؤلاء مواقف داعمة في مضمونها لموسكو.
واشنطن - أبرزت الحرب الروسية – الأوكرانية أن الولايات المتحدة وأصدقاءها في الشرق الأوسط وخاصة الإمارات والسعودية إلى جانب مصر قد وصلوا إلى منعطف لم تعد فيه مصالحهم متوافقة كما كانت في السابق.
ولا يقتصر الأمر فقط على السعودية والإمارات اللتين رفضتا زيادة إنتاج النفط لوضع حد لارتفاع الأسعار جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، وإنما أيضا مصر وإسرائيل، حيث اختارت القاهرة مسك العصا من المنتصف في حين تبدو أقرب إلى الروس، أما تل أبيب فينتابها القلق بشأن إعادة واشنطن الاتفاق النووي مع إيران.
الحرب الباردة
ورصد تقرير نشرته صحيفة فورين بوليسي التذبذب في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط منذ الحرب الباردة وصولا إلى حرب أوكرانيا.
وحققت الولايات المتحدة نصرا دبلوماسيا كبيرا في الحرب الباردة لما كسبت مصر إلى جانبها قبل حوالي 50 عاما. وكان ذلك عندما بدأت القوتان المتصارعتان العظميتان في جمع العملاء الإقليميين. وانضم المصريون إلى نادٍ ضم السعوديين والأردنيين والإسرائيليين ودول الخليج العربي الصغيرة التي كانت تبحث عن الحماية بعد أن تخلى البريطانيون عن مواقعهم شرق قناة السويس في 1971.
ستيفن إيه كوك: توتر علاقات واشنطن بحلفائها يشير إلى وفاة النظام الأميركي
وفي العقود التالية عندما أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطا بشكل مباشر في شؤون الشرق الأوسط، كانت تلك الدول تشكل مجموعة من الدول الصديقة التي سهلت على واشنطن متابعة أهدافها في المنطقة، بما في ذلك حماية حرّية تدفق النفط من المنطقة، مما ساعد على ضمان أمن إسرائيل، ومكافحة الإرهابيين، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل بالإضافة إلى سلسلة من السياسات الطموحة الأخرى مثل غزو العراق.
وتطرح الاستفهامات بشأن مصير هذه العلاقات القوية منذ أن بدأت المقالات تُظهر أزمات علاقات واشنطن مع شركائها في الشرق الأوسط، وخاصة السعودية والإمارات.
لقد رفض السعوديون والإماراتيون طلبات إدارة بايدن بضخ المزيد من النفط مع ارتفاع الأسعار العالمية بسبب غزو روسيا لأوكرانيا. وبعد فترة وجيزة من تحرك القوات الروسية غربا، امتنعت الحكومة الإماراتية عن التصويت على قرار يدين الغزو الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبينما سعى الرئيس الأميركي جو بايدن لتوحيد العالم ضد موسكو، لم تدعم السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة العقوبات على روسيا شريكتهما في أوبك+. واستضافت الإمارات في منتصف مارس الرئيس السوري بشار الأسد في دبي. وعلق كاتب العمود في فورين بوليسي ستيفن إيه كوك على الزيارة بالقول “يصعب تخيل الرسالة التي كان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يوجهها من زيارة شخص مسؤول عن جرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع، لكنها عكست بوضوح خلافا مع الولايات المتحدة”.
ويرى كوك أن المشاكل في علاقات الولايات المتحدة مع السعوديين كانت تتراكم ببطء، لكن مجموعة من العوامل الإقليمية والعالمية والسياسية جعلتها تبرز في الأشهر الثمانية الماضية، مما ساهم في تدهور العلاقات علنا، متسائلا “متى كانت آخر مرة رفض فيها زعيم شرق أوسطي الاتصال برئيس الولايات المتحدة؟”.
وأضاف “يبدو أن السعوديين والإماراتيين لم تعد لديهم أية ثقة في التصريحات الأميركية بأن واشنطن ملتزمة بأمنهم. وبالعودة إلى إدارة دونالد ترامب، عندما هاجم الإيرانيون منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص في سبتمبر 2019، اختار الرئيس الأميركي (بدعم من مجتمع السياسة الخارجية) الامتناع عن الرد على الهجمات. وأدى هذا إلى قلب أربعة عقود من السياسة الأميركية الموجهة نحو الدفاع عن حقول النفط في الخليج من التهديدات الصادرة من داخل المنطقة وخارجها”.
وتابع “في الآونة الأخيرة، شهدنا انسحابا مخزيا للولايات المتحدة من أفغانستان وتصميم إدارة بايدن على التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران”.
وتدعم دول الخليج وضع اتفاقية مع إيران، لكنها تخشى أن تتفاوض الإدارة على صفقة تزود طهران بمليارات من الدولارات التي يمكن استخدامها لزيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة. كل هذا إلى جانب عدم رغبة واشنطن في تصنيف الحوثيين مجموعة إرهابية، بينما يفكر المسؤولون الأميركيون في إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابيا. ويعدّ هذا بالنسبة إلى السعوديين والإماراتيين المؤشر الأكثر دلالة على تخلي الولايات المتحدة عن الاتزام بأمنهم.
