صانع كرات جلدية في المغرب يقاوم اندثار حرفته

مراكش (المغرب) - وسط زحام المدينة العتيقة في مراكش، ينهمك كمال بوقنطار في محله الصغير، صانعًا كرات كرة القدم من الجلد الطبيعي. ويصارع بوقنطار (52 عامًا) الزمن للحفاظ على حرفة نادرة، في ظل قلة الاهتمام بهذا النوع من الكرات الذي يتطلب صنعها مهارة وخبرة، فالرجل يكاد يكون الوحيد في المغرب الذي يمتهن صناعة الكرات يدويًا، ويحاول جاهدا أن تبقى شعلة هذه الحرفة مشتعلة حتى لا تندثر.
وبعد الولوج من باب الدباغ التاريخي في المدينة العتيقة بمراكش، والسير بضعة خطوات، تتجاور محلات بيع الجلد، وحرف صناعة المنتوجات الجلدية، بينما ينهمك بوقنطار في محله في صنع الكرات، وكله نشاط وحيوية.
ويقول بوقنطار إن صناعة الكرات تجري في دمه، خاصة أن والديه دأبا على صناعتها منذ مدة طويلة، لافتا إلى أن والدته كانت تعين والده على صناعة الكرات من ستينات إلى تسعينات القرن الماضي، ثم واجهت هذه الصناعة سنوات عجاف استمرت لعقد من الزمن حتى 1990، ليأتي كمال ويعيد إحياءها.
وفيما يتعلق بالزبائن، يلفت بوقنطار إلى أن معظمهم من الأفراد، وقليل من الفرق والمحلات التجارية التي تبيع الملابس والأدوات الرياضية. ويتلقى كذلك طلبات لصناعة كرات معينة، مثل نماذج تعود إلى سنوات قديمة، كما هو حال زبون طلب كرة مماثلة لتلك التي شهدت المباراة النهائية لمونديال الأوروغواي عام 1930.
ويحتفظ بوقنطار بعشرات النماذج لكرات، منها من كانت شاهدة على بطولات كأس العالم السابقة. وأشار إلى أنه يُفاوض أحد الزبائن لصنع جميع نماذج كرات بطولات كأس العالم السابقة.
وبمهارة فائقة، يشرع بوقنطار في تقطيع أشكال صغيرة من الجلد بدقة وعناية، لينتقل بعدها إلى عملية الخياطة التي تستغرق مدة زمنية تختلف بحسب نوعية الكرة، فبينما تتطلب بعض الكرات يومًا ونصف يوم أو يومين فقط لإنجازها، قد تستغرق أخرى 3 أو 4 أيام، في حين يصل زمن إتمام بعض النماذج المعقدة إلى أسبوعين كاملين.
ويؤكد بوقنطار أن صناعة الكرة الجلدية تتطلب تراثًا عائليًا وحبًا عميقًا للمهنة، فمثل هذه الحرف اليدوية لا تُتقن إلا من خلال الارتباط الوثيق بها، وهو ما يُعبّر عنه بقوله “أعمل وأشم رائحة الولدين من خلال هذه الحرفة”. ويُتقن بوقنطار أيضًا صنع كرة الرغبي المستطيلة، وكرة اليد، وكرة الطائرة، مُقدمًا إبداعات متنوعة تُلبّي احتياجات مختلف الرياضات.
ولا تقتصر ورشة الحرفي الخمسيني على صناعة الكرات فحسب، بل هي أشبه بمصحة تُعيد للكرات رونقها وتُنقذها من التلف، فما إن تطأ قدماك عتبة هذه الورشة، حتى تُذهلك روعة النماذج المعروضة، من كرات تقليدية قديمة إلى كرات حديثة مستخدمة في بطولات كأس العالم.
ويروي قصة تسمية ورشته بـ”مصحة الكرة” قائلا “في أحد الأيام، كنت أُصلح كرة ممزقة بشكل شبه كلي، وانهمكت في خياطتها مدة طويلة حتى أحسستُ بالغضب، فقلتُ لنفسي: هل أنا في المستشفى؟ ومن هنا، اتّخذتُ قرار تسمية ورشتي بمصحة الكرة”.
ويُقدم بوقنطار لزبائنه ألبوم صور يضمّ 50 نموذجًا من الكرات التي صنعها هو أو والده، ممّا يُتيح لهم اختيار النموذج الذي يُناسبهم. ويُعرب عن أسفه لاستخدام البلاستيك في صناعة الكرات الحديثة، مؤكّدًا أنّ هذه الكرات لا تدوم طويلاً، بينما تتميّز الكرات الجلدية بمتانتها وقدرتها على البقاء لسنوات طويلة، مشددا على أهمية الاهتمام بصناعة الكرات الجلدية، كونها جزءًا لا يتجزّأ من تاريخ كرة القدم.
ويقترح عرض هذه الكرات مع المنتخب الوطني في البطولات، أو المشاركة بها في معارض وطنية ودولية، مُؤكّدًا أنّ ذلك سيساهم في الحفاظ على هذا التراث العريق. ويُمثل كمال رمزًا لصراع الحرفيين للحفاظ على مهنهم في ظل العصرنة والتغيرات. فشغفه بصناعة الكرات يدويًا يُعد نموذجًا فريدًا للحفاظ على حرفة تقليدية مهددة بالاندثار.