صخرة سيزيف في أرض الفتنة

الخميس 2015/07/30

مدهش هذا الحال! بل صاعق وباعثٌ على الذّهول إلى درجة الشعور بالدّوخة والدّوار. فقد أمسى الواقع، واقعنا هذا، سورياليا بكل المقاييس، لا يُعرف له رأس ولا أساس، ولا شكل ولا مقياس: مرّة بعد كل مرّة، وبسبب أو بلا سبب، يتفرّق المسلمون إلى فرق متلاسنة متشاجرة متناحرة ومتبادلة لأنماط النبذ والإبادة، ومرّة ككل مرّة، نطرح على أنفسنا نفس السؤال، ما الخطب؟ ما العطب؟ ثم ننظر في أمر الفريق الأوّل فنراه يرفع لافتة كبيرة كتب عليها “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود، النّصر للإسلام”. وننظر في أمر الفريق المقابل فنراه يرفع هو الآخر لافتة كبيرة كتب عليها –ويا للمصادفة!- نفس الكلام، “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود، النّصر للإسلام”.

وبعد هذا التطابق المطلق في مضامين الإعلان، ورغم هذا التوافق التام في تفاصيل الاتهام، يتقاتل الفريقان حتى الموت. ثم ماذا بعد؟ بعد سنوات من الخراب اليباب والموت الزّؤام يتنادى الجمعان المقبوران: الصلاة جامعة، وقد تعلمنا من شيوخنا الأفاضل بأن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إخوة متآلفين، وبأنهم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضهم بعضا، وبأنهم يد واحدة متصافحة متلاحمة، بعضهم لبعض وليا ونصيراً وظهيراً، وما إلى ذلك من عناوين معروفة.

وفجأة تسقط الرحمة عل القلوب، ويقتنع الفريقان بوقف النزيف، ويقرران كفّ أذى بعضهم عن بعض، ويتعوّذان من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويتعاهدان على السلم والوئام وتفويت الفرصة على المتربصين بالإسلام من أعداء الملة والدين.

ويبقى هناك إجراء ضروري في الأخير: حتى يُغلق الباب في وجه أي اتهام قد يوجهه المسلم لأخيه المسلم فيُحمله وزر ما مضى من فتن وما فات من محن، وتنهض الفتنة النائمة تحت الرّماد، يلجأ الفريق الأوّل إلى اتهام أميركا وإسرائيل واليهود بإشعال نار الفتنة بين المسلمين، ثم يدعو عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكذلك يفعل الفريق الثاني إذ يتهم أميركا واليهود وإسرائيل بأنهم من أشعل نار الفتنة بين المسلمين المسالمين، ثم يدعو عليهم باللعنة والوفاة والمصائب والآفات.

ومرّة أخرى، يعود الفريق الأوّل إلى حمل لافتة كتب عليها شعار “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود، النّصر للإسلام”، ويعود الفريق الثاني –ويا للمصادفة!- لحمل لافتة كتب عليها نفس الكلام لا يزيد عليه حرفا ولا ينقص حرفا، “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود، النّصر للإسلام”، ثم يتقاتل الفريقان حتى الموت.. وهكذا دواليك دواليك.. إلى غاية فتن آخر الدّهر، فتنة “الدّجال الأعور” و”الثعبان الأقرع” وغير ذلك من أخبار القبور وأهوال يوم النّشور.. أو هكذا يريدها البعض.

24