إسرائيل أيضا
لكن الأمر لا يقتصر على السعوديين والإماراتيين. وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت أكثر هدوءا في انتقادها للولايات المتحدة في عهد رئيس الوزراء نفتالي بينيت، فقد أوضح هو ووزير الخارجية يائير لابيد أن الإسرائيليين لن يكونوا ملزمين بأي اتفاق نووي جديد مع إيران. ومارسوا ضغوطا على الإدارة لإعادة إدراج الحوثيين في القائمة وشاركوا المخاوف الإماراتية والسعودية بشأن الحرس الثوري الإيراني. وحصل المصريون على أسلحة روسية متطورة في السنوات الأخيرة واستمروا في التحوط مع الصين، رافضين الاختيار بين واشنطن وبكين.
وانتشرت الابتسامات في قمة النقب الأخيرة التي جمعت وزراء خارجية إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب والولايات المتحدة، ولكن هناك حقيقة مفادها أنه بعد سنوات عمل خلالها المسؤولون الأميركيون من أجل صياغة إجماع إقليمي، نجد أن الإجماع الموجود الآن لا يشمل الولايات المتحدة.
ومع كل هذه القضايا مجتمعة، يتساءل أشخاص في واشنطن عما إذا كان شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هم حلفاء بالفعل. وفي نفس الوقت يُترك المسؤولون في عواصم الشرق الأوسط يتساءلون نفس الأمر عن الولايات المتحدة.
ويمكن فهم مشاعر المرارة من كل الأطراف، لكن رفض التسليم بالأمر الواقع والإعلان عن أن شركاء الولايات المتحدة سيئون لا يقدم تفسيرا صحيحا لسبب وجود هذا التردّي وما يمكن فعله حياله.
ومن السهل إلقاء اللوم على الشخصيات التي تتحمل المسؤولية حاليا، لكن عملية التفكك هذه تمتد في الواقع على فترة طويلة بما يكفي لتشمل ولايات ثلاثة رؤساء أميركيين (على امتداد 13 عاما وأكثر).
لم تعد المصالح التي دفعت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط مثل تدفق النفط وضمان أمن إسرائيل ملحة
إن لهذه العلاقات مفارقات تاريخية ظهرت وتطوّرت على مدى فترة طويلة. لقد أسس الرئيس فرانكلين روزفلت والعاهل السعودي الراحل الملك عبدالعزيز العلاقات الأميركية – السعودية قبل 77 عاما. ومضى وقت طويل منذ أن أخبر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أن مصر يمكن أن تكون حصنا ضد الاتحاد السوفياتي. وتعود رعاية علاقة واشنطن مع الإمارات العربية المتحدة إلى التسعينات عندما اتخذ وجود الولايات المتحدة في الخليج شكلا دائما. وتوثقت هذه العلاقات بالتوازي مع الحرب العالمية على الإرهاب، لكن الأميركيين يرون الآن عواقب إضفاء الطابع الأمني على سياستهم الخارجية على مدى العقدين الماضيين ويريدون التغيير.
كما لم تعد المصالح الأساسية التي دفعت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (تدفق النفط الحر والمساعدة في ضمان الأمن الإسرائيلي) تبدو ملحة. وبينما أكد الغزو الروسي لأوكرانيا على أهمية نفط الشرق الأوسط في الوقت الحالي، لن يكون انتقال الطاقة سلسا كما يتصور البعض. ولكن مع بدء تسريع عملية تكييف بدائل النفط (يقدر مجتمع الاستخبارات الأميركية أن هذا سيبدأ بعد 2030)، ستكون حقول النفط في المنطقة أقل أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وأشار صانعو السياسة في الولايات المتحدة إلى أنهم لم يعودوا يريدون الدفاع عن أمن الطاقة في الشرق الأوسط. ونذكر من الأشياء الأقل إثارة للجدل عدم رد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية على هجوم 2019 الذي استهدف المملكة العربية السعودية.
وتعدّ إسرائيل دولة صناعية بالكامل مع ناتج محلي إجمالي مساو لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وسجل حافل بالدفاع عن نفسها. كما أنها تندمج ببطء في جوارها. ويتمتع الإسرائيليون بعلاقات ممتازة مع خصميها السابقين اليونان وقبرص، وتسعى الحكومة التركية لإقامة علاقة جديدة معها. كما نذكر بالطبع شركاءها الجدد في العالم العربي البحرين والإمارات والمغرب، بالإضافة إلى القدامى الأردن ومصر.
ويبدو أن الولايات المتحدة وأصدقاءها في المنطقة قد وصلوا إلى منعطف لم تعد فيه مصالحهم متوافقة. ويمكن للمسؤولين في واشنطن وعبر عواصم الشرق الأوسط إعادة تشكيل العلاقات التي أصبحت قديمة بناء على مجموعة جديدة من الأهداف، ولكن تلك التي قد تفكر فيها الولايات المتحدة (مواجهة الصين وروسيا أو ربما دمج إيران في المنطقة لتحقيق الاستقرار فيها) لا تجد من يتبناها. كما قد نشهد تطورات غريبة مثل دعم شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لروسيا وتعميق علاقاتهم مع الصين.
وبحسب كوك “ربما يكون المصطلح الأكثر دقة لهذه التطورات هو ‘الأعراض المرضية’ التي تشير إلى وفاة النظام الأميركي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية وعدم اليقين بشأن ما سيأتي بعد ذلك”.